الإعلام و الاتصال و الإبلاغ
تقول القاعدة اللغوية أن الكلمات غير مترادفة و إن حدث ترادف فذلك يكون جزئيا. فلكل كلمة ما يميزها عن غيرها، و من هنا أمكن أن الإعلام ليس بالضرورة اتصال و الاتصال ليس بالضرورة إبلاغ و هكذا. و الحاصل أن عدم الإلمام بتمايز الكلمات و تباين الترجمات من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية ساهما في إحداث هذه النزعة الترادفية إن صح هذا التعبير. فأهل المغرب الكبير يتأثرون باللغة الفرنسة فيميزون الإعلام عن الاتصال. فالتونسيون يسمون قسم الإعلام بمعهد علوم الأخبار (ترجمة من تعبير ( Sciences de l' Information) . و يخالفهم الجزائريون في ذلك فيسمون قسمهم بمعهد علوم الإعلام و الاتصال. يلاحظ هنا أن التسمية التونسية تركز على الأخبار بينما تستخدم التسمية الجزائرية الإعلام و الاتصال معا، و كلاهما ينطلق من كلمة (Information ) . أما المغاربة (من المغرب ذاته) فيتجنبون هذا الجدل و يسمون قسمهم بمعهد الصحافة بالرباط (ربما اقتداء بمعهد الصحافة بباريس). و يلاحظ في التسمية المغربية ارتباط اسم المعهد بالمدينة (أي الرباط) و ليس بالجامعة. و يتفق التونسيون و الجزائريون على استخدام كلمة الاتصال في تسمية مجلتيهما فيقولون المجلة التونسية لعلوم الاتصال و المجلة الجزائرية للاتصال. و يتفق جميع المغاربة علي تسمية القسم بمعهد رغم أن المعهد مثل القسم جزء من الجامعة. و يتأثر أهل المشرق العربي باللغة الإنجليزية فيفضلون كلمة الإعلام كقولهم قسم الإعلام أو كلية الإعلام، وهم يستخدمون كلمة الاتصال في أد بياتهم كثيرا فيقولون الاتصال الجماهيري ( ترجمة من (Mass Communication) ) . و يحدث أن يكون مقرر الدراسة نظريات الاتصال و يكون اسم المرجع نظريات الإعلام، و هو ما يوحي أن الاتصال يرادف الإعلام. و يختلف أهل المشرق بدورهم في ترجمة تعبير (Mass Media) ، فالبعض يقول وسائل الاتصال، و البعض الآخر يقول وسائط الاتصال و يفضل البعض الآخر وسائل الإعلام. و يتفق العرب مغربا و مشرقا على تسمية الوكالات الخاصة بتغطية الأحداث و توزيع الأخبار بوكالات الأنباء كقولهم وكالة الأنباء المغربية ووكالة الأنباء السعودية وهكذا و ذلك ما قد يحدث الانطباع بأن الأنباء هي الأخبار الأمر الذي يعيدنا إلى مسألة الترادف من جديد.
و قد ساهمت اللغات الأجنبية أيضا في إحداث هذا الترادف أو الخلط بين الإعلام و الاتصال فكلمة (Communication) تشير إلى الإعلام و الاتصال معا كقولهم (Personal Communication) أي الاتصال الشخصى و (Mass Communication) أي الاتصال أو الإعلام الجماهيري. وهم يضيفون حرف (s) على كلمة (Communication) فتصبح (Communications) و يقصدون بذلك وسائل الاتصال مثل الهاتف و الأقمار الصناعية (و البعض يسميها الاصطناعية) و الألياف الضوئية (والبعض يسميها الألياف البصرية) و الحاسب و ليس وسائل الإعلام مثل الصحيفة و الإذاعة و التلفزيون. أما الفرنسيون فيضيفون كلمة ( Information ) إلى كلمة (Communication ) للتمييز بين الإعلام و الاتصال كقولهم علوم الإعلام و الاتصال (Sciences de l' Information et de la Communication ) ، غير أن كلمة (Information) لا تعني بالضرورة الإعلام بل المعلومة كقول الإنجليز و الأمريكيين (Information Technology) أي تكنولوجيا المعلومات و ( Information Society) أي مجتمع المعلومات، الخ.
إن العودة إلى القاعدة اللغوية المذكورة أعلاه تساعدنا في التمييز بين الإعلام و الاتصال إضافة إلى كلمة الإبلاغ الأكثر قدما من الإعلام و الاتصال. فكلمة الإعلام في نظرنا تتضمن الخبر (بخصائصه: الأهمية و الآنية) و الوسيلة و الجمهرة و التدفق الأحادي نسبيا. ينطبق ذلك على الصحيفة و المجلة و الإذاعة و التلفزيون. أما الكتاب و المسرح و السينما فيعدم فيها الخبر ومن ثم فهي اتصال. و تغيب الجمهرة في وسائل الهاتف و الفاكس و (التلكس) ومن ثم فهي وسائل اتصال وليست وسائل إعلام. أما الحاسب و الشبكات المعلوماتية فهي تجمع الاتصال و الإعلام إذ توجد وسائل الإعلام في هذه الوسيلة ومن ثم سميت بالإعلام المتعدد أي أنه وسيلة اتصال و إعلام. أما كلمة الاتصال فيتضمن التدفق المتبادل لا الأحادي النسبي ، وهذا ما نجده في الأصل اللاتيني لكلمة ( Communication )أي ( Communis) أي الاشتراك ثم اشتقت كلمة ( Commun) أي المشترك وما يشترك فيه أفراد المجتمع ثم كلمة ( Community) أي الجماعة فكلمة ( Communication ) أي الاتصال. و عليه، فما يدور بين أفراد المجتمع من تفاعل هو اتصال إذ يتضمن التبادل المشترك. وفي هذه الحالة، يكون المحتوي أشمل من الخبر و تغيب الوسيلة التقنية و الجمهرة و التدفق الأحادي النسبي. أما الترادف الجزئي بين الإعلام و الاتصال فيكمن في قول البعض أن كل إعلام هو اتصال و ليس كل اتصال إعلام. و يمكننا في هذا المستوي أن ندخل كلمة الإبلاغ (من التبليغ) وهي أقدم و أبلغ كما تشير الكلمة من الإعلام و الاتصال ، أي في الإبلاغ بلاغة. و قد ارتبط الإبلاغ بالقيم وليس بالخبر ضرورة، فيقال أعلمته بالخبر وأبلغته الرسالة. و يشتق من الإبلاغ محتوي القيم أي البلاغ المبين. وفي نظرنا فإن الأصح أن نقول الدعوة و الإبلاغ و ليس الدعوة و الإعلام لأن الإبلاغ يخص محتوي غير محدد بالزمان و المكان بينما يخص الإعلام الخبر الذي يتحول إلى التاريخ فور فقدانه عنصر الآنية. و يمكن أن تستخدم الدعوة الصحف و المجلات و الإذاعة و التلفزيون في إبلاغ الجمهور بالرسالة شأنها في ذلك شأن التربويون الذين يستخدمون التلفزيون و الحاسب في التعليم و يسمون ذلك بتكنولوجيا التعليم ( Educational Technology) و لا بأس في هذه الحالة من استخدام تكنولوجيا الدعوة اقتداء بمصطلح التربويين.
بقي أن نختم بالقول أن التعدد في تعريف الكلمات ثراء ما لم يؤدي ذلك إلى الترادف و الخلط، وقد يؤدي التداخل غير المبرر إلى سوء الفهم و شعور المتلقي بما شعره أعرابي قديما عندما مر يوما على جماعة من النحاة يتجادلون في قواعد نحوية متداخلة كثيرا، ولما لم يفهم كلامهم قال لهم: تتكلمون في كلامنا بكلام ليس من كلامنا! و القاعدة المطلوبة في هذا الإطار أن تستخدم الكلمة في موضعها الحقيقي، فلكل مقام مقال أو، دون أن نرادف ذلك، لكل مجال حديث.
إرسال تعليق