الأفلام «الوثائقية» تتفوق علي «الروائية» في كشف مآسي الاحتلال الأمريكي للعراق كتب ريهام جودة |
بينما تطول الحرب علي العراق وتتدهور الأوضاع في أرضه المحتلة بشكل لا يوحي بانتهائها عما قريب، يزداد الاهتمام والشغف من قبل صناع السينما برصد ما يحدث هناك، بشكل دفع كثيراً من المؤرخين السينمائيين، لتأكيد أن الحرب علي العراق قد خلقت نمطاً جديداً لأفلام الحروب التي امتلأت بها الذاكرة السينمائية، وهذا النمط يختلف عن الأفلام الكلاسيكية للحروب، التي خاضتها الولايات المتحدة سابقاً مثل الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، ونشأت عليها الأجيال السابقة. «روبرت .أ. ردايفنبورت» الكولونيل المتقاعد في الجيش الأمريكي، ومؤلف موسوعة «أفلام الحرب» يؤكد تزايد تقديم الأفلام الروائية والوثائقية عن الحرب علي العراق، مع تزايد الموقف الرافض الوجود الأمريكي في العراق، والمطالب بانسحاب القوات الأمريكية منه، ويشبه «دايفنبورت» - الذي عمل مستشاراً فنياً في فيلم «بيرل هاربر» - ذلك بما كان خلال فيتنام، فبعدما كان الرأي العام مؤيداً للحرب بنسبة ١٠٠% أو علي الأقل بنسبة ٩٥%، وتكالبت ستديوهات هوليوود لتعكس الموقف الشعبي وتشجع الحرب حاملة شعار «هيا بنا نتوجه للحرب»، مساهمة منها في شحذ الجماهير وضمان استمرار تأييدها وبقائها خلف الحرب، بدأ التراجع عن تقديم مثل هذه الأفلام، فلم تجد حرب فيتنام صدي لدي الاستديوهات بعد تصاعد الموقف الرافض لها لتقديم المزيد منها، فبدأت السينما الأمريكية بمحاولات فردية من قبل بعض السينمائيين المعادين لحرب فيتنام ومنهم «أوليفر ستون». إلا أن الحرب علي العراق باتت مختلفة، فلم تشهد ستديوهات هوليوود حركة سينمائية واسعة لتقديم أفلام عن الظروف والأوضاع المتعلقة بالعراق إلا مؤخراً، ومن سينمائيين معروفين بأنهم أصحاب اتجاهات جادة، ومنهم «دينزل واشنطن» الذي يجهز حالياً لمشروع فيلم يحمل اسم «صحيفة للأردن»، من المقرر أن ينتجه «واشنطن» ويلعب بطولته أيضاً، والفيلم مأخوذ عن مقال كتبته «دانييل تروان» في صحيفة «نيويورك تايمز»، نشر في يناير الماضي تصف خلاله جريدة نشرها خطيبها الذي كان يعمل جندياً في العراق وقتل في إحدي المعارك، في أكتوبر الماضي، وهذه الجريدة التي عكف الجندي علي صياغتها تحمل كثيراً من الأوصاف المتردية لما يحدث في العراق. ويؤكد «دايفنبورت»: كلما تتوغل الحرب تظهر الأفلام التي تعكسها، ولا تزال أمامنا فرصة أن نشهد أفلام كثيرة عن الحرب علي العراق، وعن أشياء أخري محيطة بها وبحقائقها الكبري، وتعرض نتائجها من اتجاهات وآراء عديدة. وبعيداً عن هوليوود وستديوهاتها الكبري، وبعيداً أيضاً عن الأفلام الروائية، جاءت الأفلام الوثائقية لتكون الأكثر تعبيراً والأصدق في نقل ما يحدث في العراق، وقد جاءت مشاركة هذه الأفلام في مهرجانات دولية أو حصولها علي جوائز تقديراً من صناع السينما لزملائهم الذين خاطروا بأرواحهم لتصوير أفلامهم في العراق، خاصة أنه علي عكس الأفلام الروائية يجري تصوير الأفلام الوثائقية في الموقع الأصلي للأحداث لمزيد من المصداقية، بينما تستعيض الأفلام الروائية عن العراق بالمغرب للتصوير به نظراً لتشابه صحرائه وشوارعه بالعراق. ولذلك جاءت معظم الأفلام المقدمة عن العراق وثائقية وتم صنعها بشكل دفعها للمشاركة في المنافسات السينمائية الكبري، فاثنالدمن بين ٥ أفلام رشحت هذا العام لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي كانا عن الحرب علي العراق وهما «العراق مفتتا» إخراج «جيمس لونجلي» عن العنف الذي يغلف حياة العراقيين بعد الحرب، و«بلدي.. بلدي» إخراج «لورا بويتراس» عن أول انتخابات تعقد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٥. «جيمس لونجلي» سبق أن قدم الفيلمين الوثائقيين أيضاً «الاحتلال - أرض الأحلام» و«قصر البنادق»، ويأمل في أن يقدم صناع السينما مزيداً من أفلام الحرب علي العراق، وإن أبدي أسفه لقلة عدد الأمريكيين الذين شاهدوا أفلامه أو أفلام زملائه التي تتناول الحرب سواء في دور العرض السينمائية أو عبر القنوات التليفزيونية. ويضيف «لونجلي»: نشأنا في الولايات المتحدة علي عادة مشاهدة أفلام الحروب، ولكنها كانت دائماً تقدم وجهات نظر الجنود الأمريكيين، إلا أنني عبر أفلامي حرصت علي تسجيل حياة المواطنين العراقيين اليومية، لأن هؤلاء الناس الذين يظهرون في أفلامي لا علاقة لهم بالصراعات الدائرة، وهذه وجهة نظر، مهم أن أقدمها في أفلامي. أما «لورا بويتراس» مخرجة فيلم «بلدي.. بلدي» فتقول: «نحاول أن نوثق الحرب، وأن نعبر عن المأساة بشكل عاطفي جداً»، وتبرر «بويتراس» غلبة الأفلام الوثائقية علي الأفلام الروائية التي تتناول الحرب علي العراق، بكون صانع الأفلام الوثائقية يستطيع الدخول إلي العراق بشكل أسرع وأسهل من صانع الأفلام الروائية، فصانع الأفلام الوثائقية كما تصفه «بويتراس» هو مخرج يجمع اللقطات ويلتقطها ويغادر، مقارنة بصعوبة تقديم فيلم روائي في العراق وتصويره هناك في السنوات الأخيرة، إضافة إلي خطورة الأوضاع الأمنية. ولعل ذلك ما جعل صناعة الأفلام الوثائقية عن الحرب علي العراق تتميز بالابتكار في سينمات الحروب، فمخرجة فيلم «أشرطة الحرب» «ديبورا سكرانتون»، الذي عرض العام الماضي منحت كاميرا فيديو للجنود الأمريكيين ليصنعوا بأنفسهم سم فيلماً عن أحوالهم هناك، وتقديم وجهات نظر مختلفة حول رؤيتهم للحرب والإدارة الأمريكية. إلا أن قلة الأفلام الروائية عن الحرب علي العراق، كانت حافزاً لبعض السينمائيين لتقديم أعمال جديدة ومنهم المخرج «إيروين وينكلر» الذي يبدأ قريباً تصوير فيلم «وطن الشجعان» في المغرب، ويلعب بطولته «ساميويل إل جاكسون» و«جيسكا بيل» عن مجموعة من الجنود يعودون إلي الوطن من العراق ويحاولون استعادة حياتهم التي كانوا يعيشونها قبل سفرهم. ويؤكد «وينكلر» أنه لم يقرأ الكثير من القصص عن عشرات الجنود العائدين من الحرب، إلا أن الفيلم الشهير «صيد الغزلان» ألهمه بتقديم الفيلم، ويضيف «وينكلر»: في الأفلام الوثائقية نحن معنيون بما يحدث حقاً في العراق، ولكن في الأفلام الروائية ما نستطيع فعله هو إحضار ممثلين حقيقيين ليرسموا مشاعر حقيقية تصنع دراما مؤثرة. وربما جاء تقديم «وينكلر» لفيلم عن العراق رغبة في صنع فيلم ناجح أو مؤثر يتواكب مع الأحداث، إلا أن الموقف يختلف مع الممثل «جون كوزاك» الذي حصل فيلمه «جريس رحلت» علي جائزة الجمهور في مهرجان صن دانس مؤخراً. «كوزاك» يؤكد أنه بدأ البحث عن فكرة فيلم عن الحرب علي العراق لأن إدارة بوش كان لها دور كبير في إجبار وتوحيد سياسات البنتاجون لمنع تغطية وسائل الإعلام الأمريكية ونشر صور جثث العائدين من الحرب، ويقول «كوزاك»: وقتها .. فكرت يا إلهي، هل يظنون أنهم يتحكمون في الموت فقط بمنع صور الموتي؟، استفزني ذلك لأقدم فيلماً عن الأكفان العائدة. ويحكي فيلم «جريس رحلت» قصة أب يصطحب طفلتيه في رحلة، يحاول من خلالها تعويضهما عن أمهما التي توفيت خلال خدمتها في العراق كجندية، ويشير «وينكلر» إلي كون ستديوهات هوليوود الكبري قد بدأت تلتفت أخيراً إلي إمكانية تقديم فيلم جاد بجانب تقديم أفلام كوميدية أو ترفيهية، متفائلاً بإمكانية زيادة عدد الأفلام الروائية مستقبلاً، خاصة مع ازدياد الموقف الرافض للحرب من قبل كثير من السينمائيين. |
إرسال تعليق