السميائيات التأويلية ... عبد الله بريمي
نحو وعي نقدي لتأصيل التأويل وتحيين القيم
قد يكون الحديث عن تأصيل التأويل أمراً بالغ الصعوبة، لما يثير حوله من جدالات، بل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى سوء الفهم. فالتأصيل هنا هو حالة النضج التي وصل إليها التأويل؛ إذ ساهم على نحو كبير في تجديدالوعي النقدي، من خلال إعادة النظر في طريقة التعاطي مع قضايا المعنى وإشكالاته،وأشكال تصريفه وتداوله وتلقيه.
إن هذا التأصيل عمل على تهذيب القراءة النقدية، وحاول انتشالها من الرؤية الانطباعية التي ظلت أسيرة زخم هائل من المفاهيمالنظرية المتحجرة والانفعالية المنطوية على ذاتها؛ وهي رؤية »تكتفي في أحسن الحالاتبوصف النص ومكوناته خارج غاياته الدلالية والجمالية، مما حول الفعل النقدي إلىممارسة تكنوقراطية تقف عند حدود الوصف والتعيين المباشر لمكونات النصالمباشرة»تلك هي حالة النقد العربي اليوم الذي حاصر نفسه بالعديد منالمفاهيم النظرية المجرّدة من أيّ غطاء فلسفي؛ حيث لم يقم سوى بنقلها واستيرادهادون العمل على تطويرها وتوطينها والتفاعل معها، الأمر الذي جعل هذا النقد لم يجددآلياته ويغني منطلقاته بأصول نظرية إضافية تعطي للمعرفة النقدية والنظرية على حدّسواء نقلة نوعية من شأنها إضاءة العمل الأدبي. لكن على النقد الذي يريد أن يضيءجوانب العمل الأدبي، والذي يسعى لطرح تأويل مقنع له، أن يعي الأصول والأسس الفلسفيةالتي تنهض عليها ممارساته، حتى يكسب هذه الممارسات قدرا من التماسك والإقناع. وبعيدا عن هذه الأصول لا يمكن الحديث عن بناء تصورات نظرية وعملية مهما كانشكلها.
من هنا، لا يمكن تناول مفهوم التأويل أو السيميائيات التأويلية بعيداعن أسسها الفلسفية، لأنّ كلّ محاولة لممارسة هذا التأويل، كنسق تامّ له خصوصياتهالمتفرِّدة دون مراعاة السياق الفلسفي والأساس الإبستمولوجي الذي يتضمنه، يجعلناعرضة للوقوع في مزالق الاختزال والفهم الناقص، لأنّ كلّ نسق يستند إلى مسلماتفلسفية، وهي مسلمات تختزن داخلها رؤية ما للعالم ولمكانة الإنسان داخله. ويجدر بناألاّ نتجاهل هذه الأشياء، خاصة وأن السيميائي الأمريكي شارل ساندرس بورس نفسه أكّدفي هذا الإطار، بحسب ما يذكر جيرار دولودال، » أن للذين يهملون الفلسفة نظرياتميتافيزيقية شأنهم في ذلك شأن الآخرين«(
إن الوعي بأهمية هذه الأسس هوالحافز والمبرّر لكتابة هذه الأسطر، وسنتخذ من حالة الناقد المغربي الدكتور سعيدبنكراد نموذجا لتمثّلها واستيعابها باعتباره واحدا من المفكرين الذين سجلوا أسماءهمفي المشهد النقدي المغربي والذين سعوا بوعي نقدي حثيث إلى تأصيل التأويل وتجديدالنقد العربي من خلال أعماله الفكرية وترجماته(3). وهذا هو سرّ الاهتمام بالتعرفعلى مسار عملية التأويل وتطورها من ناحية، وعلى أصولها الفكرية والفلسفية من ناحيةأخرى. يتعلق الأمر بالمقترحات التي جاءت بها السيميائيات والسيميائيات التأويليةأساسا كما رصد ملامحها وتحققاتها في النص الدكتور سعيد بنكراد.
من هذا المنطلقسنعمل، في هذا المقال، على إبراز مجموعة من الملاحظات النقدية تخصّ أساسا الأسسالمعرفية والفلسفية التي انطلقت منها السيميائيات التأويلية ثم تصورها للنص والقارئوإنتاج الدلالة وأشكال تأويلها. ولا ندّعي في هذه الصفحات القليلة القيام بعرض وافٍعن هذه النظرية فذاك طموح آخر ـ يتجاوز على الأقل هذه الصفحات ـ بل سنكتفي بتحديدبعض الأسس الفلسفية التي احتضنتها ثم طريقتها في رصد المعنى بكل غاياته وأبعادهوطرق تصريفه.
السيميائيات التأويلية: الأساسالإبستمولوجي والمردودية التحليلية:
تنطلق السميائيات التأويليةباعتبارها نشاطا معرفيا بالغ الأهمية والخصوصية من حيث الأصول والامتدادات منتصورات نظرية دلالية وجمالية، تجد في سيميائيات بورس الظاهراتية والتسنين السرديوالثقافي عند كل من أمبرتو إيكو ويوري لوتمان وغريماس ورمزية كاسيرير وسميولوجيابارث منطلقا لها. لكن الناقد سعيد بنكراد لم يعد حبيس هذه المنطلقات، بل حاولالتفاعل معها وجعل مواقفه من التأويل والسميائيات تسكن اللغة العربية متخذا لنفسهنسقا منفردا ومتفرّدا أعطى لتأويلاته استقلالها وطابعها الذاتي خاصة أثناء الممارسةباعتبارها التطبيق المخصوص الذي يُمدّ النظرية بعناصر محلية وتلوينات ثقافيةتغنيها(4). ونقصد بالنظرية السيميائية خطابا نظريا حول الظواهر التأويلية حيث تباشرالنص بوصفه خزانا من الإمكانات الدلالية، وتهتم بكل مجالات الفعل الإنساني؛ فهيبذلك آلية نقدية لمقاربة كل مظاهر وتجليات السلوك الإنساني بدءا بأبسط الانفعالاتوانتهاء بأكبر الأنساق الإيديولوجية، وهي مجموعة من المفاهيم المنظَّمة التي تمكّنمن وصف آليات إنتاج الدلالة داخل موضوع ثقافي ما. ولفهم ما تدلّ عليه هذه السيرورةفي أبعادها النظرية والعملية، لابد من تحديد المستويات الدلالية التي تحتضنها، حيثلا وجود لمعنى ما إلا من خلال سيرورة تنقله من حدوده المفهومية المجردةوالمتصلةوالمعزولة عن أي سياق إلى كيانات أو مستويات ملموسة يُستثمَر من خلالها هذا المعنىويَستحضر كل أشكال التدليل التي تحققه في واقعة ما. إن هذا الانتقال لا يتم بصورةاعتباطية، بل بواسطة أشكال توسطية ثقافية ورمزية تربط بين المجرد والمحسوس أو بينالنموذج ونسخته، وهي أشكال تحدد العلاقات وصور التبادل الممكنة بين المستويين »فمابين المحافل الأصلية الأولى حيث تتلقى المادة المضمونية أولى تمفصلاتها وتتشكلباعتبارها شكلا دالا، وبين المحافل النهائية حيث تتجلى الدلالة من خلال لغاتمتعددة، يمكن إدراج محفل للتوسط تنتظم داخله بنيات سميائية تمتلك وضعامستقلا«(
إن هذه البنيات لصيقة بالفعل التأويلي، وهو فعل محكومباستراتيجية تسعى إلى تحديد الطرق التي يتم بها تشكيل المعنى وتنظيمه داخل وقائعمادية قصد تداوله وتصريفه في أفعال وممارسات وسلوكات مخصوصة.
إن هذه الخاصيةتجعل من السيميائيات التأويلية نشاطا معرفيا متكاملا وهو نشاط لا يقتصر على ممارسةمحدودة دون غيرها، بل إننا نُلفي داخل هذا النشاط نموذجا تأويليا وتحليليا يأويإليه كل الوقائع الدالة التي تنتجها الممارسة الإنسانية في أبعادها الفرديةوالجماعية .
لهذا تجد السيميائيات التأويلية كما يشغل جهازها المفهومي الدكتورسعيد بنكراد لا تنفرد بموضوع محدّد، فهي تهتمّ بكل الظواهر الثقافية الدّالة وكل ماينتمي إلى التجربة الإنسانية بدل الاقتصار على ما هو لساني في هذه التجربة فقط ؛ » إن كل مظاهر اليومي للإنسان تشكّل موضوعا للسيميائيات. وبعبارة أخرى فإن كل ما تضعهالثقافة بين أيدينا هو في الأصل والاشتغال علامات تخبر عن هذه الثقافة وتكشف عنهويتها. فالضحك والبكاء والفرح واللباس وطريقة استقبال الضيوف وإشارات المروروالطقوس الاجتماعية والأشياء التي نتداولها فيما بيننا، وكذلك النصوص الأدبيةوالأعمال الفنية، كلها علامات نستند إليها في التواصل مع محيطنا «(6). ممّا يبيّنأن الأشياء التي يستند إليها هذا الباحث في شرح تصوره النظري هي أشياء تنتسب إلىالحقل الوجداني والعملي والعقلي، متبنيا في ذلك مفهوم السميوزيس كما تصوره وصاغحدوه السيميائي الأمريكي شارل ساندرس بورس؛ والسميوزيس هي السيرورة التأويلية التييشتغل من خلالها شيء ما باعتباره علامة، لذلك لا يمكن تصور مفهوم الدلالة خارج مدارسيرورة السميوزيس، فهو مفهوم يتضمن من جهة أولى، القدرة على إنتاج الدلالة استناداإلى معطيات مباشرة هي ما يشكل الوجود الأصلي للعلامة وجوهرها الحقيقي، كما يتضمن منجهة ثانية، لحظات إضافية تنزاح عن التعيين لتعانق سيرورة التأويل بوصفها إواليةضمنية داخل أي سيرورة لإنتاج الدلالة وتداولها. وهذا الاستقطاب هو ما أطلق عليهالدكتور سعيد بنكراد الوجود الأصلي للظاهرة، لكي يميزه عن العناصر الإضافية التيتعلق بالفعل ضمن حالات ثقافية بعينها، وهذا ما ينعكس على فعل الوصف والتعيين وكلالأنشطة المنتجة للمعاني المباشرة؛ فداخل هذا الاستقطاب يتم التمييز بين اللحظةالخاصة بالتعيين المرجعي "المحايد"، وبين اللحظة المنتجة لدلالات إضافية تستجيبلحاجات لاعلاقة لها بالجوانب النفعية والغريزية المباشرة.
وعلى هذا الأساس وجبالفصل بين مستوى دلالي يكتفي بإنتاج وحدات قيمية من طبيعة تعيينية، وبين مستوى ثانيشير إلى قيم مضافة تدرج الفعل الإنساني ضمن وضع ثقافي خاص
يظهر من خلالذلك، أن التأويل هو محاولة لفهمٍ لا يكترث ولا يقف عند حدود تعيين الأشياء فيدلالاتها المباشرة المنطوية على ذاتها، بل هو انخراط في صلب الرمزي والثقافيانطلاقا من معانٍ إضافية لها القدرة على التدليل والإحالة على قيم دلالية ممكنةخالقة لسياقاتها الخاصة. إن اللحظة الثانية، بوصفها لحظة تأويلية، تحضر في الواقعةعلى شكل إحالات رمزية، وهي إحالات تثير فينا أسئلة تدفعنا باستمرار إلى رحلة البحثعن الحقيقة، هذا البحث، تكون معه الحاجة إلى التأويل ضرورة ملحة. ولأنّ إدراك أيّظاهرة بصورة فعلية، يقتضي استحضار السيرورة التاريخية والقيم الثقافية التي انبثقتمنها هذه الظاهرة وتحوّلت عبرها إلى ذاكرة للفعل الإنساني، فإن تجاوز هذه اللحظةالمباشرة أمر طبيعي، هذا التجاوز يضعنا على عتبات تأويلات أكثر خصوبة وضبطاللاطلاقية والتسيب في الوقت نفسه. إن التأويل، من هذه الزاوية، سيرورة تساهم فيتحويل العالم من حالته العديمة الشكل إلى ما يحدد الأشكال المختلفة للإدراك،انطلاقا من تمفصلات الدلالة، إنه يحوّل العالم إلى أشكال وموضوعات ثقافية تلعب دورالبرنامج (والسلوك الإنساني ليس سوى تحقيق لهذا البرنامج) وتشتغل باعتبارها تعليماتوآليات تهدف إلى خلق وضعيات جديدة يستطيع من خلالها الفرد بناء عالمه بصورة تجعلهقادرا على فهم تجربته وتعميمها وتأويلها وتنظيمها في أشكال وصيغ قابلة للتحقق. إننابمعنى آخر نصوغ من خلال هذا التأويل الواقع الذي نعيش فيه والعالم الذي نرغب أننحياه.
إن التأويل ـ من هذا المنظور - ليس فعلا مطلقا بل هو رسم لخارطةتتحكم فيها الفرضيات الخاصة بالقراءة، وهي فرضيات تسقط انطلاقا من معطيات النصمسيرات تأويلية تطمئن إليها الذات المتلقية «(8)، وهو ما يعني أن الممارسةالتأويلية ضمن هذا النوع تجنح إلى تثبيت السيرورة داخل نقطة معينة، يمكن النظرإليها بوصفها أفقا غائيا داخل مسير تأويلي ما ينطلق من تحديد معطيات أولى إلى إثارةمتوالية من الدلالات المتنوعة والغنية، ليصل في نهاية الأمر إلى تحديد نقطة إرساءدلالية. إنه تأويل ينطلق من "الإدراك" وينتهي عند "الفعل" عبر توسّط الفكر فيأبعادها التداولية، لأن الفكر هو العلامة في أبعادها التداولية، إنه قانون وضرورةودلالة. ويعدّ هذا الأفق صيغة نهائية ستستقر عليها هذه السيرورة، بوصفها حركةتدليلية تقوم على أساس وجود سياق خاص يحدد للتأويل حجمه و مصادره وأبعاده.
إنالسياق، في هذا النسق التدليلي، إستراتيجية تأويلية بانية للنص، وتعمل على ترهينهفي ظل شروط لسانية وتداولية محددة بمرجعياتها وقوانينها الذاتية الممكنة، إنه بهذهالصورة سياق تأويلي قادر، من جهة، على الإمساك بكل الممكنات
الأصلية البانيةوالمنتجة للنص (المسير التوليدي)، وقادر من جهة أخرى على خلق سياقات وظروف تساهم فيتحيين الفعل التأويلي وتقوم بضبط حدود السنن الذي تنتهي عنده كل التسنينات أوالتأويلات الممكنة (المسير التأويلي).
إن ما هو أساس في هذه السيرورة ليس هوطبيعة الدلالة ولا مادتها، بل القانون الذي سيحكمها استقبالا؛ وهو قانون يولد معالسياق ويموت معه، وتلك في اعتقادنا هي الغاية الدلالية والجمالية لكل فعل تأويليخلافا لما تقول به العديد من الاتجاهات التأويلية المعاصرة التي تجعل من التأويلقراءة حرّة يقوم وفقها المؤولون بنخل النصوص واستعمالها للوصول إلى الصيغة التيترضي نواياهم، هذه الاتجاهات تلغي كل هوية للسياق والنص والمؤلف وتدعو إلى تبنيرؤية تأويلية الأساس فيها ليس هو الحصول على دلالة ما، بل التلذّذ بسيرورة إنتاجها،وهي رؤية تأويلية خطية متحررة بعيدة عن كل غائية وتستند إلى لانهائية الفكروالانتشار السرطاني للدلالة كما هو حال التفكيكية، حيث كل التأويلات صحيحة وتنتجحقائقها حتى ولو كانت متناقضة، وكل الإحالات ممكنة حتى لو أدّت إلى إنتاج مدلولاتبعيدة عن المنطق والعقل.
إن السيميائيات التأويلية، بعيدا عن هذه الاتجاهات،تحمل في ثناياها عناصر التنظيم والتأليف، وهي عناصر متصلة بالمنهجية الخاصة بقراءةأيّ نص؛ »فالمعنى هنا مبدأ للتنظيم، فلا يمكن الحديث عن العلامة إلا باعتبارهاأداتنا الرئيسية، إن لم تكن الوحيدة لتنظيم التجربة الإنسانية «(9)، وما ينظم هونفسه ما يحكم التدليل ويساهم في تطوير وبلورة الفعل التأويلي المتعدد. ويظل هذاالفعل أو الإجراء محكوما بأنساق تحدد للمعنى مجمل تحققاته وترسم له في الوقت نفسهكل إرغاماته. هذه الإرغامات تحصر وتحدّ من غلواء التجاوزات المغرقة في الذاتية؛لذلك فالإرغامات التأويلية تشتغل داخل النص بوصفها صدّاً يحدد بصورة صريحة المجالاتأو السياقات المسموح بها أثناء قراءة هذا النص .
إن الإمساك بكل الممكناتالدلالية داخل السميوزيس لا يمكن أن يتم إلا من خلال مستويات، وهي مستويات يمكناختزالها في مظهرين أساسيين حيث يشير كل مظهر إلى تنظيم متفرد وخاص للقيم الدلاليةوذلك بتحديد كل الأنماط المتعلقة بإنتاج هذه القيم وأشكال تصريفها واستهلاكها. وضمنهذين المظهرين يمكننا أن نصنف كل العلامات خاصة تلك التي تعود طبعا إلى السلوكالإنساني كما تمّ تجسيده في مجموعة من الممارسات الاجتماعية والثقافية كالعاداتوالطقوس والاحتفالات والأحكام الاجتماعية.
ففي الحالة الأولى لا نستطيع الإمساكبهذه القيم لأنها تتحدد من خلال صيغ مجردة تتخذ طابعا لازمنيا، فهي لا تعيّن مرجعامحددا، بل هي في الأصل أفكار وممكنات يشترط فيها أن تكون مبهمة وغامضة فهي قيم لاتحيل على أيّ شيء آخر ولا يستلزمها أي شيء سوى ذاتها. إنها سابقة على أي دلالة أوتركيب فهي قيم متصلة ولا يمكن أن يًفكَّر فيها بصورة متمفصلة، ومع المتصل لا نستطيعإنتاج دلالة ما داخل نسيج هذه القيم.
أما في الحالة الثانية، فإن هذه القيمتنتقل من طابعها المبهم إلى المجسَّد والمتحقق في وقائع مخصوصة. فكل سلوك ليس سوىتكثيف لسلسلة من القيم أو السلوكات المتشابهة التي تتكرر في زمن أو مكان ما. يستفادمن هذا الكلام أن الانتقال من المظهر الأول إلى المظهر الثاني ليس انتقالا سكونياموسوما بالثبات أو هو انتقال يكتفي فقط بتحويل ما هو مكثّف ولا زمني داخل المستوىالأول إلى ما هو متمفصل ومحقق داخل المستوى الثاني (من صورة كونية تضم داخلها سلسلةمن الثنائيات على شكل قيم عامة إلى أشكال وصيغ تحققها) إنه على العكس من ذلك انتقالدينامي يبرر العلاقة القائمة بين المستويين. فالمضمون الأول يتطور ويغتني من خلالالتحققات الخاصة؛ فكل تحقق يضيف أو يعدل بهذه الصيغة أو تلك قيما جديدة أو معدلةإلى المضمون الأول . فمفهوم " الحرية " مثلا كمفهوم في ذاته يتميز بكلية المادةالدلالية ، ولا يمكن أن يدل إلاّ من خلال شبكة التمفصلات والتقطيعات المفهومية ـسواء على مستوى شكل أو مادة هذا المفهوم ـ التي يشتمل عليها. فصورة الحرية كحدّداخل مقولة دلالية تامة :
حرية (م) عبودية. (حرية مقابل عبودية)
تتغذىوتتطور بفعل إدراج الوضعيات الإنسانية (الحالات والتحولات) المتنوعة كأشكال ثقافيةتساهم في بنائها مجموعة من العناصر المتداخلة: السياسية والدينية والإيديولوجيةوالأسطورية ....(10). بمعنى آخر فإن مفهوم "الحرية" أو أي مفهوم آخر يشتمل على مجملالإمكانات الدلالية التي تحققه وتجسده. إن هذا المفهوم ينتقي مجمل الصور والأشكالوالأبعاد والمظاهر التي يتجسد من خلالها كل ما يمكن أن يدل على "الحرية" في سياقمحدد. فالحرية في ذاتها تكون متصلا وشيئا معزولا ومفصولا عن أي مرجع مادي محسوستتجسد من خلاله، ولكي تملك القدرة على التدليل لا بدّ من ردّها إلى ما يكوّنهاحينها تتحول عناصرها الداخلية إلى مسيرات دلالية. وفي هذه الحالة فإننا نكون»أماممستويين يُصنف ويؤول ضمنهما الفعل الإنساني: مستوى خارج ـ سيميائي ويتضمن مجملالتصنيفات القيمية والمجردة والقارة. إن هذه القيم توجد خارج الممارسة السيميائيةلأنها انفصلت عن الفعل الخاص، وهو ما يحدد هويتها المتميزة. ومن جهة أخرى هناك ماينتمي إلى السميائي بحصر المعنى، ويعين هذا المستوى كل ما يدرك كتحقق محسوس ضمنسياق خاص. إن التفاعل بين المستويين هو ما يضمن استمرارية الحياة ومعقوليتها. فبدونسقف مجرد لا يمكن تصور فعل خاص، كما أن كل فعل خاص لا بد وأن يصنف ـ عاجلا أو آجلاـ ضمن خانة تبرر وجوده واستمراره « (11). والتأويل في هذه الحالة، وفي كل الحالاتهو تحويل المجرد إلى المحسوس، إنه بلغة أخرى منح البعد الدلالي وجها تصويريا مشخصاقابلا للإدراك والمعاينة. من ثمة فإن كل القيم المنتشرة في مجتمع ما لا يمكن أنتدرك فعليا، إلاّ من خلال تحيينها داخل جهاز، أي إسنادها إلى كائنات تعطيها وجهامشخصا في أفعال وصفات. »ولعلّ هذا ما يسمح لنا بالقول إن للقيم نمطين وجوديينمختلفينيقعان ضمن مستويين مختلفين لإدراك هدا الكون:
ـ نمط يحدد هده القيم علىشكل ثنائيات، ومن هذا الموقع فإن هذه القيم تمتلك وجودا مستقلا عن منتجها: أيالمجموعة
البشرية المنتجة لكل القيم المادية والروحية (الاستقلالية هنا استقلاليةنسبية بطبيعة الحال). وهذا يجعلها تشتغل، لحظة تجسدها في سلوك (صفة) أو فعل (وظيفة) كسلطة لا زمنية تمارس على الإنسان.
ـ ونمط يحدد هذه القيم على شكل ممارسة فعلية (من الفعل) وما نعنيه بالممارسة الفعلية هو استحضار السياق الثقافي (كلحظة زمنيةمحددة) الذي يقوم بتخصيص هذه القيم زمانيا من خلال إدراجها ضمن تاريخية معينة (تاريخانية القيم الإنسانية) ومضمونا من خلال صبها داخل وعاء نص الثقافة الذي يقومبتحديد تلوينها «(12).
إن تكرار هذه القيم يحولها إلى قوالب جاهزة ونسخمحققة لكي تعود من جديد لتمارس سلطتها على القيم الفردية. فالقيم تخضع في تحققهالنموذج عام تثبته التجربة الجماعية لكي تنتج نوعا من التطابق بين الفرد والجماعة،لأن إدراك ما تدلّ عليه هذه القيم، لا يمكن أن يكون إلاّ بعد أن يعاد إنتاجها فيشيء مادي؛ لأنّ معنى العلامة، هو ما يمكن ترجمته وتأويله في علامة أخرى. لذا لانستطيع الاقتراب من علامة ما، إلاّ إذا أنتجنا نسخة وتحققا لهذه العلامة.
»وبناء عليه، يمكن القول إن ميلاد النص هو عملية تقود من مادة مضمونية عديمةالشكل إلى الوجود الفعلي للقيم. فالنص هو اختراق لمتصل لا حدود له. إنه اختراق يصوغالقيم ويعدل ويحذف ويضيف مستندا في ذلك إلى أهلية المتلقي وأهلية الموسوعة الثقافيةالتي ينتج ضمنها النص.
فماذا يعني "الحب" و "الخير" و "الصدق" و "الحقد" و"العدوانية" و "الحرية" وكافة القيم الأخرى خارج حدود النسخ التي تخبر عنها؟ فهذهالقيم لا يمكن أن تدل على أي شيء" فالكون الدلالي يتميز بكلية "المادة الدلالية" ولا يمكن أن يدل إلاّ من خلال شبكة التمفصلات التي يشتمل عليها " «(13).
إنالمعنى بكل تمنّعاته الذي يُسنَد لهذه القيم لا يمكن أن يدرك بصورة فعلية إلا منخلال تحقق هذه القيم وتجسيدها في أدوار أو وظائف ومؤسسات تخرج هذه القيم منتجريديتها وتمنحها وجها مشخصا، وذلك بإعطائها مضمونا وصبّها في وعاء يتم من خلالهتحديد السياق أو التلوينات الثقافية التي تخصص هذه القيم وتخرجها من لازمنيتهاالمطلقة إلى زمن ومكان محددين؛»إن التجسيد هو المدخل الرئيسي نحو خلق سلسلة منالأنساق التي تقوم بتنظيم مجموعة من القيم في أشكال محددة في الزمان وفي المكان. ويسمح هذا التنظيم لهذه القيم ـ تبعا لذلك ـ بالدخول مع بعضها البعض في شبكة منالعلاقات التشابهية التقابلية والعكسية. ولعل هذه العلاقات المتنوعة هي ما يحكم نمطإدراكنا للعالم. فنحن لا ندرك إلا الاختلافات« (14).
ولا يمكن لهذه القيم أنتُحيَّن وتنتج دلالة إلاّ إذا أدرجت ضمن شبكة من العلاقات تمنحها وجها عملياوإجرائيا وتنظيميا قابلا للإدراك والمعاينة. إن هذه العلاقات تمرّر وتصرّف السياقباعتباره شرطا أساسيا لترويج الدلالة والإمساك بها في الآن نفسه. إن تنظيم هذهالقيم داخل وحدات سياقية محددة هو المشكِّل لما نصطلح على تسميته "الإيديولوجيا" أوالصياغة المخصوصة للقيم.
بذلك تكون الإيديولوجيا هي الوجه المرئي والمشخص لهذهالقيم، إنها »التجسيد الفعلي للمادة المضمونية داخل حدود زمنية / فضائية تمنح القيملونا وطعما وخصوصية. إن التشخيص هنا هو إدراج القيم المجردة ضمن سياقات خاصة. فالفعل الخاص يحتاج إلى سياق خاص يميزه ويستمد منه فرادته«(15). وهذه الإيديولوجيالا يمكن أن تكون إلاّ من طبيعة المادي والملموس. إذ ليس هناك أيّ معنى لأيّ سلوك أوممارسة إلاّ في إطار نسيج مركب من المواد المحسوسة. ولا يمكن تصور أي شكل من أشكالالتنظيم الاجتماعي خارج مدار هذا النسيج؛ أي خارج مدار السميوزيس. لهذا فالمطلوب هوإدراك الكيفية التي يتم بها استثمار السميوزيس في كل شكل من أشكال النسيجالاجتماعي. إنها بلغة أخرى تحدد وتهتم بطبيعة الإنتاج الاجتماعي للمعنى باعتبارهارُزما أو أنساقا ثقافية منمذجة ومركبة غايتها في ذلك اختراق الشبكات الاجتماعيةللمعنى. لأن هذا المعنى هو وليد ممارسات أو هو حصيلة وخلاصة عمل اجتماعي.
إن هذه الإيديولوجيا تشتغل بوصفها حصيلة وسنن يكثف داخله كل الأشكال العامةللسلوك الإنساني القابل للتحقق. بمعنى آخر، فلا قيمة للسلوك إلاّ في إدراجه ضمنخانات مركبة تفترض وجود علاقات أو تعاقدات تتخذ شكل استثمارات في كتل من الموادالقابلة للإدراك والمعاينة والتي تعطي لهذا السلوك وغيره تحققاته الممكنة داخل سياقمحدد، وهو ما يضعنا مباشرة أمام الإرغامات الخطابية أو القواعد المحدِّدة للشروطالتي يتم بموجبها إنتاج وتداول شيء ما واستهلاكه (16).
» إن الأفكاروالتمثلات... التي تشكل، فيما يبدو، الإيديولوجيا لا تمتلك وجودا مثاليا أو فكرياأو روحيا، بل تمتلك وجود ماديا. إن الإيديولوجيا لا تظهر إلاّ مجسدة في جهاز وفيممارسته أو ممارساته. إن هذا الوجود وجود مادي. فكل الممارسات المنتشرة في المجتمع،حفلات الزفاف، مراسيم التأبين، تلقي التهاني، وأيضا طريقة الجلوس والأكل واستقبالالضيوف... تندرج ضمن ما يسميه ألتوسير الإيديولوجيا المجسدة، وهي طريقة أخرى للقولإن القيم المجردة تتخذ من خلال الممارسة وجها مشخصا «(17).
إن التحول من النظامالقيمي العام والمجرد إلى التحقق الخاص لا يمكن أن يتم إلاّ باعتماد سلسلة منالقواعد والأنساق التي يتم بها تحيين القيم داخل سياق محدد. إن هذا التحول من العاموالمجرد إلى المحقق، هو تحول لا يتم عن طريق الصدفة، بل هو تحول محكوم باستراتيجيةتنظر إلى الدلالة بوصفها سيرورة تداولية يتحكم فيها محفِلا الإنتاج والتلقي.
إنالسميائيات التأويلية تنطلق من فرضية وجود مسيرات أو سيرورات لها صلة بالإمكاناتالتي تتآلف وتنسجم من خلالها وحدات المعنى في نسق محدد. فالمعنى ـ على نحو ما أشرناإليه سلفا ـ بما هو تسنين وتكثيف لهذا التسنين وتصنيف وتعرّف ونمذجة، هو أداتناالوحيدة في تنظيم التجربة الإنسانية وتحديد أشكال وطرق تمفصلها وتآلف وانسجامعناصرها.
إن التنظيم والانتقاء والحذف والتحجيم والتصنيف... هو ما يعيِّن ويشير إلىالطبيعة الإيديولوجية للمعنى. بذلك نكون أمام عملية تأويلية محكومة باستراتيجية. إنها تتعلق بما هو خطابي، أي بنحوٍ لتوليد المعنى واستثماره في وقائع ملموسة دالة،هذه الاستثمارات هي التي سينظر إليها بوصفها مجموعة من الإرغامات الخطابية المحددةللشروط التي يتم في إطارها أو بمقتضاها إنتاج المعنى وتداوله واستهلاكه.
بناء على كل ما سبق، يمكن النظر إلى الفعل النقدي بوصفه إجراء فكريا يقتضيتصورا متنوعا يمتد في ثلاثة اتجاهات على الأقل:
1- إنه إجراء يعود في المقامالأول إلى النص ذاته. فالنص كيان له عمق وامتداد وأطراف. إنه مكونات، ولا يمكن فهمهبدون التعرف على هذه المكونات وتعيينها ووصفها وتحديد العلاقات الممكنة بينها: للنصالشعري هويته الشكلية، وللنص السردي علامات بها يعرف، وكذلك الأمر مع باقي الأنواعالأدبية.
2- وهو في المقام الثاني معرفة نظرية تعود إلى التصورات التي يملكهاالناقد عن الوقائع الخاصة بالدلالة وطرق إنتاجها والمواد الحاملة لها. فلا يمكن أننتصور قراءة "عفوية" تتم عن طريق الحدس خارج أي سياج نظري، وتكون في الوقت نفسهقادرة على تحديد مواطن المعنى، وقادرة على مطاردته في مظانه، ومن خلال تمنعاتهوإغراءاته. فـ"الحدس فكر لا يسنده فكر سابق"، كما كان يقول بورس، فلذلك فهو لا يمكنأن ينتج قراءة منسجمة. فلهذا تحتاج القراءة النقدية إلى معرفة نظرية تشكل صيغة منالصيغ التي تتيحها لنا المعرفة الإنسانية من أجل وصف المعنى. وهي ذاتها ما يشكلالسبيل نحو تحديد التجليات الممكنة للقيم الإنسانية كما يصوغها النص ويكشف عنحدودها.
وعلى الرغم من ذلك، لا يجب التعامل مع هذه المعرفة النظرية باعتبارهافرضيات مسبقة تسقط قسرا على النص. إن التصورالنظري هو سؤال لا يستدعي جوابا جاهزاولكنه يعد حافزا على خلق أكبر عدد من السيرورات التأويلية الممكنة. فإنتاج نص مايقتضي اقتطاع جزئية ثقافية لتحويلها إلى كون دلالي يتم تشخيصه من خلال خلق وضعياتإنسانية تأخذ على عاتقها إدراج القيم ضمن مقتضيات السلوك المحسوس، ولن تكون مهمةالمحلل هي تفصيل ما يعطيه النص مكثفا، أو تكثيف ما يعطيه النص مفصلا، إن القراءةبناء لسياقات، وخلق لقصديات لم تكن متوقعة من خلال التجلي.
3- وهو إجراء معرفييخص في مرحلة ثالثة ما ينتجه الإنسان عبر سلوكه من قيم ومعارف بأبعادها الرمزيةوالأسطورية والاجتماعية. وهو ما نطلق عليه عادة "ثقافة الناقد" (18). هذه الثقافةتعد إسهاما فعليا في إنتاج وتشييد الدلالات الممكنة للنص، وما يبرر أهلية هذاالناقد، قدرته على الربط بين ما هو معطى بصيغة مباشرة داخل النص بوصفه بنية نصيةمحدودة لا تحيل على أي شيء آخر سوى ذاتها، وبين المعارف الموسوعية والأشياء القادرةعلى استحضار نص التاريخ ونص الثقافة؛ أي الأمور التي ليست بادية في التجلي الخطيوالمباشر للنص.
بعبارة أبسط، فالمؤول في ظل هذه المقاربة يعرف كيف يفهم النصأثناء مواجهته، ويعرف الكيفية التي يميز بها بين التأويل الجيد والتأويل الرديء،مما يعني وجود إرغامات تأويلية خطابية تحكم نوع التأويل.
إن هذه القيود، هيما يجعل من المعنى معطى موضوعيا من جهة، وهي ما يجعله قادرا على خلق معرفة متطورةوجديدة من جهة أخرى، لأن العلامة، لا توفِّر معرفة فحسب، بل نستطيع بواسطتهاالتعرّف على معارف جديدة. »إن العلامة في كل لحظة وافد جديد يوجد في عالم جديد« (19). لذا فإن افتراض قواعد وأنساق وتسنينات لعالم المعنى، لا يعني القول إنه عالمقار وثابت، على العكس، إن الأمر يتعلق بالتعرف على الآليات البنيوية التي تحكموتوجه تحولاته(20).
تضعنا هذه الأنساق والتسنينات أمام انتقاءات سياقية وأخرىقيمية قادرة على تحديد طبيعة الكون الدلالي للواقعة وتجدر الإشارة إلى أناستراتيجية الانتقاء القيمي هاته تتحدد من خلال عمليتين :
ـ تناظر أو تناظراتدلالية تشتغل كضبط ذاتي للكون الذي تحيل عليه الواقعة. فالانتقاء ليس تحديدا ذاتيا،بل هو إجراء يتم وفق استراتيجية تهدف إلى بناء كون دلالي منسجم وقابل للاشتغال منخلال حدوده الخاصة.
- العناصر المستعملة لتسييج الوضعية الإنسانية التي يتمتمثيلها داخل النص. فالاستراتيجية ليست اختيارا دلاليا، أي تحديدا مضمونيا، بل هينمط في البناء، ولهذا لا يمكن الفصل بين البناء وبين الأداة البانية. ويجب النظرإلى هذه الاستراتيجية باعتبارها طريقة خاصة في تنظيم المعنى. وتنظيم المعنى فيطبقات هو ما يحدد الطبيعة "الأيديولوجية للمعنى " « (21).
إن السيميائياتالتأويلية تتميز بشموليتها على مستوى التصور والتحليل، وهي شمولية ذات صلة وثيقةبنص التاريخ ونص الثقافة، كما أن آلياتها وهيكلها العام يمكنانها من التحاور مععناصر معرفية تنتمي إلى مجالات مغايرة، ويجعلانها تمدّ نطاقها وجسورها لمقاربةخطابات وظواهر نصية بالغة التنوع.
وغضون أيّ مقاربة، فإن السيميائيات التأويليةلا تسلّم بوجود قراءة "عفوية" ترتكز في بناء مقولاتها على تخمينات أو حدوس غيرمعرفية لكي تنتج معرفة، بل إنها تستند إلى فرضية مسبقة يمكن بواسطتها قول شيء ما عنالواقعة وهي فرضية متوقفة في طبيعتها على السياق التاريخي والثقافي لأنها معطاةومحددة بهذا السياق. بمعنى أن الارتباط السياقي لتأويلنا وفهمنا يرجع إلى الارتباطالسياقي لفرضياتنا المسبقة. إن هذه الفرضيات كذلك يبررها وجود نص يشيّد معانيهانطلاقا من آليات تعقلن بناءه وتداوله وأشكال التأويل المرتبطة به.
فيالنهاية، نقول إن السيميائيات التأويلية تبحث عن المعنى مدركة أنه ليس موحّدا ولامتجانسا، ولا هو »كالزبدة فوق قطعة الخبز «(22)، إنها تكشف وتعرّي وتضيء عالَمحياتنا المعطى وتكشف ما كان فيه متخفيا، نعني معناه المتحجّب
وبنيته المخصوصةومأساته الداخلية والناقد، في إطار السيميائيات التأويلية، هو الذي يتصيّد المنكسرواللامتصل والمتقطع أو هو الذي يزعج المتصل بشرخه كما لعبة القوة والحقيقة فيعلاقات الجماعات الإنسانية المتصارعة وهو يدعونا إلى البحث »وكأننا وَجدنا ومازالعلينا أن نجد لكن وَجدنا وكأنه علينا أن نبحث دائما ونحقق ذواتنا لانهائيا «(23).
إحالات ببليوغرافية :
(1) سعيد (بنگراد): "ممكنات النص ومحدوديةالنموذج النظري" مجلة فكر ونقد العدد 58، أبريل، السنة 2004ص:23.
(2) GERARD (DELEDALE): THEORIE ET PRATIQUE DU SIGNE Introduction à la sémiotique de C.S. Peirce ,PAYOT , PARIS , 1979 , Page: 9.
(3) ينظر جميع أعمال الدكتور سعيدبنگراد تأليفا وترجمة أو العودة إلى موقعه الإليكتروني : http://saidbengrad.free.fr
(4) ينظر بهذا الصدد التطبيقات التي قام بها الناقدسعيد بنگراد حول أعمال الروائي "حنا مينة" خاصة رواية "الشراع واالعاصفة" ثم أعمالالروائي المغربي "محمد برادة "في روايته "الضوء الهارب" وتطبيقات على بعض الوصلاتالإشهارية. للمزيد يمكن العودة إلى موقعه الإليكتروني.
(5) سعيد (بنگراد): "ممكنات النص ومحدودية النموذج النظري، مرجع سابق ص: 26.
(6) سعيد (بنگراد): السميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها منشورات الزمن مطبعة النجاح الجديدة ـ الدارالبيضاء، 2003، ص : 18
(7) سعيد (بنگراد): المرجع نفسه ص: 175.
(8) أمبرتو (إيكو): التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم الدكتور سعيد بنكرادالمركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2000 الصفحة: 11.
(9) المرجع نفسه، ص: 148.
(10) سعيد (بنگراد): شخصيات النص السردي ـ البناء الثقافي ـ منشورات كليةالآداب والعلوم الإنسانية مكناس 199، ص:44
(11) سعيد (بنگراد): "المؤولوالعلامة والتأويل"، مجلة فكر ونقد العدد 16 السنة 1993، ص : 59.
(12) سعيد (بنگراد): شخصيات النص السردي، مرجع سابق، ص: 67.
(13) سعيد (بنگراد): السميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، مرجع سابق، ص :157.
(14) سعيد (بنگراد): شخصياتالنص السردي مرجع سابق ص : 67.
(15) سعيد (بنگراد): السميائيات مفاهيمهاوتطبيقاتها، مرجع سابق، ص :157.
(16) Eliseo (Veron): "Sémiosis de l'idéologie et du pouvoir"; in Communications ;1978; Page :8 - 28
(17) سعيد (بنگراد): "عن التسنين السردي والتسنين الإيديولوجي" (الجزء الأول) مجلة علامات العدد 2 السنةالأولى 1994، ص :27
(18) سعيد (بنگراد): "النص والمعرفة النقدية" ينظر الموقعالإليكتروني السابق.
(19) جيرار (دولودال): "تنبيه لقراء بورس" ترجمة عبد العلياليزمي، تقديم سعيد بنگراد، مجلة علامات العدد 8،1997 ص:113.
(20) Umberto (Eco): Le Signe, Histoire et Analyse d’un concept ED. LABOR, Bruxelle 1988; Page: 133.
(21) سعيد (بنگراد): السميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، مرجع مذكور،ص: 159.
(22) Maurice- Merleau Ponty, Levisible et l’invisible, Gallimard,Paris;1990éd1964,p203 .
(23) Maurice Blondel, L’être et les êtres, PUF , Paris1963, p.12
عبد الله بريمي باحث في السميائيات والتأويل / المغرب
رابط التحميل :
إرسال تعليق