عنوان اليوم الدراسي:
الإعلام في عصر العولمة
وسيلة_ رسالة
مرسل_ متلقي
عنوان المداخلة:
العملية الإعلامية في عصر العولمة
من اعداد الاستاذة: قاسيمي امال٭
مقدمة
تمر المادة الإعلامية بعدة مراحل وهي تنتقل من المنبع الذي يبثها أو برسلها حتى تصل إلى المستقبل الذي يتلقاها ويعيها وبالتالي فهي في سلسلة من الحلقات بحيث تقوم وسائل الإعلام بوظيفة هامة عن طريق رجل الإعلام أو الشخص المناط له مهمة إيصال الفكرة إلى جمهور المستقبلين بمختلف أنواعهم، ولكن مع بزوغ الخيط الأبيض من فجر القرن الحادي والعشرين أصبح العالم يمر بمرحلة يتطلب العمل الاجتماعي فيها إنكار الذات القومية والعصبية والتوجه لإلغاء الحدود السياسية والجغرافية وحتى الإيديولوجية حتى يمكن مواكبة المجتمعات المتقدمة للسيطرة على العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وهذا ما يسمونه بالعولمة، لكن السؤال الذي يثار هنا هل هذه العملية تأثرت بالتكنولوجيات الجديدة التي شهدها العالم في الوقت الحالي؟ أو بالاحري ما مصير هذه العملية في عصر العولمة؟ هل هناك علاقة بين العولمة والإعلام؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات يجدر بنا الوقوف أولا عند مفهوم العولمة، هذا المصطلح الذي ظهر أولا بالغة الإنجليزية وترجم إلى اللغات الأخرى ومنها العربية وقد جرى تناول كلمات أخرى في اللغة العربية ترجمة للفظ الإنجليزي "Globalization" منها الكوكبة ، والكونية والكنوننة ولكن يبدو الآن غلبة لفظ عولمة على غيره من الألفاظ للدلالة على هذه الظاهرة .
والعولمة في اللغة اسم مصدر على وزن " فوعلة " مشتقة من كلمة " العالم " نحو القولبة وهى جعل الشيئ في شكل القالب الذي يحتويه ، والعولمة تعنى جميع النشاطات الإنسانية في نطاق عالمي ، بمعنى جعل العالم كله مجالا للنشاطات الإنسانية المتعددة .
ويعرفها كمال الدين مرسى بأنها " وصول الرأسمالية التاريخية عند منعطف القرن العشرين تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتجارة والسوق والاستخراج إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة إنتاجها أي حقبة ثالثة متميزة تنضاف إلى مرحلة الاستعمار التجارى الأول ومرحلة الإمبريالية الكلاسيكية اللاحقة " " .كما يعرفها الدكتور بركات مراد (مركزة العالم في حضارة واحدة) أي إعادة إنتاج العالم وفقاً لثقافة واحدة هي ثقافة الجهة صاحبة المشروع وهي تعرف (بأنها تشكيل وبلورة العالم بوصفه موقفاً واحداً، وظهور لحالة إنسانية عالمية واحدة) "
أما مفهوم الإعلام فيمكن إن نقول انه لفظ يشير للدلالة على عمليتين في وقت واحد تكمل إحداهما الأخرى، فهو يشير من جهة إلى عملية استفاء واستخراج المعلومات والحصول عليها من خلال التواجد السريع والفوري في مكان الحدث ومن جهة أخرى إلى إعطاء وبث هذه المعلومات على الآخرين أي نقل المعلومات والآراء والاتجاهات من شخص إلى أخر من خلال الوسيلة المناسبة لذلك.
عولمة الاعلام
لقد ناقش جيدنز Giddens عولمة وسائل الإعلام على أنها ضغط للزمان والمكان، وهي سمة رئيسية في العالم المعاصر، وأشار إلى أن عوامة الإعلام سمة رئيسية من سمات العصر وهي الامتداد أو التوسع في مناطق جغرافية مع تقديم مضمون متشابه وذلك كمقدمة لنوع من التوسع الثقافي نتيجة ذلك التطور لوسائل الإعلام والاتصال، التي جعلت بالإمكان فصل المكان عن الهوية، والقفز فوق الحدود الثقافية والسياسية، والتقليل من مشاعر الانتماء إلى مكان محدود، ومن الأوائل الذين تطرقوا إلى هذا الموضوع عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان، حيث صاغ في نهاية الستينات ما يسمى بالقرية العالمية، وبهذا فهي تشير إلى وحدة المضمون الإعلامي مما يحقق تنوعا وتعددا وجماهيرية أكثر لدى المتلقين.
وتشير عولمة الإعلام إلى تركيز وسائل الإعلام في عدد من التكتلات الرأسمالية العابرة للقارات لإستخدامها في نشر وتوسيع نطاق النمط الرأسمالي في كل العالم من خلال ما يقدم من مضمون عبر وسائل الإعلام في المجالات المختلفة.
ويمكن القول أن وسائل الإعلام وشبكات الاتصال تؤدي مجموعة من المهام في مسار العولمة يمكن ذكرها:
1- تمثل آلية أساسية للعولمة الاقتصادية باعتبارها تيسر التبادل الفوري واللحظي والتوزيع على المستوى الكوني للمعلومات ولا يمكن تصور الاقتصاد العالمي اليوم دون اتصال.
2- تروج وسائل الإعلام الإيديولوجية الليبرالية الكونية انطلاقا من الدول الكبرى و المؤسسات الاقتصادية العملاقة
3- تساهم في خلق إشكال جديدة للتضامن والتعاون بين الأفراد عبر الشبكات.
وقد مكن الإعلام والتطور التكنولوجي من ظهور الإعلام والمعلومات كسلطة ووسيلة تحول المجتمعات وتغيرها.
سمات العولمة الاعلامية
يتسم الاعلام في عصر العولمة بعدة سمات من اهمها:
انه اعلام متقدم من الناحية التكنولوجية، ومؤهل لتطورات مستقبلية جديدة ومستمرة تدفع به الى المزيد من الانتشار المؤثر في المجتمعات المختلفة.
هيمنة الشركات الامريكية على قطاع الإعلام والاتصال والترفيه، والمقصود بالهيمنة هنا هي السيطرة على الملكية وعلى محتوى وتوجهات المضامين والإشكال المنتجة.
التكامل الراسي، أي ظهور الشركات العملاقة ومتعددة الجنسيات وقيامها بالملكية المتعددة لوسائل إعلامية وأنشطة متعددة.
وجود علاقة بين الشركات المتعددة الجنسية والوطن إلام.
توسيع الخيارات والبدائل المتاحة أمام الجمهور، حيث وفرت تكنولوجيا الاتصال والاندماج والتكامل في تكنولوجيا المعلومات فرصا غير محدودة أمام الجمهور للانتقاء من بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.
لا يشكل الإعلام المعولم نظاما دوليا متوازنا، لان له مدخلاته ومراكز تشغيله واليات التحكم فيه تأتي من الشمال الكرة الأرضية وهذا ما أدى إلى هيمنة الدول المتقدة عليه في مقابل تبعية الدول النامية له.
ومن أهم مظاهر العولمة الإعلامية التدفق الإعلامي الحر عبر الحدود الوطنية للدول، وهو التدفق الذي تقف خلفه شركات وشبكات إعلامية عملاقة قادرة على الوصول بالبث الى اية منطقة في العالم.
في ظل السيطرة الإعلامية من قبل هذه الشركات العملاقة التي تنتمي معظمها إلى الولايات المتحدة الامريكية كوطن أم، إذ تعتبر هذه الأخيرة اكبر دولة في العالم اقتصاديا وسياسيا، وفي جانب الاتصالات هي الأولى وكذلك من جانب الكمبيوتر، أما الإعلام فلا يوجد لها منافس حقيقي في الساحة، هذه الحقيقة تعطي تصورا واضحا للمستقبل الإعلامي العالمي، فقيادة امريكا له ظاهرة، وتداخل الإعلام مع التقنية في الكمبيوتر والاتصالات تجعل القدرة الامريكية في استمرار الهيمنة الإعلامية مؤكدة خصوصا إذا انتبهنا إلى الأسلوب المستخدم في الإعلام.
إعلام العولمة
يمكن تعريف إعلام العولمة انه سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول وإنما تطرح حدودا فضائية غير مرئية ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسة واقتصادية وثقافية وفكرية لتقييم عالما من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن وهو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمارة منظومات ذات طبيعة خاصة وشركات متعددة الجنسيات يتسم مضمونها بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائلها التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمن والمكان واللغة لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء .
وهناك من عرفها بأنها "عملية تهدف إلى التعظيم المتسارع والمذهل في قدرات وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات بفضل ما تقدمه تكنولوجيا الحديثة والتكامل والاندماج بين هذه الوسائل بهدف دعم وتوحيد ودمج أسواق العالم وتحقيق مكاسب لشركات الإعلام والاتصال والمعلومات العملاقة وهذا على حساب دور الدولة في المجالات المختلفة .
ويمكن ان نحصر أهم مظاهر هذا الإعلام العولمي في:
1_ التغيير في الوسيلة الإعلامية
لعل المظهر البارز في الإعلام في عصر العولمة يكمن في الوسيلة. إن ظهور آلة الروتاتيف في طباعة الصحف، وميلاد صحافة البنس أو الصحافة الصفراء أو الصحافة الشعبية بدءا من 1880، والدخول القوي للإعلان كممول أساسي للصحف، وانتشار التعليم وانتقاله إلى تعليم مدني وإلزامي وإجباري، وبروز " المجتمع الجماهيري"، كلها عوامل شجعت الباحثين على نعت الصحافة بالجماهيرية. لقد تعززت هذه الصفة بعد ظهور الإذاعة في العشرينيات والتلفزيون في الخمسينيات. لكن يلاحظ أنه في ظل العولمة بدأت مكانة وسائل الاتصال الفردية في التزايد، بشكل متفاوت من مجتمع إلى أخر، بدءا من " الولكمان" في نهاية السبعينيات، إلى ظهور جهاز الكمبيوتر الذي أصبح خير دليل على فردانية الوسيلة. إذ أنه يسمح بالاستهلاك الفردي للمضامين الثقافية والإعلامية، مثل متابعة برامج التلفزيون عبر شاشة الكمبيوتر.
2_ العولمة فرضت إنشاء القنوات المتخصصة
رافق بروز العولمة التوجه نحو إنشاء محطات إذاعية وقنوات التلفزيونية متخصصة بدءا من الثمانينات. إن هذه المحطات والقنوات لا توجه موادها إلى جمهور أفقي، بل تتجه إلى جمهور عمودي موجود بفعل وشائج الاهتمام، الهواية، المهنة، التخصص. هكذا برزت قنوات تلفزيونية تاريخية، وأخرى رياضية، وأخرى علمية أو سينمائية، وغيرها من القنوات المتخصصة. إن التزايد الكبير في عدد القنوات زعزع مكانة القنوات الإعلامية السابقة التي كانت تتسم بالطابع العام. هذا الأمر لا يتجلى في تناقص عدد جمهور هذه القنوات ومتتبعيها فقط، بل أدى إلى إعادة النظر في هذا الجمهور حيث لم تعد البرمجة الإذاعية والتلفزيونية تخاطب الجمهور كأمة، أو كشعب واحد وموحد وراء أهداف، ومثل، وقيم، وتجارب اجتماعية وعاطفية في عصر العولمة التي بدأت تقوض سلطة وصلاحية " الدولة الوطنية"، بل أصبحت تخاطبه كفئات اجتماعية ومتباينة: برامج للنساء في البيت في الفترة الصباحية، وبرامج للأطفال في المساء بعد العودة من المدرسة، برامج للأباء بعد عودتهم إلى البيت ربما يعتقد البعض أن التغيرات التي طرأت على البرمجة التلفزيونية في القنوات التلفزيونية يتعلق بإيقاع الحياة الاجتماعية المحلية أكثر من التأثيرات الكونية للعولمة. رغم أن للمنافسة بين القنوات التلفزيونية على الصعيد الدولي كلمتها في مجال البرمجة التلفزيونية على صعيد القنوات المحلية، إلا أنه يلاحظ أن موقع الجمهور قد تغير في المعادلة الإعلامية الحديثة التي تقيمها التكنولوجيات الجديدة، حيث أصبح طرفا مشاركا فيها. لم يعد يطلق على الجمهور تسمية القارئ أو المشاهد أو المستمع، بل أصبح يسمى" المستخدم" User نتيجة منطق " التفاعلية" ( Interactivity ) الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة أو التطورات التكنولوجية التي أدخلت على وسائل الاتصال القديمة.
3_ القنوات الخاصة أصبحت تحتل اكبر فضاء من التعرض
لقد كان الحديث عن النموذج الإذاعي والتلفزيوني الناجح في عقد الخمسينيات والستينيات يقترن بهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)،و(RTF ) الفرنسية، و(RAI ) الرأي الإيطالية، وغيرها من القنوات التابعة للقطاع العام أو قطاع الدولة. النموذج الناجح في التسعينيات أصبح يرتبط أكثر بقناة سي آن آن ( (CNN و" قناة الجزيرة". بالطبع إن هذه القنوات متخصصة في الإعلام لكن بعض القنوات التلفزيونية الخاصة الأخرى غير الإعلامية مثل قناة C+ الفرنسية أصبحت هي الأخرى نموذجا يحتذى به في الدول الأوروبية. لم تتحول هذه القنوات إلى مرجع للقنوات التجارية أو الخاصة فقط بل أصبحت نموذجا للقنوات الناجحة.
يستنتج مما سبق أن النجاح الإذاعي أو التلفزيوني في عصر العولمة لا يقاس بالقيمة المضافة في المجال الثقافي والمعرفي، وبالمنفعة الاجتماعية، بل يقاس بالعائد التجاري. هذه الحقيقة جعلت القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التابعة للقطاع العام تخوض رهان وجودها، إذ أجبرت على محاذاة القنوات التابعة للقطاع الخاص في تمويلها: أي البحث عن مصادر التمويل في قطاع الإعلان. بهذا نلاحظ أن برامج القنوات العامة أصبح تتماهى مع برامج القنوات الخاصة مما دفع بعض الباحثين إلى التساؤل عن الجدوى من القنوات التلفزيونية العمومية في أوروبا الليبرالية. هذا التغيير لا يمكن في اعتقادنا أن يفهم إذا ابتعدنا عن إشكالية الدولة الوطنية، وإعادة النظر في طبيعتها وفي وظيفتها في ظل العولمة بإمداداتها المختلفة في المجال الثقافي والإعلامي والاقتصادي. ولا تتجلى صورة هذا التغيير إذا استبعدنا عملية إعادة هيكلة الاقتصاد الدولي من خلال عملية اندماج الشركات المنتجة للإعلام، والثقافة، والترفيه، والتسلية، وقطاعات تجارية ومالية واقتصادية أخرى.
4_ الإعلام اصبح قيمة اقتصادية
-لقد اخذ الاعلام مفهوما بميلاد وكالات الانباء العالمية اذ اصبح بمثابة سلعة تباع وتشترى، أي اصبح ذو بعد اقتصادي، هذا اضف الى انه منذ بداية فكرة تدويل الصورة التلفزيونية بدءا من الخمسينيات، قد تعمق بشكل لا نظير له على المستوى القاعدي استنادا الى بعدين هما:
البعد الأول: الإجماع على ان الإعلان له دور فعال في تمويل المؤسسة الإعلامية المعاصرة بمختلف انواعها العامة والخاصة. هذا الإجماع لا يخفي التفاوت النسبي في إسهام الإعلان في تمويل مختلف وسائل الإعلام المختلفة ( صحيفة، إذاعة، تلفزيون) لكنه يضعف الإرادة السياسية في تقنين الإعلان والحد من تأثيره السلبي في مضمون المادة الإعلامية وفي بنيتها وفي شكل تقديمها، اذ اصبح الانتاج بالنظر الى الكم و ليس الكيف أي مضمون ما يتم الاعلان عنه.
البعد الثاني: قامت التكنولوجيا الحديثة من ازاحة الحاجز الفاصل بين الإعلان والإعلام، لتنه اصبح صعبا فمثلا في شاشة الكمبيوتر نجد ان هناك تعايش بين النص الإعلاني بجانب النص الإعلامي، وأن المادة الإعلامية اصبحت مرافقة فقط للمادة الإعلانية المتحركة في الشاشة المذكورة، وهذا ما أدى إلى الإجهاز على كل الجهود الثقافية والقانونية التي بذلت للفصل بينهما منذ أزيد من قرن.
5_ التغيير في طبيعة الإعلام
لقد تغير مفهوم الإعلام وطبيعته في عصر العولمة حيث لم يعد مرتبطا بمخرجات وسائل الاتصال الجماهيري بل أصبح شديد الالتصاق بالمعلومات: المالية، والعلمية، والتكنولوجية، والطبية، والرياضية، والثقافية، والاجتماعية. بمعنى أن الإعلام لم يعد حكرا على المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية حيث دخل متعاملون جدد في مجال إنتاج الإعلام، وتخزينه، وتوزيعه، لم تكن لهم علاقة سابقة بوسائل الإعلام الكلاسيكية. لقد أنجر عن هذا التغيير أمرين أساسيين: إن القيمة التبادلية للإعلام تسعى لتطغى على قيمته الاستخدامية في ظل تحول البنية الاقتصادية للمؤسسة المنتجة للإعلام والقائمة على الطلب وليس على العرض، أي خلافا للمنطق الذي كان يستند إليه اقتصاد وسائل الإعلام في منتصف القرن الماضي والقائم على مبدأ العرض. كما أصبح الإعلام والمعلومات مادة لتراكم رأسمال في عصر العولمة.
إن عدد المنتمين لحقل الإعلام والاتصال في تزايد مستمر حيث تجاوز رجال الصحافة والعلاقات العامة. لقد انظم إليهم جيش من الفنيين والخبراء والمختصين في تجميع المعلومات وفي تخزينها، و حفظها، وبثها، وإعادة إنتاجها. وهذا ما يطرح قضايا أخلاقية وأدبية وقانونية في ممارسة الإعلام والاتصال بدأت تشكل هاجسا أساسيا لدى لسلطات العمومية وسط رجال القضاء ولدى الجمعيات المهنية.
6_ عولمة الرسالة الإعلامية
في مقدمة كتابه أكّد البروفيسور أبو العينين أن الكثير من الباحثين يعتقد بأن عولمة الأنشطة الإعلامية «تمثل أهم تطور أعلامي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي ، وأن هذا التطور سوف يحدد مسار هذه الأنشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلاً عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في أنظمة الاعلام الوطنية في دول العالم» ولكن هناك أيضا ملاحظات مهمة في هذا المجال لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي:
اولاً: أن عولمة النشاط الإعلامي لم تتحقق بعد بالصيغة التي ربما تكون قد استقرت لدى الكثيرين.
ثانياً: إن ما تحقق عينياً هو عولمة الرسالة الإعلامية بفضل سقوط الحواجز وهي ظاهرة «تقنية» أكثر من كونها ظاهرة سياسية أو ثقافية على الرغم من تأثيراتها السياسية والثقافية.
ثالثاً: أن درجات استجابة الأنظمة الإعلامية الوطنية للتغييرات التي تفرضها عولمة صناعة الاعلام متفاوتة إلى حدود بعيدة، الأمر الذي ينفي بشدة حقيقة أن تكون العولمة سمة أساسية لأنشطة وسائل الاعلام عبر مناطق العالم المختلفة في الوقت الراهن.
رابعاً: إن عولمة النشاط الإعلامي، حيث توجد الآن ليست ظاهرة حديثة تنتمي للعقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولكنها تعبير عن تطور تاريخي تمتدّ جذوره إلى القرن التاسع عشر، وان كانت خطاها قد تسارعت في الربع الأخير من القرن العشرين.
وهناك حقيقة مهمة يجب الإشارة إليها في تجارب الثمانينيات والتسعينيات حول الاعتبارات الجيوبوليتيكية المؤثرة على عولمة النشاط الإعلامي، حيث أن قوى السوق قد أصبحت الوسيلة العالمية الأساس لتنظيم الأنشطة الاتصالية، وأن المبادئ والقيم غير المرتبطة بقوى السوق يتناقض دورها في تنظيم صناعة الاتصال وبالرغم من أهمية هذه الحقيقة في تنظيم العلاقة بين السوق العالمية وعولمة الاعلام فان الاعتبارات الجيوبوليتيكية تؤثر تأثيراً جاداً في تنظيم هذه العلاقة فهذه العلاقة لا تعمل بدرجة واحدة عبر مناطق العالم المختلفة متأثرة بالاعتبارات الجيوبوليتيكية وآثارها في المراحل المختلفة. ولأهمية هذه الحقيقة فان الإستراتيجية الجديدة للشركات العالمية هي أن تصل إلى قطاعات معينة من السكان داخل الأسواق الوطنية، أن الوصول إلى هذه القطاعات تبدو وكأنها المسؤولية الحقيقية لوسائل الاعلام العالمية.
وظائف إعلام العولمة
تشير الدكتورة عواطف عبد الرحمن في مؤلفها " الإعلام العربي وقضايا العولمة " إلى أهم وظائف الإعلام العولمى وهى:
1_ تقوم وسائل الإعلام باختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب من خلال المسلسلات والأفلام وقد نجحت أمريكا في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب وقدمت لشعوبها النموذج الأمريكي كغاية مثلى .
2_ تقوم وسائل الإعلام باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة وأيديولوجيتها عبر الحوارات التلفزيونية والمقالات والمؤتمرات محاولة منها تهميش الثقافات والسياسات الأخرى ويتم أيضا تكثيف الجهود لمساندة السياسات الاقتصادية الثلاثة الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم " البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية .
3_ تشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الإعلامي العالمي الراهن الذي يتسم بالخلل وأوجه التفاوت الخطيرة سواء على المستويات المحلية والعالمية والتي تتمثل في الإنسياب غير المتوازن للمعلومات مع رسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب من الشمال إلى الجنوب من المراكز إلى الأطراف ومن الحكومات إلى الأفراد ومن الثقافة المسيطرة إلى الثقافة التابعة و الدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب .
4_ تشير الدراسات إلى تزايد أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات في الأنشطة الإعلامية والثقافية ويتجلى ذلك في توظيف وسائل الإعلام الدولية والمحلية كأحزمة ناقلة يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب .مما يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة لثقافات الشعوب .
5_ يقوم الإعلام بدور أساسي في ترويج السلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماط للسلوك الإستهلاكى تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية مما يلحق الضرر بالاقتصاديات المحلية علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب .
6_ تروج وسائل الإعلام العولمية حول ما يسمى بالقرية الاتصالية العالمية باعتبارها أبرز ثمار التكنولوجيا المعاصرة والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة إنحاء المعمورة بكل مايدور في العالم من أحدث وأفكار وصراعات وانجازات بشرية وان يتم ذلك بشكل يتسم بالموضوعية والتكامل والمصداقية بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون .
نفوذ إعلام العولمة
- استطاع إعلام العولمة أن يكفل محيطا ثقافيا واسعا ونظرة أشمل إلى العالم وعمقا في الاتصال الإنساني وبذلك استقطب الملايين عبر رسائله المبسطة في عالم مليء بالتعقيدات .
- استطاع الإعلام في عصر العولمة أيضا أن يعيد تشكيل العالم في صورة محسوسة بعد أن سيطرت وسائله على الزمان والمكان وصار المشاهد يجد نفسه في اى نقطة في العالم وهكذا استطاع إعلام العولمة عبر وسائله علاقة جديدة مع العالم والزمن ليكتشف الإنسان أن العالم المترمى الأطراف يمكن أن يختصر فيه المسافات والفروق الزمنية ليصير كرة معلوماتية بعد أن كان في مرحلة سابقة قرية الكترونية صغيرة .
- استطاع في عصر العولمة أن يوفر لوكالات الإعلان الدولية المناخ الملائم لنشر قيم المجتمع الإستهلاكى التي تعارض لثقافة جديدة على شعوب تحاول أن تحتفظ بذاتيتها وخصوصيتها الثقافية .
- استطاع إعلام العولمة بقدراته التكنولوجية الهائلة أن يضعف من نظم الإعلام الوطنية ويزيد من تبعيتها له لتنقل منه مايجود به عليه من صور ومعلومات واعلانات .
- استطاع الإعلام في عصر العولمة أن يحل العلاقات الدولية إلى بحر من الأمواج المتلاطمة فأحدث تأثيرات من الصعب تقييمها في الوقت الحاضر فالواقع يؤكد أن عمليات التوظيف والتعتيم والتضليل والتحريف والتشهير لخدمة أغراض قوى عظمة أصبحت مسائل واضحة للعيان وأترث بدورها في العلاقات بين الدول .
- استطاع الإعلام في عصر العولمة إن يدفع بالإنسان خطوات واسعة في طريق السلوك الإستهلاكى ذلك أن الاستخدام الواسع الإعلان الدولي عبر وسائله فى مجال تسويق السلعي والخدمات أدى إلى خلق طلب واسع على هذه السلع حتى في بلاد لا تسمح الدخل فيها بتبنى أنماط الثقافة الاستهلاكية والنتيجة الطبيعية انخفض معدلات الادخار في مثل هذه الدول وبالتالي امتصاص جزء كبير من فضائلها الاقتصادية على الرغم الحاجة الماسة إليها .
خاتمة
لقد فقدت الدول في ظل العولمة الإعلامية القدرة على التحطم في تدفق الأفكار والقيم والقناعات فيما بين المجتمعات والأجيال، كما فقدت السيطرة على التداول الحر للأخبار والمعلومات، والذي يتم عبر وسائط وتقنيات جديدة لم تبرز إلا في التسعينات من القرن الماضي، لقد أصبح ملايين البشر موحدين تلفزيونيا وتليفونيا ومن خلال البريد الالكتروني وشركات الانترنيت.
إن عولمة الإعلام قد تؤدي بالعالم للزوال خاصة وان هذه العولمة بسطت بالياتها على مختلف عناصر العملية الإعلامية، إذ مست الوسيلة ومحتواها كما مست المرسل والمتلقي هذا الأخير الذي تغير دوره في بنا وتفسير الرسائل الإعلامية التي يتعرض لها.
يمكن القول في الأخير أن العولمة كمصطلح سهل الفهم والتعبير عنه لكن إذا تعمق القارئ في تفسيره وجده عبارة عن فخ المستفيد منه هم أبناء المجتمعات الغنية، أما الفقيرة فتغوص في متاهاته لا أكثر.
التحميل من //docs.google
إرسال تعليق