U3F1ZWV6ZTE2NDIxOTY5MTY3NjA3X0ZyZWUxMDM2MDM5ODE3MjU5MQ==

التلوث البيئي وتداعياته الصحية والإجتماعية

 التلوث البيئي وتداعياته الصحية والإجتماعية

د.كاظم المقدادي

باحث بيئي، رئيس قسم إدارة البيئة بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك


تمهيد

    يستلزم بناء العراق الجديد وتنميته، إقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً وصحياً،عمل جماعي جدي وفاعل من قبل كافة أبنائه وبناته، يدأ بيد مع كافة مؤسساته المعنية، الحكومية والمدنية، الحريصة والمدركة بأن المجتمع هو العنصر الأساسي في عملية البناء والتنمية والهدف النهائي لها..على أن إنجاز هذه المهمة الوطنية الكبرى لن يتم بنجاح من دون توفر البيئة المناسبة ..


ورقتنا هذه تحاول تسليط الضوء على عائق جدي وكبير بوجه الإعمار والبناء والتنمية في العراق الجديد، هو التلوث البيئي وتداعياته على صحة وحياة العراقيين..

البيئة  والتلوث وحقوق الإنسان

    ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مادته الثالثة، على أن لكل فرد الحق في الحياة.وينص العهد الدولي السياسي، في مادته السادسة، على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، وأن على القانون أن يحمي هذا الحق.وهذا الحق يقضي، بالضرورة،الحق في حصول المواطن على بيئة سليمة تضمن إستمرار شروط حياته.بينما يشكل التلوث تهديداً حقيقياً ليس فقط  لحياة الفرد وسلامته، ونوعية حياته، بل ولوجود الحياة بالذات ولإستمرارها.

وفي الواقع، ثمة إرتباط وثيق بين حق الإنسان في الحياة وحقه في الحصول على بيئة نظيفة، سليمة، ومتوازنة- بحسب رأي الحقوقيين،وإلا فان حق الإنسان في الحياة لا  ينتهك فحسب، بل وتتعرض حياته للخطر. من هنا يعتبر الحق في بيئة سليمة  ضلعاً من ضلوع حقوق الإنسان، وحاجة من حاجات بقاء البشر[].


    البيئة بالنسبة للإنسان هي الوسط الذي يعيش فيه، مع بقية الأحياء الأخرى، يستمد منه زاده المادي وغير المادي، ويؤدي فيه نشاطه المتنوع.وهي الهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والأرض التي يسكن عليها ويزرعها، وما يحيط به من كائنات حية أو من جماد، وهي عناصر البيئة، التي يعيش فيها، والتي تعتبر الإطار الذ ي يمارس فيه حياته ونشاطاته المختلفة[].إن البيئة، أو الوسط الإنساني بوصفه مجالاً حيوياً- حسب تعبير العالم روبرت لافون-جرامون، هي نظام يشمل كل الكائنات الحية، والهواء، والماء، والتربة، والأرض، التي يقيم عليها الإنسان..وهو ما يعني ان الحياة تدور في البيئة دورتها بشكل طبيعي[].


    أما تلوث البيئة فهو الحالة التي تكون فيها مكونات البيئة، جميعها أو أحدها، محتوية على مواد غريبة وضارة،أو عندما يحدث تغيراً في نسب مكوناتها، مما يترتب عليه اَثار ضارة بصحة وحياة الإنسان او بمكونات بيئته[].إنه  كل تغيير كمي، أو كيفي، في المكونات البيئية، يزيد عن طاقة البيئة على الإستيعاب، وينتج عنه أضرار مباشرة تهدد حياة الإنسان والأحياء، او صحة وسلامة الموارد الطبيعية فيها..إنه تغير غير مرغوب فيه في الخصائص الفيزيائية، او الكيميائية، أو البيولوجية، لمكونات البيئة،من شأنه أن يؤذي الحياة البشرية، أو حياة الأنواع الأخرى، ويؤذي شروط الحياة، والأعمال الصناعية، او المكتسبات الحضارية، وقد يبدد، ويقضي على الموارد الأولية[].

   إن التلوث هو كل ما يؤثر في جميع عناصر البيئة، بما فيها نبات ،وحيوان، وإنسان، وكذلك كل ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية ( مثل الهواء والتربة والبحيرات والبحار وغيرها)[].من هذا المنطلق شهدت الأعوام الأخيرة تركيزاً على الأقسام الرئيسة الآتية من أشكال التلوث، وآثاره الضارة، العاجلة منها والآجلة : تلوث الهواء، تلوث الماء، تلوث التربة،النفايات الصلبة المشعة أو السامة، وخاصة ما كان منها سريع التسامي، أو القادر على التحول بسهولة الى الحالة الغازية، في درجات الحرارة العادية، وتحت الضغط الجوي المعتاد، قاتل الحشرات، الأغذية المعلبة وتكنولوجيا التعليب، المواد المشعة المختلفة، المستخدمة في الأبحاث العلمية، والطب، والزراعة والصناعة ، بل وحتى تلك المستعملة في تأشير الطرق والشوارع الرئيسة، سواء في داخل المدن، أو تلك الرابطة للمدن،أبحاث السرطان ومسبباته من المواد الكيميائية[].


    إن التلوث يعد أخطر تهديد للبيئة، يهددها عندما  تتعرض لعوامله وعناصره. وهو يعني الخراب، والتدمير للشروط الأساسية لإستمرار الحياة.من هنا فإن مشكلات التدهور والتلوث البيئي تعد قضية مركزية للحياة ولمستقبل المنطقة بكاملها. فموارد الدول المستنزفة تعني ان فرص إخراجها من مأزق التخلف الاقتصادي- الاجتماعي، وتحقيق  تنميتها المستديمة، امر شاق[].ومن هنا تأتي ضرورة المحافظة على سلامة البيئة، بمجموعة نظم وقوانين، ووعي عام، وإجراءات تكفل حمايتها،وإستمرار توازنها، وتكاملها الإنمائي، وتجعلها صالحة للإستمتاع بالحياة، وإستثمار الموارد والممتلكات على خير وجه لصالح الإنسان والطبيعة.

الواقع البيئي الراهن في العراق

    لا نبالغ إذا قلنا بأن الواقع البيئي الراهن واقعاً مزرياً ومأساوياً، هو إمتداد لماض كارثي، وحاضر بائس.البيئة العراقية ملوثة بكافة الملوثات البيئية الخطيرة. في أواخر اَيار/ مايو 2005،حذر خبير دولي من المخاطر والآثار الجانبية التي تركتها الاسلحة الكيماوية، مثل اليورانيوم المنضب، والمواد المشعة، على الصحة العامة في العراق.وقال روبرت بسيت - مدير برنامج البيئة التابع للامم المتحدة في العراق، في مؤتمر صحافي عقده في عمان، إن هذا التلوث شكل تحديات بيئية كبيرة في العراق،وأصبح يشكل مصدرا للقلق في جنوب العراق على وجه الخصوص، مشيرا الى ان القوات البريطانية افرغت 1.9مليون طن من المواد المشعة في هذه المنطقة[].

    ولم يبالغ الخبير الدولي المذكور إطلاقاً، فمن يزور بغداد، والمدن العراقية الأخرى، يصطدم بظواهر تزايد معالم التلوث فيها بدرجات كبيرة، وبمختلف الملوثات البيئية الخطيرة.فأطلال ركام الحرب في كل مكان.وينتشر في أرجاء العراق التلوث الإشعاعي الناجم عن ذخائر اليورانيوم المشعة،التي إستخدمتها القوات الأمريكية والبريطانية في حربي عامي 1991 و 2003 ضد العراق..لن نخوض في تفاصيل كثيرة- وقد نشرنا عشرات الدراسات والتقارير العلمية حول الموضوع وتداعياته..يكفي أن نشير هنا الى أن العديد من العلماء الأجانب، ومنهم الكندي هاري شارما، والبريطاني كريس باسبي، وعلماء يعملون مع منظمة "غرين بيس"، زاروا العراق، وقاسوا بأنفسهم، وبأجهزتهم الخاصة، مستويات الإشعاع في العراق.وقام المركز الطبي  لأبحاث اليورانيوم UMRC ( مركز دولي مستقل) بإجراء دراسة ميدانية إشعاعية علمية واسعة، في كافة مدن وسط وجنوب العراق، من بغداد وضواحيها الى أبي الخصيب، وأثبتت إنتشار التلوث الإشعاعي في كل مكان،في التربة والهواء والماء، وفي أجسام المواطنين الملامسين، وفي جثث القتلى، وفي الأنقاض، وبنسب تجاوزت الحد المسموح به بأكثر من30 ألف مرة في العديد من المناطق العراقية[].

    واكد مصدر في وزارة البيئة، مطلع عام 2004، بانه تم اكتشاف مواقع ملوثة جديدة اضافة الى المواقع السابقة، والمواقع هي: خان ضاري، والصويرة، والمشراق، والقادسية، وعويريج، وأن قسم السيطرة على الملوثات الكيميائية التابع لدائرة التخطيط في وزارة البيئة  قام بالتشخيص الاولي لكل موقع، ووجد ان موقع خان ضاري ملوث بالرصاص، وموقع الصويرة ملوث بالزئبق، وموقع المشراق ملوث بمادة الكبريت، اما موقع القادسية فوجد فيه نسبة كبيرة من الكروم والسيانيد، وموقع عويريج  ملوث بالعناصر الثقيلة، ومركبات الفينول المتعدد الكلور، واليورانيوم المنضب. واضاف المصدر بانه تم عرض هذه المواقع الملوثة على منظمة الامم المتحدة للبيئة UNEP لغرض معالجتها وازالة التلوث منها مستقبلا ،وتأخذ وزارة البيئة على عاتقها تنظيف بقية المواقع الملوثة[].

    وأعلنت وزارة البيـــــئة  بدء عمليات المسح المـــــيداني للمواقع التي يشتبه بتـــــلوثــــها بالإشعاع النووي، وتـــــزيد عن 317 موقعاً، أثبتت الفحوص الأولية لنمــــاذج التــــــــربة والمياه فيها تلوثها بالإشعاع. وأكدت ان المواقع الشديدة التلوث، وهي 5، مسؤول عنها برنامج الأمم المتحدة للبيئة لمعالجتها.وقالت المهندسة بشرى احمد، مديرة مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة: ان المسح البيئي الإشعاعي الذي بدأه مركزها، العام الجاري، شمل تحديث الخريطة البـــــــيئية الإشعاعية في العراق، ومراقبة المنافذ الحـــــدودية، ووضع المحددات البيـــــئية، وتقويم مواقع التلوث في عـــــموم العراق وقياس نسبة غاز الرادون في بغداد، وعدد من المـــــحافظات وتحديد حجم التلوث بالــــيورانيوم المنضب فيها، ومدى تأثيرها على سكان المناطق المجاورة للمواقع الملوثة، وتعزيز المختبرات والأجهزة اللازمة للفحص، ورفع الوعي بماهية الإشعاع ومخاطره، وسبل الوقاية منه لدى المواطن. وأضافت ان كل الفحوصات التي أجرتها الوزارة، فضلاً عن دراسات وبحوث وزارة الصحة والزراعة، أثبتت ان المسبب الأول للتلوث في العراق هو اليورانيوم المنضب، وعمليات السلب التي طاولت هيئة الطاقة النووية في التويثة إبان الحرب الأخيرة».وطالبت وزارة البيئة الامم المتحدة بالتدخل لمعالجة ظاهرة التلوث الاشعاعي ودعم الجهود الرامية إلى تجنيب الناس كارثة التعرض للاشعاعات[].

    وفي بحث  لوزارة العلوم والتكنلوجيا العراقية حول اليوارنيوم المنضب، قدمه الاستاذ الدكتور إسماعيل شبر واخرون،أكد ان كميات ما استخدم في العراق من ذخيرة اليورانيوم المنضب يزيد عما استخدم في كافة انحاء العالم، و سيترتب على ذلك نتائج كارثية بالمنظورين القريب والمستقبلي[].

ركام الحرب

   هناك مشكلة وخيمة أخرى، ألا وهي ركام الحرب المنتشر في ارجاء العراق، في المزارع وفي أطراف المدن وداخلها، بالقريب من الأحياء والمناطق السكنية، وهو ملوث إشعاعياً،أثبتت ذلك القياسات الإشعاعية. حيال هذا حذر مدير الدفاع المدني في محافظة ميسان، مثلاً، من حجم المخاطر البيئية والصحية بسبب مخلفات اسلحة وآليات الجيش العراقي السابق خاصة لدي ممتهني بيع وشراء السكراب. واشار العميد سعدون ليلو المحمداوي الى ان فرق معالجة الاجسام الغريبة التابعة لمديريته قد توصلت الي نتائج خطيرة، من خلال فحصها عينات من اجزاء وقطع الدبابات والمدرعات المتروكة والمكدسة علي حدود مدينة العمارة وداخل الاحياء السكنية. موضحا بان تلك الفحوصات اثبتت احتواء هذه الاليات علي مادة اليورانيوم المنضب الذي يؤدي الي الاصابة بالامراض السرطانية والتشوهات الخلقية وامراض الدم. مضيفا "لقد  خاطبنا دوائر المحافظة لرفعها من الاحياء السكنية كمنطقة ابو رمانة- غرب العمارة القريبة من معمل البلاستيك علي الطريق العام عمارة- بغداد ورميها في مناطق بعيدة عن متناول الاطفال والاشخاص الذين يتاجرون بها والذين يطلق عليهم لقب (العتاكة) اذ يمارسون بيع وشراء اغلفة الذخيرة لاستخلاص مادة الرصاص ومن ثم تصفيتها داخل معامل خاصة علي شكل قوالب، وبعد ذلك يتم تهريبها خارج العراق مقابل مبالغ طائلة)[].

    الى هذا،ارسلت وزارة البيئة العراقية فريق عمل خاص الى محافظة ميسان لاجراء مسح اشعاعي لثلاثة مواقع تعرضت للقصف الجوي خلال الحروب السابقة.وقال مصدر مسؤول في الوزارة ان هذه المواقع ملوثة اشعاعيا بصورة كبيرة، حيث اثبتت الفحوصات الاولية لنماذج من تربة تلك المواقع تلوثها بالاشعاع بعد تعرضها للقصف بالطائرات او القذائف خلال الحروب السابقة.وأضاف المصدر ان هناك اجراءات سيتم وضعها في تلك المواقع تشمل عزلها عن المناطق القريبة ومنع دخول المواطنين اليها، اضافة الى سحب نماذج اضافية لزيادة الكشف عليها.وأوضح ان الوزارة وضعت خطة للكشف عن الاشعاع في مناطق العراق خصوصا التي تعرضت للقصف الجوي”[].

    وفي واسط، حذر مصدر بيئي في دائرة بيئة واسط من المخاطر التي ستتعرض لها العوائل التي تتخذ مقرات الجيش العراقي السابق مسكناً لها بسبب تعرضها الى خطر الاشعاعات النووية التي يمكن ان تكون متواجدة اصلا في هذه المقرات.ودعا مدير بيئة واسط ماجد محمود ياسين العوائل التي اتخذت من معسكرات الجيش و بالذات معسكرات الحرس الجمهوري المنحل في مركز المدينة وفي منطقة الصويرة مسكنا لها الى مغادرة هذه المواقع بسبب وجود اشعاعات نووية فيها من جراء تعرضها للقصف الاميركي بشكل مكثف اولا ومن خلال تواجد الاسلحة التي كانت محملة بمواد كيمياوية التي كان يستخدمها الحرس الجمهوري في ذلك الوقت[].

الألغام والقنابل غير المنفلقة

   تناثرت جراء حربي عام 1991 وعام 2003،ليس فقط  في الصحراء العراقية والكويتية، بل وفي مواقع مدنية كثيرة ألغام وذخائر غير منفجرة وأسلحة محطمة وملوثات كيماوية. بما يشكل أخطارا جمة، على الأطفال خاصة، ليس فقط بسبب التلوث البيئي عبر الهواء والماء والنبات وإنما أيضا بسبب الذخيرة غير المنفجرة التي تتسبب بالوفيات وببتر الأطراف واستعمال القذائف الفارغة والدبابات المدمرة والملوثة باليورانيوم من قبل الأطفال كلعب[]. ففي المثنى، على سبيل المثال، أعلن  العقيد الحقوقي محسن كاظم علك- مدير الدفاع المدني في المحافظة ان مفرزة معالجة القنابل غير المنفلقة التابعة للمديرية قامت بمعالجة  100 قنبلة غير منفلقة في منطقة (آل بلحة) التي تبعد حوالي 8 كم جنوب غربي مدينة السماوة.وأضاف انه بعد اجراء المسح الميداني على المنطقة المذكورة تم العثور على كميات كبيرة من القنابر والصواعق، وهي مخلفات حربية قديمة مندثرة منذ عهد النظام السابق، وتمت معالجتها ورفعها، وكانت اعدادها:(80)  قنبرة هاون عيار (120) ملم،و (10) قنبرة هاون عيار (60) ملم، (10) صواعق هاون متعددة الأنواع. والمعروف ان بادية السماوة شهدت القاء ملايين القنابل العنقودية وشتى الالغام خلال حرب 1991 ولم يتم ازالة القسم الاكبر منها لغاية اليوم مما سبب عشرات الحوادث المأساوية التي اوقعت عددا كبيرا من الضحايا[].  


    وهناك مشكلة الألغام،المنتشرة هي الأخرى في الحدود العراقية، حيث اعلنت الهيئة الوطنية العراقية لشؤون الالغام التابعة لوزارة التخطيط والتعاون الانمائي وجود 25مليون لغم تحت الارض، لم تستخرج بعد، اضافة الى 3 ملايين طن من الصواريخ، والقنابل، والذخائر، مازالت مهملة في مناطق متفرقة. وقال مصدر في الهيئة ان عمليات المسح الاخيرة اكدت وجود هذه الكميات من الالغام والذخائر، وهي تقديرات اولية، اذ تشير الدلائل الى وجود اعداد اكبر لم تزل مدفونة تحت الارض، وموزعة بين الحقول والمزارع، وكل ذلك  من مخلفات الالة العسكرية للنظام السابق[].وقدرت الهيئة الوطنية لشؤون الألغام عدد المناطق الملوثة بالألغام والمقذوفات بأكثر من 2000 موقع في بغداد والمحافظات- حسب مصدر في الهيئة، مشيراً الى  إن آخر المسوحات التي أجريت أثبتت تلوث أكثر من 2000 موقع، حيث تم حصر تلك المواقع، ووضع إجراءات احترازية لها، من اجل تقليل مخاطر التلوث على المواطنين. وأكد المصدر وجود الملايين من الألغام والمقذوفات غير المنفلقة على أراضيه خلال الحروب الأخيرة[].  


    على صعيد اَخر، انتشرت في أطراف العاصمة بغداد العديد من المطامر الصحية المخصصة لطمر النفايات والتي حاولت أمانة بغداد من وراء تحديد أماكنها التخلص من النفايات التي حاصرت شوارع وأزقة أحياء العاصمة. يقول علاء الجنابي-مسؤول القسم البلدي في قطاع العبيدي: تعد المطامر الصحية للنفايات من الظواهر الصحية التي حرصت أمانة بغداد على إقامتها من اجل تجميع هذه النفايات في أماكن مخصصة لها، بعيداً عن التجمعات السكانية، وقد تم تخصيص مبالغ مالية ضخمة لهذا الغرض، إلا إن سوء تنفيذ هذه المطامر المخصصة للنفايات، من حيث التصميم والبناء، جعلها مصدراً لعدد كبير من الأمراض الانتقالية، مما شجع بعض العاطلين عن العمل على إيجاد فرصة للربح السريع حتى لو كان على حساب صحة المواطنين، يشاركهم في ذلك بعض أصحاب المعامل الصغيرة التي تعمل في إعادة تصنيع المواد المستهلكة وإعادتها من جديد لتكون حاويات للأطعمة والمشروبات. وبهذا تشكل خطراً على الصحة العامة للمواطن العراقي.ومع إن هذه المنتجات غير صالحة للاستخدامات الإنسانية، إلا أن أسواقنا مليئة بها، إذ استغل أصحاب المعامل غياب الرقابة الصناعية والصحية بسبب تردي الوضع الأمني في بلدنا، بل وجدنا أيضا إن هناك تهاوناً في الكشف عن هذه الصناعات من قبل الأجهزة المختصة لتغلغل الفساد الإداري في تلك الدوائر الحكومية[]. 

أطلال من النفايات والقاذورات

    من الظواهر الصارخة وتغشي البصر: تراكم برك المياه الآسنة، وأكوام ، لا بل أطلال من النفايات والقاذورات، وتسرب مياه الصرف الصحي في الأحياء الشعبية،نتيجة لتهرؤ شبكاتها، وانسداد مجاري المياه الثقيلة، وإغراقها للشوارع والمحال السكنية، مع ما يرافقها من روائح كريهة، وذباب، وبعوض، وأمراض خطيرة عديدة نتيجة لها. وتراجعت المساحات الخضراء، وتحول معظمها إلى ساحات لرمي النفايات والقاذورات في كل مكان، في وقت اختفت فيه معظم الحاويات المخصصة لرميها من الشوارع والازقة والمجمعات السكنية، فأصبحت تخنق المدن، وتكتم أنفاس المواطنين. وتحولت الارصفة والجزرات الوسطية إلى اماكن مفتوحة (للطمر الصحي) العشوائي، ورمي الانقاض. وتحول بعضها إلى مجازر واسعة لذبح المواشي خارج الرقابة الصحية.ويتواصل رمي مخلفات المستشفيات، العامة والخاصة، والمعامل، في الانهار، التي تمثل المصادر الرئيسة لمياه الشرب في العراق، من دون اية معالجة صحية. وهو ما جعل مياه الشرب فهي في حالة يرثى لها، وفاقم من المشاكل البيئية من خلال اسهامه المباشر في ارتفاع مستويات التلوث البيئي، فضلاً عن اخطار الاصابة بامراض خطرة ومزمنة وبعيدة الاثر كالتسمم،ومئات اَلاف الأصابات بالإسهال والتايفوئيد والزحار وغيرها، مما أرغم الجهات الصحية على الخروج عن صمتها، ودعوة المواطنين إلى غلي مياه الشرب، قبل استخدامها، وهو ما دفع أحدى الصحف العراقية للتساؤل:"إلى اين تذهب، اذاً ، مخصصات تنقية المياه وتعقيمها؟![].

أبرز مصادر التلوث

    الواقع ان مصادر تلوث البيئة العراقية هائلة،وهي عديدة ومتنوعة. غير ان اكثرها خطورة – حسب الخبير البيئي  الدكتور علي حنوش- وكيل وزارة البيئة العراقية الأسبق- هي:

    أولاً- التلوث بالمعادن الثقيلة، أبرزها الرصاص، الحديد ، الكادميوم، المنغنيز والزئبق، والمصادر المشعة وبالاخص اليورانيوم ومخلفاته. فقد تراكمات (بمستويات مختلفة) تلك الملوثات ومن مصادر مختلفة وعبر فترات طويلة من الزمن، لوثت الهواء والماء والارض. وجميع تلك الملوثات تشكل مصادر خطر جدي للبيئة العراقية وهي بحاجة الى مجهودات ضخمة للتخفيف منها، والحد من استمرار تدفقها مستقبلا. فالخطوة الاولى حسب تقديره تكمن في اجراء مسوحات سريعة، للتعرف على مصادر تلك الملوثات(المدنية، العسكرية وغيرها). فصناعة البطاريات وانتشار ما يسمى(بتدوير المواد المستعملة للبطاريات) في المجمعات السكانية من دون اي رقابة مصدر تلوث خطير وهو مثال واحد وبسيط. وينطبق الامر على مشكلات اخرى خطيرة وغير مرئية. 

    ثانيا- مصادر التلوث من استعمال الوقود(كالبنزين وغيره). فقد غطت ( غرقت) شوارع العراق بالعجلات والاليات من الطراز القديم، والبنزين المستخدم لدينا من النوع الحاوي على الرصاص والكبريت، تطلق كميات ضخمة من الملوثات يوميا، وبالاخص في المدن ذات الاكتظاظ الكثيف، فيمكن تصور حجم الاضرار البيئية على الصحة البشرية والبيئة بشكل عام وبالتالي نوعية الحياة في هواء وماء وغذاء العراقيين.

     ثالثا- تلوث المصادر المائية، بما فيها مياه الشرب. فالتلوث البكتيري والفيروس الكيماوي للمياه السطحية بشكل عام، ومياه الشرب بشكل خاص، مصدر قلق، وبالاخص لتأثير واختلاط مياه الصرف الصحي على مياه الشرب او الري وغيرها. 

    رابعا- التلوث بمركبات الهيدروكربونات، وبالاخص تلك الناتجة من الصناعات النفطية، فضلا عن كثرة التسربات وتفجير الانابيب وتخريب المنشاة النفطية. وعلى ما يعتقد حنوش فانها مصادر مرعبة لتلويث الهواء والماء والارض، وهي موضوعات لا تزال غير مدروسة. ويعتقد (ايضا) ان مدنا ومجمعات سكانية مثل البصرة، بيجي وكركوك والدورة وغيرها من المواقع الشديدة التلوث. 

    خامسا- المركبات العضوية(مركبات الكلور والمبيدات) التي تستخدم بشكل واسع نسبيا في الحياة العامة او في الصناعة والزراعة.. وغالبيتها غير مدروسة بشكل واسع.  

    سادسا- غياب الرقابة بشكل عام، وبالاخص منها على المستويين الداخلي، فضلا عن انعدام الرقابة على مستوى المواد المستوردة(بما فيها المواد الغذائية). فضلا عن انعدام نظم الامان  الصحي في العمل والحياة العامة.والمؤشرات اعلاه تشكل خطوط عريضة لابرز مصادر التلوث البيئي في العراق، تتعزز بانخفاض مستوى الوعي البيئي وانتشار الفقر وضعف النظم المؤسسي المعني بالبيئة[].     

    ومن اَثار التلوث المنتشر، وجد الاستاذ المساعد حسن علوان البائي- جامعة بابل، كلية الطب، زيادة الرصاص والزئبق في حليب الامهات المرضعات نتيجة للتلوث البيئي الخطير في مدينة بابل. ووجد الدكتور جواد الديوان زيادة تركيز الرصاص في دم الاطفال في مدينة الرمادي.وأثبت الاستاذ المساعد  ثامر كاظم يوسف زيادة حالات الربو بين الاطفال في المناطق الملوثة حول مناطق تواجد مصافي النفط[].

    على صعيد اَخر،أعلن  وزير التربية  ان نحو 1000 مدرسة لم تزل مشيدة بالطين وذلك بسبب سياسات النظام السابق، التي لم تعتن بالمسيرة التربوية.وهو قال الحقيقة.ولكن كم هي المليارات من الدنانير التي صرفت على اعمار وتأهيل المدارس؟ وكم مدرسة تم تأهيلها بكذا مليون دينار، وحينما ندخل فيها نكتشف ان عملية التأهيل تضمنت صبغ الواجهة فقط.. وبعد ثلاثة او اربعة اشهر يتم صبغ الواجهة بلون اخر ليتم تسجيلها مرة اخرى في سجل المدارس التي تم تأهيلها!![].

تلوث الموارد المائية

    قبل عام ونيف، أفادت المهندسة منال كامل- وكيل وزارة البيئة بان الموارد المائية عانت التلوث بسبب تصريف العديد من النشاطات الصناعية والزراعية والخدمية بدون معالجة ابتداءً من دخول النهرين الى الاراضي العراقية وحتى التقائهما في شط العرب خصوصاً مياه الصرف التي تلقى في النهرين بكميات هائلة بدون معاجلة.وأشارت الى أن من اسباب تردي نوعية مياه الشرب هي شحة مياه المصدر المائي ورداءة نوعيته والتي تعتمد عليها مشاريع تصفية المياه وتدني كفاءة عمل المشاريع والمجمعات وحاجتها الى الصيانة الدورية والادوات الاحتياطية والاجهزة والمواد الكيمياوية بالاضافة الى قلة كفاءة وخبرة العاملين في ادارة هذه النشاطات وضعف التزامهم بمتطلبات العمل والتشغيل، وتدهور شبكات تجهيز مياه الشرب بسبب قدمها وكثرة العيوب فيها بحيث انتقصت المياه الواصلة الى المستهلك الى اقل من النصف بسبب النضوحات،وقد يصيبها تلوث، واحياناً لاتصل المياه الى المستهلك في بعض المناطق. وهناك عامل مهم في تردي نوعية المياه وهو انقطاع التيار الكهربائي والتي تؤثر على عمل مشاريع تصفية المياه وعلى كميات الضخ وتسبب تخلخل الضغط مع عدم ضمان عمل المولدات لتغطية فنرة الانقطاعات او وجود عطل فيها. واشارت كامل الى ان الصناعات العراقية تعرضت الى تدهور شديد جراء الحصار وخلال اكثر من عشر سنوات تسبب في تدهور البيئة من خلال الانبعاثات والمطروحات الصناعية الى الهواء والماء والتربة لعدم كفاءة وحدات المعالجة والسيطرة , مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية ومعامل السمنت والطابوق ومعامل كثيرة , تابعة الى وزارة الصناعة والمعادن،اضافة الى التلوث النفطي في المصافي وسوء ادارة هذه الموارد وما تعرضت اليه في السنوات الاخيرة جراء الحروب والحصار.وكل ذلك شكل ضغطاً على البيئة من خلال تدني عمل وحدات المعالجة للتصاريف السائلة بالاضافة الى الملوثات الغازية المتمثلة بالغاز الطبيعي الحاوي على ثاي اوكسيد الكبريت واكاسيد النتروبين وثاني اوكسيد الكاربون،إضافة الى الملوثات الناتجة عن نضوحات النفط الخام من الخطوط الناقلة بسبب شحة المواد الاحتياطية، وما تعرضت له خطوط النفط من تفجيرات وعمليات إرهابية،وتعرض مخزن الكيمياويات التابع الى مصفى الدورة الى سرقة500 حاوية لمواد خطرة جداً، كرابع اثيل الرصاص والفورفورال، التي تستخدم في عملية التصفية, والتي لوحظ وجود هذه المواد على ارضيات المخازن وتم تأشيرالمنطقة بعالية التلوث!.واشارت المهندسة كامل الى عدم وجود محارق في اغلب المستشفيات، وعدم التزام المستشفيات بعزل المخلفات الطبية وغير الطبية، وضعف ادارة النفايات الطبية، وعدم وجود نظام صحي متكامل لجمع ونقل النفايات داخل المستشفى، وخلطها مع النفايات البلدية في مواقع الطمر.ولكل هذا مردودات سلبية على المجتمع نظراً لما تحويه النفايات المذكورة من مخاطر مرضية وكيمياوية.وكل هذه مشاكل مزمنة.أما مشاكل البيئة الجديدة فأشارت الى ان الحرب الاخيرة افرزت مشاكل عديدة طارئة، ولها مخاطر على البيئة، مثل مشكلة التلوث الاشعاعي في موقع التويثة، ومشكلة التلوث الناجم عن حادثة كبريت المشراق، وغيرها [].

    وزارة الزراعة من جهتها، وعلى لسان مصدر مسؤول، أعلنت  بانها تسلمت دراسة تثبت ان تلوثا بيئيا كبيرا يكتنف المنطقة، حيث ثبت ارتفاع نسبة الرصاص بالماء من 10 في المائة الى 21 في المائة، اضافة الى تعرض المنطقة الى القصف بالقنابل العنقودية والذخائر المشعة في الحرب الاخيرة على العراق[].

شحة المياه وعوامل تلوثها

    منذ سنوات عديدة والماء مشكلة تؤرق مواطني بغداد خصوصاً ساكني جانب الرصافة منها حيث تمضي ساعات طويلة يومياً بانتظار الزائر الذي لا ياتي وان جاء في الحنفية فبقطرات شحيحة منه بعد طول صبر وانتظار[].فقد اشارت التقارير البيئية القادمة من العراق, الى خطورة الوضع البيئي في العراق، فإن المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق أكد، في تقرير له، ان 90 في المئة من اجمالي سكان العراق لا يحصلون على احتياجاتهم من المياه الصالحة للشرب[

    وتدل إحصائيات  وزارة التخطيط - بحسب الباحثة زينب حسين- الى أن ما يستهلك يوميا من المياه في العراق هو (7.8) مليون متر مكعب/ يوميا، يعود منها للمسطحات (5.8 مليون متر مكعب/يوميا، أو بحدود 75% )، وهي مياه حاوية على مختلف الملوثات الصناعية، وفضلات الانسان والحيوان.وقد كشفت دراسة أجريت في عامي 1997 -1998عن التلوث البكتيري لمياه الشرب الخارجة عن محطات التصفية في محافظات (بغداد-نينوى- كركوك- صلاح الدين- ديالى- الانبار - واسط - ميسان - بابل- كربلاء- القادسية - النجف - ذي قار ـ المثنى- والبصرة، وبعض الاقضية والنواحي)، واظهرت نتائج الدراسة ان مياه الموصل، الجزيرة ،داقوق ، سامراء ، تكريت ، الدور ، بلدروز ، الخالص ، الفلوجة، الرمادي ، العزيزية ، شيخ سعد ، ، كميت ، العزير ، المحاويل ، الناصرية ، السماوة، البصرة، ودور النفط ، غير صالحة للاستهلاك البشري وحتى الحيواني[].

    تحدد الباحثة زينب حسين مصادر تلوث المياه العراقية بما يلي: 

1 ـ التلوث الزراعي : تعتبر المبازل المصدر الاساسي لزيادة الملوحة لنهر دجلة والفرات لما تحويه من املاح تصل الى 20% اي يطرح اكثر من 2مليار سنوياً.استخدام المبيدات الكيمياوية تعد مصدرا مهما لابادة الحياة المائية اذا وصلت اكثر من 4-5 ملغم /لتر.التلوث نتيجة ما يطرح في الانهار من مياه المجازر التي يصل عددها في العراق الى 90 مجزرة يتم تصريفها الى الانهار دون معالجة لان معظم المجازر تحتوي على منظومات معالجة.

 2ـ التلوث الصناعي: تعتبر الصناعة المصدر الرئيسي لتلو ث المياه والجو وهو تاثير سلبي على الكائنات الحية والانسان بشكل خاص حيث تأخذ المجمعات الصناعية المياه التي تحتاجها في عملية التصنيع من الانهار والبحيرات وبعد ذلك تطرح هذه المواد بعد استعمالها الى الانهار بعد ان تكون محملة بمواد ملوثة (عضوية ولا عضوية ) ومواد سامة ورصاص ، زئبق ، كادميوم حيث سيؤدي تراكمها في الانهار الى انقراض الثروة السمكية والاحياء الاخرى من السلسلة الغذائية مسببة الامراض المعوية مثل البكتريا الاشريشية E.coliوالكوليرا والسالمونيلا وغيرها العديد من البكتريا.

أ- الصناعات الكيمياوية:وتصرف حوالي 17197.7 متراً مكعباً / ساعة مياه ملوثة وما ينتج من المنشأت الصناعية الاخرى من مياه ملوثة (15455.75) متراً مكعباً ،وتشمل مواد قاعدية ، اصباغ ذائبة ، مواد دباغية ، وحوامض الكبريتيك والهيدروكلوريك، وعناصر ثقيلة، في حين تفتقر اكثر المنشآت الى وحدات معالجة، وهذا يعني اطلاق المياه الملوثة الى الانهار، مما يسبب خلل في التوازن الطبيعي للنظام البيئي، ويصبح الماء غير صالح للاستهلاك البشري والحيواني.وتبين لنا الدراسة ان من بين 9 شركات منها 8 شركات لاتحتوي على وحدات معالجة. 

ب - الصناعات الهندسية: كمية الموارد المصرفة للانهار الناجمة عن هذه الصناعة حوالي 8543.25م3 ساعة تحوى مواد عالقة وحوامض ومن(9) منشآت للصناعات الهندسية لاتوجد فيها وحدات معالجة .

 ج- الصناعات الغذائية: ترمي هذه المنشآت يوميا 645م2/ ساعة، محتوية مواد ملوثة سكرية وكاربون عالق ومواد عضوية والمياه المصرفة من صناعة الالبان تحتوي على مواد جلدية وبرش جبن وبقايا الحليب. وهذه المنشاة لاتحوي معالجة فهناك وحدتا معالجة لشركتين فقط من مجموع 9 منشات غذائية وهذا يعني جعل النهر الذي ترمى فيه هذه المخلفات وسطا ملائما لنمو الجراثيم المرضية وغير صالح للاستهلاك البشري .

 د. الصناعات النسيجية: تحتوي مياه المنشات المطروحة للانهار على مواد عديدة مثل الاصباغ اليوريا ، الصوابين ومواد مختبرية مثل الكبريتات وغاز الكلور لقصر النسيج ومواد قاعدية وما تطرحه المنشات من مياه ملوثه وما يعطيه يبلغ 6156.5 متراً مكعباً/ ساعة، ومن بين منشئات توجد  خمس منها تحوي وحدات معالجة.

هـ. الصناعات الانشائية: تحوي مياه هذه المنشآت التي ترمي مياه ملوثه الى الانهار حوالي 130 متراً مكعباً/ ساعة تحتوي على زيوت نفطية ومساحيق التنظيف وكميات من الصور او مواد عالقة اخرى. يبلغ عدد المنشآت الصناعية التي تصرف مياه منشآتها الى نهر دجلة بحدود 21 معملا نصفها تقريبا يفتقر الى وحدات معالجة يبلغ تصريفها للمياه الملوثة في/الساعة الواحدة 5689 متراً مكعباً /ساعة، هناك 18 مصنعا او منشاة ترمي مياهها الملوثة والمخلفات الى المجاري ويبلغ مجموع ما ترميه 63.4 متراً مكعباً /ساعة اكثر من نصفها يفتقر الى وحدات المعالجة. اما ما يصرف من المياه الصناعية المصرفة لنهر الفرات تبلغ(18481) متراً مكعباً /ساعة  وعدد مصانعها اكثر من 13 مصنعا بعضها لايحتوي على وحدات معالجة.

3-التلوث الناجم من الفعاليات المدنية: ان مياه الصرف الصحي الناجمة عن التجمعات السكنية تحتوي على نسبة عالية من الفوسفات والاحياء المجهرية وتوجد في العراق (11) محطة معالجة رئيسية و(27) محطة معالجة فرعية تخدم حوالي 25% من سكان العراق وكفاءتها قليلة بسبب قدمها،اضافة الى ذلك فهناك (74) مستشفى دون منظومات معالجة اضافة الى (235) اخرى ذات منظومات معالجة غير  كفوءة مما يؤدي الى زيادة الخطر الصحي في المصادر الاساسية للماء في نهري دجلة –الفرات[].

    لقد بدأت حكاية عدم صلاحية المياه الوفيرة للشرب، حسب خبراء الموارد المائية، في عقد الثمانينات، عندما أنجزت الدول المتشاطئة حوضي دجلة والفرات (تركيا -سورية - العراق) سدودا وخزانات عملاقة عملت عليها خلال العقدين الماضيين، خفضت مناسيب المياه في النهرين، مما أدى الى صعود مياه المد في الخليج العربي العالية الملوحة الى مسافات قريبة من ملتقى النهرين في القرنة، واختلطت بمياه الرافدين، إضافة الى ارتفاع نسبة التلوث، مما جعل المياه في البصرة غير صالحة للشرب. وأكد عبد الستار عاكف- مدير مديرية ماء محافظة البصرة إن مياه شط العرب لا تصلح حاليا للاستهلاك البشري وتحولت الى (مثانة) في جسد دجلة والفرات، على حد وصفه، وقد بلغت نسبة الملوحة فيها 3000 جزء من المليون، أي اكثر من المقرر ـ 15 مرة. ان المياه تعتبر غير صالحة للتناول اذا كانت نسبة التلوث فيها  3-1 جزء في المليون، اما مياه الشط فقد وصلت نسبة التلوث فيها الى 50 جزء في المليون.ونسب مصدر صحي في المحافظة الى ان معظم الأمراض التي تصيب أعدادا كبيرة من سكان البصرة، وفي مقدمتهم الأطفال، هو تلوث مياه الشرب، مشيرا الى انتشار أمراض التيفوئيد والكوليرا والزحار والتهاب الكبد وامراض جلدية وباطنية كثيرة خلال الأعوام القليلة الماضية[].

    والواقع،إن شحة الماء الصالح للشرب، الى جانب تلوثه، تعد مشكلة خطيرة في العراق.وهناك دراسات عديدة أثبتت تلوث مياه الشرب في العديد من المدن. فحسب بحث حديث قدمه الاساتذة: زينب علي، خالد رشيد، محمد يوسف، وحسين سلطان- من وزارة العلوم والتكنلوجيا، بعد قيامهم باجراء الكشوفات والبحوث حول مياه الشرب في وسط وجنوب نهر دجلة، ثمة اكثر من 45 مدينة جنوب بغداد مياهها غير صالحة للشرب.

    وتوصل الدكتور محمود البربوتي وزملاؤه- من صحة مدينة بغداد،  مديرية تحليل البيئة،في بحث لهم حول نوعية مياه الشرب بعد الحرب، الى ان مياه الشرب ملوثة بدرجة كبيرة تصل الى 15 - 40 % تلوثاً بكتريولوجياً كنتيجة لسوء تصريف مياه المجاري، حيث تصب مياه المجاري مباشرة في مصادر تواجد المياه الصالحة للشرب[].واستخدمت ثلاث باحثات، هن ندى فاضل، ونجيبة عبد الله، وصبيحة عبد الجبار، عينة المياه لاكتشاف اليورانيوم فيها باستعمال كواشف الاثر النووي CR-39 في الحالة الصلبة SSNTDS من خلال 11 نموذجا لمواقع مختلفة في مياه دجلة والفرات، وتبين لهن وجود مستويات متفاوتة منه في مياه دجلة- من القرنة الى الصويرة. وكشف فريق اخر عن مستويات التلوث بالاستعانة بالكاشف BPADAP المستعمل من قبل لجنة الطاقة الذرية الاسترالية،وبينت نتيجة فحص العينات من العمليات في جنوب العراق التي تعرضت للقصف بقذائف اليورانيوم المنضب، ان النسبة بلغت فيها الى 10%[].

    وقارنت دراسة تقييمية، أعددتها شعبة مراقبة نوعية الهواء والمياه/ بغداد، بين نوعية مياه الشرب من الناحية الجرثومية والأمراض المنقولة عن طريق الماء في محافظة بغداد خلال عامي 2002 و 2004، فاحصة (700) نموذجاً خلال عام 2002 و (300) نموذجاً خلال عام 2004، أخذت من مياه الشرب في بغداد، فحصاً مختبرياً جرثومياً، تثمل بـ (T.P.C,E.coli,Coliform)، فتبين ان معدلات الفشل في عام 2004، والتي بلغت (10.28%)  اعلى مما كانت في عام 2002 (1.02%).ولاحظت الدراسة ارتفاع عدد الأمراض المنقولة عن طريق الماء، كالتايفوئيد، في عام 2004 بمعدل الضعف عن 2002 ، مع انعدام حالات الكوليرا، وبقاء حالات التهاب الكبد الفايروسي على معدلاتها تقريباً  للعامين المذكورين. وعزت الدراسة زيادة نسب الفشل في نوعية مياه الشرب من الناحية الجرثومية الى: التخسفات والتكسرات التي تعاني منها شبكة مياه الشرب.أنتهاء العمر التصميمي للعديد من الشبكات. وجود عدد من المشاكل التشغيلية، وعطل بعض الأجهزة في المشاريع والمجمعات المائية، وبالتالي إنعكاسها على نوعية المياه المجهزة.عدم تدريب نسبة كبيرة من العاملين في المشاريع او المجمعات المائية بصورة كافية لتشغيل وأدارة هذه المجمعات.نقص كمية المياه الخام المجهزة للمشاريع او المجمعات المائية والتي يكون بعضها بسبب التجاوزات من قبل المزارعين على الأنابيب الناقلة للأستفادة منها في سقي المزروعات، وبالتالي تأثيرها على كمية المياه المجهزة للمستهلك، وتوقف هذه المنشآت عن تجهيز المياه الصالحة للشرب احياناً.نقص كمية المياة المجهزة للمواطنين، ادى الى قيام المواطنين بأستخدام المضخات وربطها مباشرة الى الشبكة، مما زاد من احتمالية تلوث المياه نتيجة انخفاض الضغوط في الشبكة، وأمتزاج المياه الصالحة للشرب مع المياه الملوثة كمياه الصرف الصحي. ضعف التوعية الصحية البيئية لدى المواطنين ادى الى قيامهم باستخدام مياه غير أمنة للشرب.وجود بعض مصادر التلوث على المياه السطحية وخاصة على نهر دجلة المصدر الرئيسي للمشاريع والمجمعات المائية في محافظة بغداد كالربطات غير النظامية على محطات مياه الأمطار، فزاد من نسب التلوث الجرثومي في المصادر المائية وشكل عبئاً أكبر على محطات تصفية مياه الشرب[].

    وتناولت الباحثة زينب حسين عوامل التلوث البكتريولوجي، الذي يحدث في نقاط شبكة المياه المعالجة (مستودعات خزن المياه والحنفيات)، ومنها: وجود مجمعات سكنية ، مخازن المواد الزراعية ، مصانع الادوية ، المعامل الانتاجية ، المستشفيات ،التي تطرح مياهها مباشرة من دون معالجة.والادارة غير الدقيقة لمحطات معالجة مياه الشرب، وانخفاض  كفاءة المحطة بسبب افتقارها للادوات الاحتياطية والمواد المطهرة، او بسبب اهمال العمال. ويحدث تلوث مياه الشرب بسبب التجهيز بشكل متقطع او عند تشغيل الشبكة تحت ضغط واطيء او من التكسرات في الشبكة مما يؤدي الى اختلاطها بمياه الفضلات او المياه الجوفية.وتؤكد إصابة الإنسان، نتيجة لتناوله المياه الملوثة، سواء بالشرب، او السباحة، او استعمالات اخرى، بامراض مختلفة تسببها كائنات حية، كمشعرات للتلوث الغائطي (مجموع القولونيات ، القولونيات البرازية ، بكتريا المسبحيات ، المسبحيات البرازية ، بكتريا الغانغرين ، البكتريا المسببة للكوليرا ). وحسب فرضيات منظمة الصحة العالمية فان الامراض المرتبطة بتناول الماء الملوث هي: التهاب المثانة، التهاب حوض الكلية ، التهاب الكلية، الحمى التايفوئيدية،الحمى الباراتيفوئيدية، اسهال الاطفال، الحمى الصفراء، اللولبيبة، الحمى المتموجة [].

    وكانت وزارة البيئة قد حذرت من استمرار طفح المجاري في عدد من مناطق واحياء بغداد السكنية لانها تسهم في انتشار عدد من الاوبئة والامراض في هذه الاحياء اضافة الى انعكاساتها السلبية على البيئة بشكل عام.وقال الدكتور صباح ميفل العمران - مدير قسم البيئة الحضرية في بيئة بغداد، ان الفرق الرقابية في مديرية بيئة بغداد شخصت العديد من حالات طفح المجاري المستمرة في عدد من احياء بغداد كمنطقة البياع والدورة والمنصور والكرادة وجميلة والنعيرية في بغداد الجديد اضافة الى المناطق الشعبية الاخرى المكتظة بالسكان كمنطقتي الشعب ومدينة الصدر والتي تضم اكثر من ثلث سكان بغداد.وحذر العمران من ان عدم الاسراع في معالجة هذه المشاكل سيؤدي الى حدوث كارثة بيئية في مدينة بغداد في حالة استمرار عمليات الاهمال وعدم حلها بشكل جذري وسريع قبل حلول فصل الشتاء اذ ستتفاقم الازمة بشكل اكبر ويكون حلها عند ذلك صعب جدا.واوضح بان وزارة البيئة ومن خلال دوائرها المنتشرة في بغداد والمحافظات خاطبت الجهات المسؤولة والمعنية بهذا الامر كوزارة البلديات وامانة بغداد الا انها لم تجد استجابة حقيقية للقضاء على هذه المظاهر التي لاتليق بمدينة بغداد وسمعتها التاريخية .ومن جانب اخر رصدت الفرق الرقابية التابعة لوزارة البيئة اكداسا كبيرة من النفايات والازبال بالاضافة الى زيادة عدد اماكن تجميع هذه النفايات داخل او بالقرب من المناطق السكنية في بغداد كمناطق الوشاش والطريق السريع المؤدي الى منطقة البياع فضلاً عن وجود اكداس من النفايات والانقاض بكميات كبيرة في منطقتي الاسكان وحي القادسية[].

    ومؤخراً حذر مصدر مسؤول في دائرة الرقابة الصحية في وزارة الصحة، بان لقدم شبكة أنابيب نقل المياه الصالحة للشرب، وتداخلها مع أنابيب ومجاري مياه الصرف الصحي، تأثير مباشر في صلاحية مياه الشرب في عدد كبير من مناطق بغداد. وأوضح بان الفحوصات المختبرية أثبتت ان نسبة الصلاحية للمياه لا تتعدى 45% في احسن المناطق، لذلك لابد من التعاون بين وزارة الصحة وأمانة بغداد ووزارة البيئة لايجاد حلول سريعة لهذه المشكلة[].وكان الجهاز المركزي للسيطرة النوعية التابع لوزارة التخطيط  قد أكد بان فرقه أثبتت تلوث بعض عبوات مياه الشرب، وانها غير صالحة للاستخدام. واوضح مصدر في الجهاز ان هذا التلوث حدث نتيجة قيام بعض الشركات غير المجازة بانتاج هذه العبوات وطرحها في الاسواق. واضاف المصدر ان مختبرات الجهاز المركزي للسيطرة النوعية لا تزال تعمل على فحص المنتوجات المتوفرة في الاسواق  وكانت وزارة الصحة قد حذرت في وقت سابق من تلوث العبوات التي تحمل المياه من النوع الكبير بعد ان اثبتت الفحوصات تلوثها[].


    وعن اسباب رداءة نوعية المياه ووصوله الى المنازل بروائح مختلفة، تقول المسؤولة الكيمائية في المختبر الخاص بالسيطرة النوعية للمياه الصالحة للشرب: وغالبا ما تؤثر تلوثات وتغيرات بيئية صلاحية المياه تصل الى 80% احيانا واسباب ذلك تعود الى تلف ونضوح في الشبكة المغذية للخطوط الناقلة وهذا يعني اختلاط ماء الشبكة بالمياه الجوفية او مياه المجاري وفي منطقة الكسر وهو ما يحدث في عدد من مناطق الرصافة ولاعلاج له الا باعادة مد شبكات جديدة واصلاح العطلات بشكل دائم و فوري[]


   وفي محافظة ذي قار، كشفت دراسة قام بها خبراء من منظمة (اوكسفام) العالمية عن تلوث مياه الشرب في المحافظة وبنسب تتجاوز الحد الادني من المواصفات الصحية لنقاوة المياه، لاسيما في المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية. وأوضح السيد لطفي صالح- المنسق العام لاعمال المنظمة في الناصرية شمول الابحاث والمسوحات الميدانية التي قامت بها المنظمة مناطق الاسكان، وحي الشهداء، والفهود، وسيد دخيل، وسوق الشيوخ، بحيث غطت العينات كافة جهات المحافظة"[]

     في صلاح الدين كشفت مديرية البيئة هناك مخالفات كبيرة في المناطق التي تباع فيها الاسماك في المحافظة. وذكر بيان صادر عن وزارة البيئة ان هذه المخالفات تتمثل في ابادة الثروة السمكية، بأستخدام السموم، والمبيدات الحشرية،الامر الذي انعكس علي مظاهر الحياة في نهر دجلة، مشيراً الي عدم اتخاذ الجهات التنفيذية الاجراءات اللازمة لايقاف التدهور البيئي في المحافظة. وافاد ان ملاكات المديرية المذكورة سجلت استمرار تلوث الشواطئ ببقايا النفط الخام مما يؤثر سلباً علي حوض نهر دجلة في تكريت.وافاد البيان ان ملاكات مختبرية في المديرية اثبتت عدم صلاحية 10 نماذج من مياه الشرب للاستهلاك البشري من بين 151 نموذج مياه اجريت عليها الاختبارات، مشيراً الي ان فحص تراكيز الكلور الحر في 416 نقطة في مواقع مختلفة من المحافظة، اظهر ان 60 نقطة منها غير مطابقة[].ويعيد المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق ظاهرة نفوق كميات كبيرة من الاسماك الى تلوث المياه بالمواد السامة حيث بلغت نسبة الفاقد من الأسماك 100 في المئة في بعض المزارع السمكية[].وحذرت اوساط واسعة من انتشار ظاهرة الصيد العشوائي للاسماك علي نحو غير مسبوق[].

تلوث الأغذية

  عقب الحرب الاخيرة، واتساع دائرة النشاط الاقتصادي، وتدفق مختلف السلع وفي مقدمتها المواد الغذائية من الخارج،

استقبلت الاسواق العراقية كما هائلا ومنوعا من المواد الغذائية الطازجة والمعلبة.ومن بين ما دخل الى اسواقنا مواد لا تحمل المواصفات والمقاييس المطلوبة، وصلت الى متناول المواطن نتيجة غياب الرقابة، وتعطل نشاط اجهزة التقييس والسيطرة، وتفشي الفساد الاداري، وانتشار ظاهرة الغش الصناعي.فاتسعت كمية المواد الغذائية منتهية الصلاحية والمواد التي تصنع محليا وتوضع عليها علامات لمناشئ معروفة بجودة انتاجها.

     والواقع أن قوافل الاغذية الفاسدة، التي تغزو العراق لا تحضى برقابة رادعة.حيال هذا الغزو حذرت منظمة الاغذية الدولية من استهلاك عدد من المواد الغذائية من قبل المواطنين بعد ان اثبتت الفحوصات ضررها البالغ المسبب للسرطان والامراض الاخرى،ونشرت جدولاً بأسماء ومنشأ تلك المواد[].وقد حذرت وزارة الصحة من شراء وتناول المواد الغذائية قبل التأكد منها، وذلك لأن حجم الكميات الداخلة منها، وتعدد المنافذ غير المسيطر عليها، كثيرة.وأعلن      الدكتور حسين البير- وكيل مدير دائرة الرقابة الصحية بأن فرق وزارة الصحة تواجه صعوبات في السيطرة على المواد غير الصالحة في السوق العراقية[].

    ومع أن نشاط الرقابة الصحية لم يتوقف، غير أنه يواجه مصاعب كثيرة.فقد أشار الدكتور واثق محمد- مدير قسم الرقابة الصحية التابع لوزارة الصحة،الى وجود 6 منافذ حدودية رسمية في العراق،موجودة قبل الحرب، غير أنها أصبحت بعد الحرب الأخيرة 30 منفذا غير رسمية، تدخل منها البضائع، وقال نحن نحاول بكل جهدنا ان نحصر دخول البضائع عبر المنافذ الـستة الرسمية.ولدينا فرق تفتيشية تشرف على جميع المداخل الحدودية، وهناك يتم اجراء فحص جميع المواد الغذائية في طريبيل والوليد وام قصر وربيعة، ولايسمح ادخال اية مادة غير صالحة للاستعمال البشري..وعزى الدكتور محمد غرق الاسواق بالمواد الفاسدة الى تعدد المنافذ غير الرسمية، وعدم وجود الحماية الكافية، والرقابة المستمرة، فيصبح دخول المواد الغذائية، باختلاف انواعها، امراً يسيراً.وأشار الى المشاكل العديدة التي تواجه فرق قسم الرقابة الصحية، ومنها مشاكل عدة عند سحب النماذج، كامتناع اصحاب المصانع او المعامل من اعطاء نماذج بحجة انه تم فحصها في المنافذ الحدودية، ولكن رغم ذلك تواصل الفرق التفتيشية عملها.  واضاف بأن بعض المواد الغذائية تدخل صالحة للاستعمال البشري لكنها تتلف بسبب المسافات الطويلة، فمثلا تؤخذ المواد الغذائية من بغداد الى البصرة او الرمادي او اية منطقة في العراق وهذه المواد تتعرض للشمس مما يؤدي الى تلفها بسبب الحرارة وخصوصا اللحوم التي تحتاج الى درجة 18 تحت الصفر في الحافظة[] .

    من جهته،اكّد الجهاز المركزي للسيطرة النوعية التابع لوزارة التخطيط ان  فرقه اثبتت تلوث بعض عبوات مياه الشرب، وانها غير صالحة للاستخدام.واوضح مصدر في الجهاز ان هذا التلوث حدث نتيجة قيام بعض الشركات غير المجازة بانتاج هذه العبوات وطرحها في الاسواق.وكانت وزارة الصحة قد حذرت في وقت سابق من تلوث العبوات التي تحمل المياه من النوع الكبير بعد ان اثبتت الفحوصات تلوثها[].ودعا أطباء المستهلكين الي التأكد من صلاحية المياه المعدنية المحلية والمستوردة، قبل استخامها لاغراض الشرب، وطالبوا الجهات الصحية والرقابية بإخضاع المعامل المحلية المتخصصة بتعبئة المياه المعدنية الي التفتيش المستمر، والفحص النوعي. وأتت هذه الدعوات، في وقت أبلغ مواطنون عن زيادة في حالات التسمم، متهمين تجارا باستيراد عبوات منتهية الصلاحية، من جهة، وعدم امتثال معامل محلية للشروط الصحية.من جهتها أكدت وزارة الصحة ان جميع المعامل المحلية المنتجة للمياه المعدنية خاضعة للاشراف الصحي والمتابعة المستمرة من قبل فرق الرقابة الصحية.وأكد مدير قسم الرقابة الصحية في الوزارة ان  فرق الرقابة الصحية تقـوم باجراء كشوفات علي المعامل المحلية الخاصة بتعبئة المياه وسحب نماذج منها لغرض فحصها وبيان صلاحيتها للاستهلاك البشري، موضحا انه سُحبت 103 نماذج من مياه الاسالة والآبار ومياه معدنية معبأة منذ بداية العام الحالي وحتي نهاية الشهر الخامس منه وتبين ان 36 نموذجا من هذه النماذج غير صالح للاستهلاك لاحتوائها علي بكتريا القولون والبكتيريا الهوائية وشوائب منظورة.وطالب يونس الاجهزة البلدية في امانة بغداد بالتعاون مع فرق الرقابة الصحية لمنع استغلال الارصفة لخزن او عرض المياه المعدنية وبيعها في ظروف بيئية غير صحية وهو ما يحدث في منطقة القناة وبعض المناطق الاخري ببغداد حيث تُخَزن المياه المعبأة في اراضٍ تابعة للامانة مما يعرضها الي التلف والتلوث.

    وقال مدير الاعلام بمركز بحوث السوق وحماية المستهلك في جامعة بغداد احمد كامل ان مصادر انتاج بعض هذه المياه غير معروفة ولا تمتلك شهادات جودة او انها خاضعة لمختبرات السلامة والتقييس والسيطرة النوعية وغالبا ما تُنتج بعيدا عن أعين الرقابة الصحية فمن السهل ملء العبوات الفارغة بالمياه ووضع الماركات عليها، مضيفا ان بعض شركات ومعامل انتاج المياه لا تمتلك تخويلا بالانتاج ولا نعرف اين وكيف تنتج.وأكد كامل ان الابحاث الاكاديمية التي تناولت بعض ماركات المياه المعدنية بالرصد والتحليل اثبتت عدم صلاحيتها للاستهلاك من خلال احتوائها علي ملوثات وشوائب مختلفة واختلاف كبير في طعم ولون ورائحة المياه [].

    وكررت وزارة الصحة تحذيرها للمواطنين من استهلاك بعض انواع الاغذية لاحتوائها على مواد مسرطنة فضلا عن عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري.وقال مصدر مطلع ان الوزارة اصدرت قائمة تتألف من ( 18 ) نوعاً من الاغذية المستوردة، موضحاً بان اغلب تلك المواد ثبت علمياً تسببها بالاصابة بمرض السرطان، والباقي يسبب مغصاً معوياً خطيراً، مؤكدا بأن الوزارة شددت الرقابة على المعابر الحدودية لمنع دخول هذه المواد او مواد غذائية اخرى غير صالحة للاستهلاك البشري[].

    الى هذا اتلفت فرق الرقابة الصحية التابعة لوزارة الصحة نحو(20) طناً من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري. وقال مصدر مطلع ان الوزارة اعدت خطة لفحص ومسح المواد الغذائية في جميع محلات الجملة والفرد في بغداد والمحافظات، مشيرا الى ان الفرق الرقابية نفذت اكثر من(3) الاف زيارة ميدانية خلال شهر أيلول 2005، وأنها أتلفت اكثر من(20) طناً من المواد الغذائية في كل من محافظتي نينوى وبابل، مبينا بان اغلب المواد التآلفة هي من منتجات الالبان والاغذية المعلبة والمواد الغذائية الاخرى. واكد المصدر ان الوزارة شددت من رقابتها على الحدود لمنع دخول أية مواد غذائية فاسدة خاصة وان العوائل العراقية تكثر من عملية التبضع خلال شهر رمضان المبارك لسد احتياجاتها اليومـية[] .    


     والى جانب كل هذا، تتواصل ظاهرة إنقطاع التيار الكهربائي، لساعات طويلة من اليوم، ويتواصل سوء الخدمات العامة، وخاصة الطبية والصحية والإجتماعية.. ولم يتحقق شيء يذكر من الوعود لمعالجة المشاكل الخطيرة، بينما الفساد اداري والمالي يضرب أطنابه في جميع الوزارات وبمستويات فاقت ما كانت عليه في ظل النظام المقبور! 




الخبراء حذروا من خطورة المشاكل البيئية

    قبل  سبعة أشهر،أكد مسؤول بالامم المتحدة إن مشاكل العراق البيئية من بين اسوأ المشاكل التي يواجهها العالم، وتتراوح من نهب موقع نووي بحاجة الى تطهير، الى تخريب أنابيب النفط. وقال بيكا هافيستو- رئيس "قوة المهام" التابعة لبرنامج الامم المتحدة للبيئة:من المستحيل تقريبا تحقيق أي تحسن في ظل هذه الاوضاع الامنية..المواد الكيماوية تتسرب للمياه الجوفية، والوضع يسوء، ويتسبب في مشكلات صحية اضافية.وأضاف: العراق هو أسوأ حالة قمنا بتقييمها، ومن الصعب مقارنته. أن نقص قطع الغيار، وعدم قدرة العراق على الالتزام بمعايير التلوث اثناء حربين سابقتين، وعقوبات كاسحة استمرت لاكثر من عشر سنوات، ألحق ضررا بالبيئة، بما في ذلك نهرا دجلة والفرات، حيث تتسرب اليهما معظم مياه الصرف الصحي في العراق دون معالجتها.وقال هافيستو ان الوضع ازداد سوءا بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003،حيث استخدمت ذخائر من اليورانيوم المنضب ضد العراق للمرة الثانية، وتسببت أعمال السلب والنهب بعد الحرب، واحراق ما كان يعتبر بنية أساسية ضخمة،في تسربات هائلة، وسحابات سامة.ولم تكن هناك أعمال تنظيف مناسبة، وشهدت بعض المواقع تقييما فقط. ولم يحدث سوي تغيير ضئيل جدا.لقد كان العراق مجتمعا صناعيا حديثا من عدة وجوه. والمواد الكيماوية خطرة جدا على مستقبله. وتزداد العواقب على الصحة بمرور الوقت.وأضاف أن تقييم الاضرار البيئية بعد الحرب كان مستمرا رغم التهديدات التي يتعرض لها 1000 موظف يعملون في وزارة عراقية للبيئة جرى تشكيلها كوحدة مستقلة بعد الغزو الامريكي.وستشمل الدراسات الميدانية اليورانيوم المستنفد،الذي يقدر أن الولايات المتحدة استخدمت نحو 300 طن منه في حرب الخليج عام 1991 وكمية غير معروفة خلال الغزو الاخير[].


    وحذر الخبير الدولي روبرت بسيت- مدير برنامج البيئة التابع للامم المتحدة في العراق- من المخاطر والآثار الجانبية التي تتركها الاسلحة الكيماوية مثل اليورانيوم المنضب والمواد المشعة على الصحة العامة في العراق.وقال إن هذا التلوث شكل تحديات بيئية كبيرة في العراق وأصبح يشكل مصدرا للقلق في جنوب العراق، مشيرا الى ان القوات البريطانية افرغت 1.9مليون طن من المواد المشعة في هذه المنطقة. وأضاف ان البرنامج الدولي نظم ورشة عمل بالتعاون مع وزارة البيئة العراقية حول موضوع اليورانيوم المنضب في العراق بمشاركة ممثلين من الوزارات والمؤسسات المعنية في الاردن والعراق للتعرف على تقنيات قياس اليورانيوم المنضب وسبل التعامل مع هذه المواد الخطيرة والتخلص منها[].

    ولم يعد سراً،ان تربة العراق ملوثة للغاية باليورانيوم المنضب، الذي استخدمت قوات التحالف نحو 300 طن منه في حرب الخليج عام 1991. وتشير تقارير وزارة الصحة العراقية الى ان هناك ما يتراوح من 250-300 طن من المواد الصلبة غير المعالجة تصرف في الانهار العراقية بصورة يومية، حتى صارت مياه الانهار تميل الى الخضرة والزرقة الداكنة بسبب التلوث هذا، بخلاف المصانع التي تقوم بصرف المخلفات الصناعية الناتجة عنها في مياه الأنهار وهو ما يزيد تلوثاً على تلوث[].

    وثمة ملوثات أخرى،لا يعرفها الكثيرون.فقد رفض مستودع خانقين للوقود تسلم 112 صهريجاً من البنزين الملوث تم دخولها عن طريق ايران .وذكر مصدر مسؤول في مستودع خانقين ان المستودع يتسلم اكثر من 100 صهريج يوميا سعة الواحد منها 36 الف لتر من مواد الوقود المختلفة، الا ان  الآونة الاخيرة شهدت دخول صهاريج محملة بمادة البنزين الملوث- كشفت عنها دائرة التقييس والسيطرة النوعية- واكدت احتواء الوقود على مادة سامة تظهر اثناء عملية الاحتراق مما يؤدي الى تلوث البيئة والحاق الضرر بالمواطنين وقد رفضت هذه الشحنة بعد مخاطبات رسمية مع وزارة النفط[] .

من أضرار التلوث

    من المعروف أن العلم حذر منذ سنوات عديدة من مخاطر التلوث وحددها.وما يزال العلم يكشف لنا المزيد والمزيد. فمؤخراً حذرت خبيرة بيئية دولية من تاثير ظاهرة تلوث البيئة والتعرض للمواد الكيميائية على الانسان والاصابة بالتشوهات الخلقية خصوصا بين الاطفال.وقالت سكرتير عام الاتحاد الدولي لجمعيات (المطفرات البيئية ) والخبيرة الدولية في مجال الصحة العامة الدكتورة وجيدة عبد الرحمن انور: ان التاثير الوراثي الناتج من التعرض لهذه المواد من اخطر الاضرار. واوضحت ان تلك التلوثات لا ينحصر تاثيرها على الاجيال الحالية فقط ، باحداث الاصابة بالاورام السرطانية او العقم، بل يمتد اثرها للاجيال القادمة، بما يترتب على ذلك من تشوهات خلقية او تخلف عقلي[].وقبل أشعر أفاد تقرير بريطاني ان تعرض الجنين فور الولادة، أو حتى قبلها، لغازات الاحتراق، لاسيما عوادم المحركات، مرتبط بقوة بالاصابة بسرطانات الأطفال، خاصة سرطان الدم (اللوكيميا).ويذكر الباحث ئي جي نوكس- من جامعة برمنجهام، في دورية "علم الأوبئة وصحة المجتمع " أن هذه النتائج تؤكد العلاقة الطردية بين الاطفال الذين يولدون مصابين بالسرطان وبين جوهر المواد المنبعثة على وجه الخصوص من عوادم محركات تعمل بالبترول وبالمواقع الصناعية المعروفة بنفث مثل هذه المواد[].وقبل ذلك أكدت الأبحاث والدراسات العلمية الأجنبية بأن تلوث الهواء يتسبب  في طفرات وراثية []، ويزيد من العيوب الخلقية []، وأن الأجنة في الأرحام أكثر عرضة للتضرر بسبب تلوث الهواء من الأمهات[].كما ويزيد تلوث الهواء من مخاطر الإصابة بالجلطة القلبية []، ويؤخر نمو الرئتين عند المراهقين[].ولعل أخطرها زيادة التلوث للإصابات السرطانية[]، وعلاقته المباشرة بزيادة الوفيات. وبالتالي فان من شأن التقليل من حجم التلوّث البيئي في المدن أنّ يقلّص بعدّة آلاف حجم الوفيات لدى المواطنين سنويا.أوضحت ذلك دراسة حديثة أجرتها مؤسسة أوروبية متخصصة في 26 مدينة أوروبية[].وهناك المئات من الأبحاث التي درست تلوث المياه والتربة والموارد البيئية وأضرارها، لا مجال لذكرها هنا.

    أما بالنسبة للحرب،والحرب هي رمز الدمار والخراب والقتل،فقد أفادت أحدث دراسة لمعهد "جونز هوبكنز بلومبرغ" حول أضرار حرب الخليج الصحية بأن الحرب ستدفع بأكثر من مليوني شخص للمعاينة الطبية، بحلول 2030م. وأشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعرضت إلى مستويات عالية من تلوث الهواء كانوا أكثر عرضة مرتين أو ثلاث مرات للمعاناة من مشاكل صحية تشمل الربو، الالتهاب الشعبي المزمن، ومشاكل أخرى في التنفس، وأمراض القلب، مقارنة بالقاطنين في مناطق أخرى بعيدة عن التلوث الهوائي الناتج عن حرب الخليج. ليس هذا فحسب، بل توقعت الدراسة حدوث نحو 1400 وفاة مبكرة نتيجة أضرار الحرب الصحية. وتشير دراسات أخرى إلى أن حرب الخليج التي حدثت عام 1991م والتي أاستخدمت فيها اسلحة معتمدة في تصنيعها على اليورانيوم تسببت في تعرض مساحات كبيرة من الأراضي لمواد مشبعة بمواد اليورانيوم والزرنيخ والزئبق والكاديوم، مسببة بذلك إلى إصابة أكثر من 20 ألف شخص بأمراض السرطان، ولايزال هناك اعتقاد بأن بعض الأراضي لاتزال مشبعة ببعض تلك المواد المضرة التي تؤدي إلى السرطان وأمراض الجلد، حسب مايرى البروفسور الالماني (ازاد خانقاه) من جامعة (هانوفا) الالمانية[]. 

    وكل هذه الأضرار نجدها شاخصة في العراق في ظل التلوث البيئي الخطير متعدد الملوثات البيئة.

                                            إنتشار مخيف لأمراض السرطان

    من نتائج التلوث الخطيرة إنتشار أمراض خطيرة وحالات مرضية غريبة عديدة في المجتمع العراقي .واليوم ثمة أكثر من 150 ألف عراقي مصاب بالسرطان، وقد سجل العام 2004 ما بين 10- 14 ألف إصابة سرطانية جديدة. ويتوقع الخبراء أن تبلغ الإصابات السرطانية مستقبلاً  نحو 25 ألف إصابة كل سنة[].والرقم ليس مبالغاً فيه إذا علمنا بأن عدد الاصابات السرطانية التي تم رصدها من قبل المؤسسات الصحية العراقية المتخصصة وصل الى 100 مصاب يوميا[] ويراجع 80 مواطناً يومياً المستشفى التعليمي لأمراض الجهاز الهضمي والكبد وحده- بحسب إفادة مديره العام الدكتور جاسم محسن.وقد راجعه لغاية تموز / يوليو 2005 أكثر من 17 ألف مراجعاً،أغلبهم يعاني من أمراض سرطانية، في حين إستصرخ مدير دائرة الصحة الدولية الدكتور رمزي رسول منصور الضمير العالمي للمساعدة في انقاذ اكثر من 6 اًلاف مواطن مصاب بأمراض مستعصية لا تتوفر لهم العلاجات المناسبة في العراق، بينما ذهبت وعود المنظمات الانسانية التي قطعتها للمرضى ادراج الرياح [].

   لقد أثبت العالم الكندي هاري شارما من جامعة والترو وجود اليورانيوم المنضب في اجسام الافراد المتعرضين.وأثبت ذلك العالم الأمريكي أساف ديوراكوفيتش ( من أصل كرواتي)،لدى الجنودالمتعرضين، من الأحياء والأموات، وقد  أكدت نتائجه عدة مختبرات علمية متخصصة مرموقة في دول أوربية.

    وتعد مناطق جنوب العراق من المناطق الأكثر تأثراً باليورانيوم، وقد أثبت بحث علمي لثلاثة باحثين من منظمة الطاقة الذرية العراقية المنحلة، من خلال 11 عينة مختارة لمناطق في البصرة،منها سفوان، والمنطقة المنزوعة السلاح، مستخدماً الطريقة الرياضية المتبعة في الهيئة الدولية للتحري عن اليورانيوم المنضب، الى ان 7 نماذج ملوثة بشكل واضح باليورانيوم المنضب، والاخرى بنسب متفاوته، بحسب قربها من الدروع المدمرة[].

    وأثبت بحث علمي لثلاثة باحثين من منظمة الطاقة الذرية العراقية المنحلة، من خلال 11 عينة مختارة لمناطق في البصرة،منها سفوان، والمنطقة المنزوعة السلاح،مستخدماً الطريقة الرياضية المتبعة في الهيئة الدولية للتحري عن اليورانيوم المنضب، الى ان 7 نماذج ملوثة بشكل واضح باليورانيوم المنضب، والاخرى بنسب متفاوته، بحسب قربها من الدروع المدمرة[].

 وتشير الدلائل الى انتشار حالات السرطان باعداد هائلة مقارنة بنصف القرن السابق، وتغيير مجرى توزيع هذا المرض جغرافيا في العراق- بحسب الباحث خالد ناجي، مقارنة بما قام به عام 1956. أما الوباء الثاني فهو التشوهات الخلقية التي أخذت تنتشر بأعداد كبيرة بعد ان تركوا 350 طنا من اليورانيوم المنضب.وكان فريق بحثي عراقي  نجح عام 1993 في ايجاد اول دليل على استخدام اليورانيوم المنضب في الحرب ضد العراق، وكانت مستويات الاشعاع داخل دبابة مقصوفة تبلغ 12 ضعف الحد الطبيعي. واثبت فريق آخر عام 1996 التلوث الاشعاعي الناجم من اليورانيوم المنضب في التربة والهواء والمياه وفي مناطق متفرقة وعلى مستويات عالية من سلسلة اليورانيوم ـ 238 في الانسجة النباتية والحيوانية[].

     أكد مصدر مسؤول ان سرطان الاطفال في العراق اكثر شيوعا من مثيلاته في الغرب، وتشكل 8 بالمائة من حالات السرطان كافة في العراق، مقارنة بواحد بالمائة في الدول المتقدمة، وان أكثر السرطانات شيوعاً بين الاطفال هو سرطان الدم، تليه سرطانات الجهاز اللمفاوي، والدماغ، واورام الجهاز العصبي. ويؤشر سجل السرطان زيادة في عدد ونسب حالات سرطان الدم في المحافظات الجنوبية من العراق في العام 1993، فعلى سبيل المثال شكل سرطان الدم في محافظة البصرة نسبة 9% لغاية العام 1998. اما بالنسبة لمحافظة ميسان فان نسبته بلغت 14%، وعموماً، فان نسبة حالات السرطان للدم وسط جميع حالات السرطان الاخرى، وصلت الى 6% في العراق لغاية العام 2000 [].

   وأكد أطباء من المستشفيات الموجودة في المناطق القريبة من إستخدام قذائف اليورانيوم المنضب، مثل مستشفى الأطفال في البصرة، تزايد معدل إصابات السرطان بمستويات لم يشهدوا لها مثيلاً  من قبل، فلم يشهد الأطباء من قبل معدلات لوفيات الأطفال المصابين بسرطان الدم، الذي إرتفع 10 أضعاف عن المعدل الطبيعي.ولوحظت زيادة في أمراض السرطان، مقرونة بطفرات وتشوهات وحالات شذوذ، على نحو ملموس، خاصة في المناطق التي كانت ساحة لمعارك عاصفة الصحراء – المدن الواقعة على الحدود بين العراق والكويت، التي شهد بعضها أعنف قتال في نهاية حرب الخليج في1991[].وكان الدكتور رياض العضاض- رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد، قد أعلن بأن الاحصائيات الاخيرة أثبتت وجود 12 بالمئة من سكان مدينة البصرة مصابين بامراض السرطان بسبب التلوث الاشعاعي في العراق والذي سببه استخدام اليورانيوم المنضب في الحروب وسرقة بعض المنشآت[]. 

وفي تقرير نشرته وكالة "IRIN" التابعة للامم المتحدة،تدل الارقام الصادرة من مستشفي الاطفال والولادة في البصرة في نوفمبر 2004،  بان 56 بالمئة من المصابين بامراض السرطان في العراق هم من الاطفال تحت سن الخامسة بالمقارنة مع نسبة 13 بالمئة قبل 15 سنة. ويؤكد التقرير علي وجود زيادة 20 بالمئة من الاصابات مقارنة بعام 2003، آخذين بنظر الاعتبار عدم احصاء الحالات في المستشفيات الخاصة.

وفي بابل، سجل الدكتور شريف العلوجي- إختصاصي أمراض السرطان والأورام، أكثر من 5465 حالة سرطانية منذ عام 1990 ولغاية 25/8/2005، موضحاً إرتفاع الحالات السرطانية من 82 حالة عام 1990 الى 573 حالة عام 2004، أي 7 أضعاف[].وفي الموصل، البعيدة نسبياً عن مناطق القصف أثناء الحروب، تؤكد إحصائيات مستشفى الاورام والطب النووي في محافظة نينوى بأن عدد مرضى السرطان والوفيات بهذا المرض خلال العامين الأخيرين، هي 4711 مريض عراقي، منهم 2885 ذكوراً و 1826 أنثى.اما عدد الوفيات بسبب السرطان لهذا العام فالمستشفى يؤكد بأنه زاد اضعاف ما كان عليه سابقا.وأرتفع عدد مراجعين المستشفى من الف شخص تقريباً سابقاً الى 5 الاف مراجع. الامراض السرطانية المتفشية هناك هي: سرطان الرئة والقصبات الهوائية، ويشكل 70% من امراض السرطان،سرطان الثدي لدى النساء،  وسرطان الدم، الذي أغلب ضحاياه اطفال، و35% من الاطفال مصابين بسرطان الدماغ، ويأتي بالدرجة الرابعة سرطان الغدد اللمفاوية [].وحول تأثير الاسلحة المشعة في العراق يقول الدكتور رواء الطويل- كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل- ان الحالات المرضية ازدادت في العراق بشكل كبير بعد حرب الخليج الثانية 1991 وحتى 2000 بمعدل 6 اضعاف تقريبا عما كانت عليه قبل الحرب مما يدل على التاثيرات الواضحة التي احدثتها اسلحة اليورانيوم المنضب، حيث زادت معدلات وفيات الاطفال، وحالات الاجهاض، وتضخم الغدة الدرقية، وتقشر الجلد، وعجز الكليتين، وتشوه العين، والعقم، وامراض السرطان [].


وبين تقرير سنوي لوزارة الصحة بان اسباب ارتفاع الاصابة بمرض السرطان تعود الى نسب التلوث الاشعاعي في بيئة العراق، الذي خلفته ثلاث حروب مرت بالعراق، استخدمت فيها جميع الاسلحة المحرمة دوليا، التي تشمل استخدام عنصر اليورانيوم المنضب المشع. وبين مصدر صحي مسؤول بان اكثر الحالات المكتشفة هي في المناطق الجنوبية، واغلب هذه الاصابات هي بانواع سرطان الدم، وسرطانات الجهاز اللمفاوي، والدماغ، وبقية اورام الجهاز العصبي، واورام الثدي لدى النساء، فضلا عن السرطانات التي تصيب الاطفال، والتي تشكل نسبة 8 %[].وقد إرتفع معدل التشوهات الولادية الشديدة 10 أضعاف ما كان عليه في عام 1989.وإنتشرت وسط العراقيين أمراض نقص المناعة، وتلف الكبد والكليتين، وعلل عضلية-عصبية.وقد بلغ معدل الولادات الميتة 4 أضعاف، ومعدل الإجهاض ( الإسقاطات) لدى الأمهات العراقيات نحو 5 أضعاف.


    وفي أيلول/ سبتمبر 2005،أكد خبير بيئي دولي بأن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والمشعة في العراق هو السبب في ظهور الأمراض العديدة.وقال  ان الزيادة المضطردة في نسبة امراض السرطان في العراق سببها التلوث البيئي الكبير الناتج عن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والمشعة في البلد.وأعلن رئيس قسم البيئة والصحة المهنية في جامعة ستوني بروك الاميركية الدكتور وجدي هيلو، بأن"البيئة في العراق ملوثة لدرجة كبيرة مما ادى الى ظهور العديد من امراض السرطان، والجلد، والتنفس". واوضح هيلو ان "البيئة في العراق عانت بشكل كبير خلال الاعوام الثلاثين الماضية من استخدام الاشعة والكيماويات في الحروب والصناعة والاستعمال اليومي من دون اعتبار للبيئة"[].


    وحول تداعيات التلوث المائي، أفاد الدكتور رعد داود سلمان- مدير صحة البصرة قبل نحو عام ونصف العام:"إننا نعاني منذ سنوات من وفيات الأطفال بسبب وضع المياه في البصرة الذي ‏‏يعود الى عهد النظام البعثي، وهناك مخاوف من اتساع ظاهرة الأمراض التي يسببها هذا ‏التلوث[].ومؤخراً أكد أطباء في بغداد ووزارة الأشغال العامة إصابة المواطنين بحالات مرضية عديدة بسبب الماء الملوث في مناطق بغداد. فأعلن الدّكتور حسان عدنان- طبيب أطفال في مستشفى اليرموك تسجيل عشرات الحالات المرضية الناجمة عن الماء القذر خلال 4 أيام، وكان الماء المستعمل من ماء الحنفيات داخل البيوت[].

    ويلمس القاصي والداني أنه بسبب التلوث البيئي، تعاني كافة المدن من انتشار العديد من الأمراض السارية والمعدية والأوبئة، وقد بدأت العديد من الأمراض الإنتقالية بالظهور في العراق مجدداً بعد أن إختفت لفترات طويلة، كالتايفوئيد،والكوليرا، والتدرن، والحمى السوداء، وإلتهاب الكبد الفيروسي، وغيرها.فعلى سبيل المثال بلغ عدد الإصابات بالأمراض الإنتقالية خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2004أكثر من 13 ألف و 890 إصابة[].إنخفضت خلال شهر اَب/أغسطس 2005 الى10الاف و 242اصابة مسجلة  في عموم العراق، منها:4آلآف و856 إصابة بمرض حمى التايفوئيد، وسجلت نينوى اعلى الارقام، حيث بلغت756حالة، فيما بلغت حالات الاصابة بجدري الماء1501حالة، وكانت حصة دهوك منها242حالة، فيما بلغت الاصابة بحمى مالطا1074حالة، منها186حالة في نينوى.وشهدت محافظة القادسية تسجيل32حالة اصابة بامراض التهاب الكبد الفايروسي نمط A من مجموع170حالة، فيما سجلت148اصابة بالتهاب الكبد الفايروسي نمط B،منها38اصابة في بغداد / الرصافة، و107حالة التهاب الكبد الفايروسي نمط C،منها189اصابة في بغداد/ الرصافة و936اصابة بالكبد الفايروسي السريري منها189اصابة في بغداد.وتم تسجيل130حالة بالسعال الديكي و124حالة بالحصبة و12اصابة بالحصبة الالمانية، فيما سجلت580حالة اصابة بالنكاف، و130حالة بالحمى السوداء و13حالة اصابة بحبة بغداد. وبلغتالاصابة بالتهاب السحايا الفيروسي32حالة، والجرثومي79حالة، وبالزحار الأميبي210حالة، وبالملاريا 9 حالات، وبالبلهارزيا 8  إصابات. وسجلت حالتي اصابة بمرض الكزاز، واحدة في السليمانية والاخرى في بابل، وحالتي كزاز ولادي في الديوانية والبصرة[]. 


    حيال هذا الواقع المأساوي كتبت صحيفة عراقية تقول:ان الكارثة الصحية تستدعي اطلاق صرخة قوية لكي يسمعها البعض ممن في أذنيه وقر او يعاني من الصمم لكي يتحرك من يعنيه الامر لاتخاذ سلسلة اجراءات سريعة وفاعلة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الاجساد من خلال الدعوة الى عقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل الجهات الصحية المسؤولة ويمهّد لاحقاً لمؤتمر دولي تسهم فيه كل الهيئات والمنظمات الصحية العالمية لمساعدتنا في مواجهة هذه التحديات الخطيرة.ان ما يجري خطير.. فمن يكشف لنا المستور ويقول الحقيقة كاملة بلا تزويق او خوف؟[]..

     

والخلاصة إن المؤشرات الحياتية والصحية في المجتمع ترتبط وثيق الإرتباط بالوضع البيئي ومشكلاته، وفي مقدمتها التلوث وسوء معالجته. لقد تحول التلوث البيئي في العراق الى قضية خطيرة في حياة المجتمع، تتطلب حلولاً جذرية، اَنية وعاجلة لا تقبل التأجيل. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح:متى يستجيب المسؤولون في العراق الجديد، ويعملوا جادين، لإنتشال البيئة العراقية من واقعها المأساوي الراهن وإنقاذ حياة المواطنين من براثن التلوث البيئي ؟ 

    وإلا فهم يدللون على عدم  إدراكهم لأهمية البيئة وضرورة معالجة مشكلاتها، ومن ثم المحافظة على مقوماتها!


قراءة و فتح بإستخدام /docs.google


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة