القاسم سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين
يتحدث عن تجربته في الصحافة
عرض أ. د. عبد الرحمن عزي
قسم الاتصال الجماهيري
جامعة الإمارات
يعرف أ. د. أبو القاسم سعد الله بشيخ المؤرخين الجزائريين ليس لغزارة إنتاجه في التاريخ الجزائري المعاصر فحسب ولكن لرزانته وتعاليقه الهادئة "اللاذعة" تجاه الأحداث الثقافية الجارية في الجزائر و المنطقة العربية عامة. و يعتبر سعد الله شخصية ثقافية مخضرمة إذ اكتسب الثقافية العربية الإسلامية في بلدته قمار بالجنوب الجزائري و استكملها بدراسته في المشرق العربي حيث تحصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة القاهرة سنة 1959 ثم تعامل مع الثقافة الغربية إذ واصل دراسته العليا بأمريكا و تخرج بشهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة مينيسوتا سنة 1965. وللأستاذ عشرات الكتب و مئات المقالات في التاريخ والأدب وقضايا الساعة. وقد تجول مشرقا و مغربا كأستاذ بدءا من جامعة وسكنسن بأمريكا إلى جامعة آل البيت بالأردن، وهو عضو في مجمع اللغة العربية في كل من القاهرة و دمشق. وقد قبل الأستاذ الحديث عن تجربته الإعلامية فوصفها في الرحلة الآتية:
· التقيت بالأستاذ المؤرخ سعد الله فسألته عن نظرته للصحافة ففضل البدء ببعض المقدمات التاريخية فقال:
· سعد الله: خلال أكثر من قرن كانت الصحافة في البلاد العربية و الإسلامية وسيلة إلى الإصلاح و الزعامة و الدعاية ظهرت في مصر مع الحملة الفرنسية وفي اسطنبول مع تنظيمات السلطان محمود الثاني، و بعد سنة و نصف من احتلال فرنسا للجزائر صدرت (المونيتور) على يد الطاغية (دوروفيكو) لتكون لسان حال الاستعمار و التسلط[1]. و في سبتمبر 1847 أصدرت السلطات الفرنسية جريدة (المبشر) التي دامت قرنا كاملا[2]. و كانت (المبشر) هي لسان حال الإدارة، توجه سياستها و تنشر دعايتها تؤثر بها على الجزائريين عن طرق أعيانهم من قياد و قضاة و غيرهم. وقد حاربت هذه الإدارة حرية الصحافة إذا كانت هذه الحرية ستؤدي إلى وعي الجزائريين، فقد أوقفت الإدارة جريدة المنتخب سنة 1883 رغم أنها كانت جريدة فرنسية المصدر. و عندما قررت الإدارة أن تتخذ من الصحافة وسيلة أكثر فعالية لتثبيت سلطتها أوعزت في أول هذا القرن إلى من يصدر الصحف بالعربية و الفرنسية مع تقديم الدعم المادي و المعنوي لهم. فصدرت جرائد المغرب و كوكب إفريقية و التقويم و الأخبار (النسخة العربية) وغيرها. كما تغاضت عن ظهور الصحف التي أصدرها جزائريون أمثال عمر راسم و عمر بن قدور لاحتوائهم، ذلك أنهم أخذوا ينشرون في الصحف التونسية و العثمانية و يصفون الاستبداد الفرنسي و الاضطهاد الذي تتعرض له الصحافة و حرية الرأي. ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى أصبحت الصحف معبرة عن اتجاهات مختلفة في السياسة و الإصلاح و حتى في الدين و التصوف. وكانت عند السياسيين وسيلة للزعامة و تبليغ الرسالة الوطنية و الأيديولوجية[3]. ومن أوائل المصلحين الذين تفطنوا لأهمية الصحافة في التبليغ و التأثير هو السيد جمال الدين الأفغاني. فعندما كان في مصر خلال السبعينيات (من القرن 19) جند من حوله مجموعة من الصحفيين المغتربين من بلاد الشام، مثل أديب إسحاق، لنشر أفكاره. و بعد نفيه من مصر أنشأ الأفغاني في فرنسا (العروة الوثقى) مع تلميذه محمد عبده. و ربما كانت هذه الجريدة هي الأولى من نوعها في ميدان الإصلاح السياسي و الاجتماعي. وكان المستعمرون الإنجليز يشنون ضدها حربا عونا، ومع ذلك كانت تصل عن طريق التهريب، إلى مصر و الهند و غيرهما. ورغم أنها لم تعمر طويلا فإنها استطاعت أن تضع لبنة راسخة في صرح الفكر الإصلاحي المعادي للاستعمار. وقد قدر لهذا الفكر أن يجد بغيته في مجلة المنار التي أصدرها أحد الشوام المغتربين في مصر و هو الشيخ رشيد رضا. وحملت المنار لواء الدعوة التي بلورها وصقلها الشيخ محمد عبده بعد أن راجع مسيرة شيخه و زميله الأفغاني. وكانت المنار تصل إلى الجزائر و تونس. و تأثر الشيخ عبد الحميد ابن باديس وهو طالب في الزيتونة ثم وهو يؤسس دعوته بقسنطينة. و لم تحل سنة 1924 حتى أصدر ابن باديس الشهاب التي سارت على نسق المنار تقريبا. فوجد الإصلاح في الشهاب الوسيلة المثلي للتعبير و التأثير. و إذا كانت الشهاب قد انتهت بوفاة ابن باديس، فإن الإصلاح واصل مسيرته في جريدة البصائر 1935-1939 ثم 1947-1956. ذكرنا هذه المقدمات لتعريف العلاقات التاريخية بين الصحافة و الأيديولوجيات الحديثة كالاستعمار و الوطنية و الإصلاح.
· هذه المقدمات تضع الصحافة في سياقها التاريخي خاصة، و الآن ما هي بداية علاقتكم بالصحافة؟
· سعد الله: علاقاتي بالصحافة بدأت بجريدة البصائر. كانت بلدتي قمار من أوائل البلدات الجزائرية في اعتناق الفكر الإصلاحي وفي توجيه أبنائها نحو جامع الزيتونة لطلب العلم. و كان بعض أصهارنا ومنهم خالي الحفناوي هالي و زوج خالتي الطاهر التليلي من المتخرجين
كانت صحيفة البصائر تأتي إلى دكان أحد التجار في البلدة و يتداول على قراءتها أكثر من واحد، ومنهم أنا، رغم أنني وقتها (1947) لم أكن أفهم منها إلا معاني غامضة، وكان صاحب المتجر يحثني على قراءتها بل وعلى أخذها معي و إعادتها بعد القراءة.
من الزيتونة ومن أعضاء جمعية العلماء و من قراء البصائر.و كانت هذه الجريدة تأتي إلى دكان أحد التجار في البلدة و يتداول على قراءتها أكثر من واحد، ومنهم أنا، رغم أنني وقتها (1947) لم أكن أفهم منها إلا معاني غامضة، وكان صاحب المتجر يحثني على قراءتها بل وعلى أخذها معي و إعادتها بعد القراءة. ثم تقدمت في طلب العلم في الزيتونة و اشترك لي والدي في البصائر فأصبحت تأتيني شخصيا بانتظام، وكلما غيرت عنواني في تونس أو الجزائر كانت تتبعني أيضا. ثم حان وقت الكتابة فيها.
· وكيف كان محاولاتكم الأولى في الممارسة الصحفية ؟
· سعد الله: كانت تجاربي الأولى في الكتابة في الصحف التونسية، ومنها النهضة و الزهرة و الأسبوع و بعض المجلات مثل الندوة و المعارف. فقد كنت أراسل هذه بقطع شعرية و قصص و مقالات و تعاليق، و لكنها كانت لا تنشرها أو لا تنشر منها إلا جزءا صغيرا تختاره ربما تشجيعا لي أو ملئا لفراغ فيها، على أن بعضها نشر لي قصيدة كاملة، مثل الأسبوع. و لم أكن أذهب إلى هذه الصحف لأربط علاقات و أعرف شروط النشر و أطلع على سير المطبعة و التحرير، ونحو ذلك، و إنما كنت أكتفي بالمراسلة. و لم أكن احتفظ بنسخة مما أرسله في الفترة الأولى من حياتي. و لا شك أن بعض مراسلاتي كانت لا تصل إلى أصحاب تلك الصحف. و يكاد نفس الشيء يصدق على علاقتي مع البصائر أيضا. فقد كنت أراسلها من تونس، وكانت مسؤوليتي كممثل لبعثة جمعية العلماء في تونس تجعل الجريدة تهتم بمراسلاتي لأنني لا أبعث إليها نشاطي الخاص من شعر و قصة و مقالة فقط، و إنما كنت أبعث إليها أيضا نشاط البعثة كالمحاضرات و الزيارات و أسماء الناجحين من الطلبة الجزائريين و المسابقات، فكانت البصائر تنشر مراسلاتي تارة بحذافيرها، و تارة كانت تتصرف فيها بما تراه ضروريا.
كانت تجاربي الأولى في الكتابة في الصحف التونسية، ومنها النهضة و الزهرة و الأسبوع وبعض المجلات مثل الندوة و المعارف. فقد كنت أراسل هذه بقطع شعرية وقصص ومقالات و تعاليق، و لكنها لا تنشرها أو لا تنشر إلا جزءا صغيرا تختاره ربما تشجيعا لي أو ملئا لفراغ فيها.
ولكن ظهور اسمي مطبوعا في الجريدة و حديث الطلبة معي عن مراسلاتي بعد ظهورها قد شجعني على إرسال المقالات و القصائد و غيرها إلى البصائر، فكانت تهملها في أغلب الأحيان. و لكن ذلك لم يفت في عضدي. بل كان يحفزني على المزيد من المراسلات و تحسين أسلوبي و تعميق قراءتي. و كنت أعرف أن نوع كتابتي لا يتماشى تماما مع مواضيع الجريدة و اهتمامات قرائها، فقد كنت غير تقليدي فيما أكتب، بل كنت متأثرا بمدرسة المهجر و المدارس الشعرية و الأدبية الحديثة في المشرق، بينما كانت تغلب على كتاب البصائر عندئذ الثقافة و الأساليب التقليدية. و لا أريد أن أقول الآن أن السبب وراء إهمال إنتاجي هو الحداثة وحدها، بل إنني أعرف أن ثقافتي لم تكن ناضجة، و أن في أسلوبي الكثير من الأخطاء التي كان "الغرور" و الاعتداد بالنفس يغطيانها. اكتشفت "حيلة" أدخل بها إلى النشر في البصائر، جربتها مرة، وحين نجحت استعملتها مرات أخري إلى أن أصبحت معروفا عند هيئة التحرير. وهذه الحيلة الساذجة هي "إهداء"مقالاتي أو قصصي إلى عضو من أعضاء هيئة التحرير. فإذا بإنتاجي قد أخذ في الظهور في الجريدة. ومن ذلك قصتي (السعفة الخضراء) و مقالاتي عن ابن الرومي و بعض القصائد. كان ذلك أثناء وجودي طالبا في المرحلة الثانوية بجامع الزيتونة.[4]و بعد تخرجي من الزيتونة حصلت على وظيفة معلم بالعاصمة الجزائرية. و بذلك وجدت نفسي قريبا من مقر الجريدة. فكنت أزور هيئة التحرير في مقر الجريدة في باب الواد و أحمل إليهم إنتاجي. و فيهم الشيخان المذكوران و الشيخ باعزيز بن عمر. وكان اختلاف السن و المسؤولية يجعلني أظهر متطفلا بينهم، و مع ذلك كانوا يجاملونني و يعطفون على إنتاجي، و كنت أجد فيهم الآباء الروحيين، وقد عوضوني عن الغربة الرهيبة التي وجدت فيها نفسي بعد أن حللت بالعاصمة التي كان يسودها الفرنسيون. فقد كانت العاصمة في عيني أجنبية في لغتها و سلوكها الاجتماعي و الاقتصادي و لا أجد العزاء إلا في مطبعة البصائر و المتجر الذي يبيعها في شارع لالير (بوزرينة حاليا) و بيت خالي، و المدرسة التي كنت أعلم فيها.
· هذه طبعا تجربتكم الصحفية الأولى في تونس و الجزائر، وماذا عن تأثير رحلتكم العلمية إلى القاهرة في الكتابة الصحفية دائما؟
سعد الله: حين عزمت على التوجه إلى القاهرة للدراسة طلب مني الشيخ أحمد توفيق المدني ألا أنسى حق البصائر علي، و أودعني رسائل إلى الشيخ الإبراهيمي رئيس تحرير الجريدة. و طلب مني الشيخ العربي التبسي أن أزوره يوم السفر فأوصاني وصية الأب العطوف و أعطاني عشرة آلاف فرنك لأبدأ بها حياتي في الأزهر الشريف (كان
أذكر أن إحدى مراسلاتي الأولى قد جلبت علي نقمة الشيخ الإبراهيمي لأنني ذكرت فيها اسم أم كلثوم، فاستدعاني الشيخ رحمه الله وقال لي: كيف تسمح لنفسك يا سعد السعود (هكذا كان يسميني) "بذكر المرأة في جريدة تحمل اسمي و اسم جمعية العلماء"
يعتقد رحمه الله أنني سألتحق بالأزهر كما فعل هو). أما خالي الحفناوي هالي فقد طلب مني أن أرسل إليه (دبلوم الصحافة) الذي حصل عليه بالمراسلة من مؤسسة الصحافة المصرية بالقاهرة ، و أعطاني عنوانها. و لم يمض على وجودي في القاهرة سوى بضعة أسابيع حتى أخذت أراسل البصائر عن نشاط الشيخ الإبراهيمي و الحياة الثقافية المصرية و أخبار الجزائر في الصحف. ولم أكن أقدر عندئذ أن البريد مراقب من السلطات الفرنسية، فكنت أكتب بخط يدي بطريقة عشوائية وعلى ورق أزرق شفاف، وكنت كأمثالي من الطلبة لم أتعلم كيف أرتب الأفكار ولا كيف أبرز العناصر و لا كيف أختم المكتوب. بل كنت أملأ الورقة طولا و عرضا بدون ترك بياض في أي جهة منها. ومن الأكيد أن بعض مراسلاتي قد ضاع أو احتجزته السلطات الفرنسية، ولكن بعضها قد وصل و نشر مع ذلك. و أذكر أن إحدى مراسلاتي الأولى قد جلبت علي نقمة الشيخ الإبراهيمي لأنني ذكرت فيها اسم أم كلثوم، فاستدعاني الشيخ رحمه الله وقال لي: كيف تسمح لنفسك يا سعد السعود (هكذا كان يسميني) "بذكر المرأة في جريدة تحمل اسمي و اسم جمعية العلماء." كما أن إحدى المراسلات جلبت على نقمة الطلبة المعارضين للشيخ الإبراهيمي لأنني أشدت بدور الشيخ في خدمة الجزائر. و تحدثت في إحدى مراسلاتي عن الوجودية فإذا بمقالة تظهر في البصائر وهي بقلم الشيخ عمر شكيري، تندد بما كتبت و تذكرني بما كان يحدث في الجزائر، و ما عرفه الأدب العربي من وجودية قبل جان بول سارتر و سيمون دي بوفوارا! ولكن ذلك لم يؤثر في تعلقي بالصحافة و غرامي بالكتابة، فكنت أحضر الندوات العلمية و الثقافية في الجامعات وفي مجمع اللغة العربية و أزور مقرات الصحف. وأكتب (رسالة القاهرة) للبصائر. وحمل إلى البريد ذات يوم في أوائل 1956 رسالة من الشيخ أحمد توفيق المدني تخبرني أن هيئة التحرير قد استقر رأيها على تخصيص خمسة جنيهات شهريا لي لمساعدتي على المراسلة و التغلب على صعوبة العيش. ولكن الأسابيع قد مرت دون أن يصل شيء من ذلك، بل أن الذي وصل هو خبر توقيف الجريدة نفسها في مارس من نفس العام. وقد سجلت في (مؤسسة الصحافة المصرية) وأخذت أتلقى منها دوريا "دروسا" في الصحافة وهي دروس مطبوعة و أنيقة. و أخذت أكتشف عالم الصحافة علميا و فنيا، ذلك أن صلتي بالصحافة إلى ذلك الحين كانت هي الهواية فقط، و كانت الصحافة بالنسبة لي طريقا للشهرة الأدبية و تبليغ الأفكار. أما الدروس التي ذكرتها فقد جعلتني أعرف أسرار الصحافة و متاعبها وفنياتها و أقسامها فأصبحت أعرف أن هناك صحافة الخبر و صحافة الرأي. و أن هناك طرقا صعبة لجمع المعلومات و صياغتها و تقديمها للقاريء في أسلوب مؤثر، وعلاقة الصحفي بالتحرير و السلطة و الجمهور. ثم حصلت على دبلوم الصحافة بالمراسلة، ولكن لم أحس في يوم من الأيام أنني صحفي محترف. إنما الصحافة عندي مجال للنشر و طرح الأفكار و دخول العالم بالكلام المكتوب، و ربما طبيعة الخجل في هي التي
سجلت في مؤسسة الصحافة المصرية وأخذت أتلقى "دروسا" في الصحافة وهي دروس مطبوعة و أنيقة. و أخذت أكتشف عالم الصحافة علميا و فنيا، ذلك أن صلتي بالصحافة إلى ذلك الحين كانت هي الهواية فقط، و كانت الصحافة بالنسبة لي طريقا للشهرة الأدبية و تبليغ الأفكار. أما الدروس التي ذكرتها فقد جعلتني أعرف أسرار الصحافة و متاعبها وفنياتها و أقسامها فأصبحت أعرف أن هناك صحافة الخبر و صحافة الرأي. و أن هناك طرقا صعبة لجمع المعلومات و صياغتها و تقديمها للقاريء في أسلوب مؤثر، وعلاقة الصحفي بالتحرير و السلطة و الجمهور.
جعلتني أفضل التعبير بالقلم عن التعبير باللسان. وحين توقفت البصائر، كتبت في مجلة مصرية تسمى (العالم العربي) لصاحبها أسعد حسني، وكانت تصدر في القاهرة. وكانت تهتم بالمغرب العربي. فرضيت أن أحرر فيها بابا بعنوان (المغرب العربي في المرآة) ولكني بعد بضعة أشهر انقطعت عتها، لأن التحرير فبها كان يتدخل لتوجيه ما أكتب، لذلك فضلت الانسحاب، كما أن المجلة لم تدفع لي أي مقابل مادي. و لكن تجربتي فيها كانت مفيدة، فقد كنت أزور مقرها بشارع الجمهورية، و اطلع على أساليب الكتابة عند المصريين، كما كنت أخالط بعض الصحفيين الآخرين من خلالها. و رغم تفرغي للتعلم في الجامعة، فإنني قد واصلت نشاطي الصحفي في اتجاهين الأول الكتابة في المجلات العربية في موضوعات و بحوث عن الجزائر للتعريف بأدبها و رجالها ومنها مجلة الآداب اللبنانية. كما نشرت بحثا في مجلة الرسالة العراقية. وفي هذا الصدد نشرت أيضا قصائد و قطعا شعرية في الرسالة الجديدة المصرية، و غيرها. أما الاتجاه الثاني الذي كرست له جهدي فهو خدمة القضية الجزائرية في اتجاه الطلبة بالقاهرة. فقد كنت عضوا في فرع الاتحاد مكلفا بالنشاط الثقافي، ومن ضمنه النشاط الإعلامي، فكنت و الصديق محي الدين عميمور نشرف على جريدة حائطية بمقر الاتحاد. وكنا نجمع لها الأخبار و الصور و التعاليق و الافتتاحية. و يتضمن نشاطي أيضا تنظيم الندوات و المحاضرات في النادي و إحياء المناسبات و الذكريات.
· هل سفركم إلى أميركا أبعدكم بعض الشيء عن هذا الجو الصحفي و الثقافي في الجزائر و المشرق العربي؟
· سعد الله: غادرت القاهرة إلى أمريكا سنة 1960 وفيها انقطعت عن الصحافة العربية. ولم يبق لي سوى النشاط الإعلامي لدعم القضية الجزائرية في الحي الجامعي. و قد تعرفت على أخ مغربي كان يدرس الصحافة في جامعة منيسوتا وعن طريقه تعرفت على مجالات أخرى في عالم الصحافة، سيما التصوير و تحليل الأخبار و إبراز الأحداث. وتعاونا مع على التعريف بالقضية الجزائرية بتنظيم الندوات و "استعمال الإعلان" الذي هم شيء أساسي في المجتمع الأمريكي. وبعد تخرجي أرسلت إلى صحيفة (المجاهد) الأسبوعي و مجلة المعرفة بعض المقالات و الدراسات. ثم حللت بالجزائر سنة 1967 و تعينت للتدريس بالجامعة في اختصاصي. ولكن علاقتي بالصحافة، بمفهومها البدائي عندي، لم تنقطع. فقد واصلت الكتابة في المجلات و الصحف المتوفرة، وقد كانت قليلة، و توليت تدريس بعض المواد في المدرسة الوطنية للصحافة بضع سنوات. ولقد تخرج على يدي جمع من الطلبة أصبحوا رؤساء تحرير و مراسلين.
· معروف أن الصحافة "مهنة المتاعب"، هل صادفت تجربتكم بعض هذه المتاعب؟
· سعد الله: لم تخل ممارستي للكتابة الصحفية من متاعب. فقد كانت بعض المقالات و الكلمات تزعج البعض. وكان البعض الآخر يؤولون لهم الأقوال و النوايا. و أذكر أن عبارة حذفت من إحدى مقالاتي إرضاء للحبشة لأنني ذكرت فيها اسم اريتريا. وأن الجزء الثاني من مقالة لي قد أوقفت عن الصدور لأن إحدى السفارات تدخلت لدي رئيس التحرير. و لو ذكرت النماذج التي كانت منها كتاباتي لطال الكلام. و لكن أقول أنني دائما أقف مع حرية التعبير و حرية الرأي إلا في ثلاث مقدسات عندي وهي الوحدة الوطنية و الإسلام و اللغة العربية.
[1] صدرت في يناير 1832، وكانت فيها صفحة غير منتظمة بالعربية الركيكة جدا، تكاد تكون ترجمة لما في النص الفرنسي.
[2] صدرت بالجزائر في 15 سبتمبر 1847، وكان يرأس تحريرها المستشرق دي سلان. وقد مارس فيها عدد من الجزائريين فن الصحافة. و منهم أحمد البدوي وعلي بن سحاية وعمر راسم و محمد بن مصطفى خوجة و أبو القاسم الحفناوي. و من أشهر من تولاها السيد آرنو و السيد جان ميرانت.
إرسال تعليق