السياحة البيئية وأثرها على التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية
تعتبر مصادر التراث الثقافي والطبيعي من أهم عوامل الجذب السياحي، وهو ما يعرف باسم السياحة البيئية، والتي ترتكز على مقومات ثلاثة وهي التراث سواء الثقافي أو الطبيعي والزوار والسكان المحليين، في وسط ايجابي يكفل مصلحة الجميع في علاقة تكاملية وتبادلية ومتوازنة يكون فيها كل منها أداة لخدمة الآخر.
ويعتبر قطاع السياحة أحد القطاعات الهامة، الذي يساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، وعليه كان لزاما توسيع قاعدة السياحة، لتشمل السياحة البيئية إلى جانب السياحة الدينية، ودمج المناطق الريفية ضمن هذه العملية يهدف إلى زيادة التطوير والتنمية فيها، واستثمار ما فيها من موارد تمد السياحة بعناصر جذب مميزة، وتنعكس إيجابا لصالح البيئة والسكان المحليين على الصعيد المادي الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، يؤدي إلى حدوث تنمية حقيقية على الصعيد المحلي والوطني، مع ضمان الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي، وتجنيبه الآثار السلبية التي قد تنشأ عن حالة الزيادة المفاجئة في عدد الزوار للمواقع، وقد أصبحت السياحة البيئية محل اهتمام الكثير من دول العالم لما تحققه من أرباح وفوائد جمة، وسجلت بعض الدول نجاحاْ متميزا في هذا الجانب عندما أدارت السياحة بطريقة سليمة ومدروسة.
إن هذا البحث يهدف إلى دراسة منطقة العرقوب، والمكونة من أربع قرى هي نحالين وحوسان وبتير وواد فوكين القريبة من بيت لحم والغنية بالمصادر الطبيعية والثقافية، وإبراز ما فيها من نقاط قوة تكفي لتطوير السياحة البيئية، بشرط العمل على تحديد وتقليص نقاط الضعف والتغلب عليها، مع التنويه إلى الأسس والمعايير المعتمدة في السياحة البيئية، ومتطلبات السائح البيئي، والتطرق إلى الجهات المعنية، وذكر بعض من المصادر التراثية في كل قرية، ورسم خطة متواضعة للعمل للوصول إلى تصور موضوعي عن الإمكانيات المتوفرة، وتجنبت التفصيل في المعيقات والاحتياجات، والتي من الممكن حسب قناعتي التغلب عليها، إذا توفرت النوايا والإرادة والتصميم والتمويل، واقترحت فكرة مسار سياحي لا يكلف الكثير ويمكن العمل عليه بشكل تدريجي تصاعدي، وهو ما سيشجع الاستثمار في هذا المجال كخطوة على طريق التنمية الشاملة.
وفي اللحظة التي تسجل هذه التجربة الرائدة نجاحا ستكون نقطة البداية لكثير من المناطق الريفية الأخرى، والتي ستستفيد من هذه التجربة وتبني على ما فيها من نقاط قوة وتعالج ما فيها من ضعف.
1. المقدمة
يعتبر قطاع السياحة من القطاعات المهمة في فلسطين, لما تملكه هذه المنطقة من تاريخ وارث إنساني متميز، وموقع جغرافي يطل على مختلف حضارات العالم القديم. كيف لا ؟ وهي أي فلسطين كما يقول عنها الدكتور معاوية إبراهيم في الموسوعة الفلسطينية: " تقتعد مفترق طرقات العالم" . أضف إلى ذلك التعدد والتنوع في المناطق المناخية والتضاريسية, مما منحها الكثير من الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية، والتي يجب العمل على إدراجها ضمن الخطط الإستراتيجية التنموية, بهدف تدعيم الاقتصاد الوطني من خلال توسيع قاعدة السياحة في بلادنا.
ارتكزت هذه السياحة في الماضي، وحتى يومنا هذا, على السياحة الدينية التي ركزت السياحة في مناطق بعينها، وعلى نوعية معينة من الزوار القادمين لزيارة الاماكن الدينية, ولم تتعدى لتأخذ أبعادا جديدة سواء من حيث الأهداف أو من حيث تعدد الأماكن السياحية او تنويع السائحين، والتي في حال إدماجها سيكون لها أثرا اقتصاديا كبيرا. فالاعتماد على أنواع جديدة من السياحة كالسياحة البيئية والثقافية, لا زال موضع تساؤل عند البعض، عدا بعض المحاولات الخجولة هنا وهناك، والتي لم تذهب بعيدا، بالرغم مما لدينا من مخزون غني بالموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية, والذي في حال انخراطه ضمن الخطط التنموية الشاملة سيساهم في تحقيق الارتقاء بمستوى الحياة الاقتصادية على الصعيد المحلي, وصولا إلى المستوى الوطني, ومرورا بالفوائد التي ستعود على التراث نفسه من خلال حمايته والحفاظ عليه. فالتنمية الشاملة كما يقول الدكتور احمد يحيى راشد، رئيس قسم العمارة بجامعة المنصورة: " ليست دعاية سياسية وفنية، وإنما فرصة لا بد ان تستثمر، وعمل مستدام يتطلب مرحلة زمنية تتوافق مع الإمكانيات المتاحة، ماديا وعمليا، لخلق فرص واقعية للاستثمار". وقد ذهب الكثيرون ومنهم السيد فاليري باتين عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للآثار والمواقع، والدكتور أكرم خوري المدير العام لمديرية الشئون البيئية بالجمهورية العربية السورية، وغيرهم إلى أهمية ربط السياحة بالتراث، وبالعامل الاقتصادي، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على التراث كمصدر للتنمية.
يتطلب الارتقاء بقطاع السياحة العمل على حماية و تطوير عناصر التراث بمختلف أشكاله الطبيعي والثقافي في مختلف المواقع، خصوصا في المناطق الريفية, التي تحتاج للدعم الاقتصادي, ودمج قطاعات تنموية جديدة كالسياحة، مما سيفتح المجال أمام موارد جديدة لها. ويمثل استيعاب المناطق الريفية ضمن خطط تطوير السياحة ازدهارا للحركة السياحية المرتكزة على البيئة والثقافة, والتي من المهم الحفاظ عليها عند وضع الخطط المستقبلية, بحيث يتم خلق توازن ما بين متطلبات السكان المحليين واحتياجات التنمية الشاملة، والحفاظ على التراث والبيئة, وعلى مبدأ المشاركة بين جميع الأطراف المعنية، ووضع الآليات التي تسمح بالتنسيق فيما بينها, للوصول إلى الأهداف التنموية الواقعية، وتجنيب البيئة الآثار السلبية المترتبة على ذلك.
غير أن المشكلة لا زالت تكمن في نظرة المجتمع المحلي وبعض صناع القرار، وقلة الوعي بقيمة التراث، والنظرة السطحية لمقومات التراث الثقافي والطبيعي على أنها جزء من المكملات والديكورات التي تقع على هامش عملية التنمية المتكاملة، وليست جزءا أصيلا من هذه العملية. ولا تأخذ الخطط الإستراتيجية هذه المسائل بالقدر الكافي, وعليه يتم إسقاط الكثير من المواقع التراثية من الحسابات, وهو ما يتسبب في تلفها وتدهورها. أضف إلى ذلك قلة الدراسات المتخصصة في هذا الجانب, والافتقار لوجود لائحة واضحة المعالم بالمواقع التراثية الطبيعية منها والثقافية, والتداخل الكبير ما بين المؤسسات المختلفة صاحبة العلاقة في التعامل مع مثل هذه القضايا.
تكتسب السياحة البيئية والثقافية في المناطق الريفية أهمية خاصة, حيث أصبح هنالك اهتمام كبير في البحث عن المناطق الريفية للخصوصية التي تتمتع بها هذه المناطق، ولإيجاد بدائل وخيارات جديدة على الصعيد المحلي والوطني. ولان هذه المناطق بدأت تشكل عاملا مؤثرا من عوامل الجذب السياحي لاعتبارات عديدة من بينها أن المناطق الريفية غنية بالمواقع التراثية والموارد الطبيعية, وهي لا زالت تحافظ على النواحي الاجتماعية والعادات والتقاليد, ولان المناطق الريفية بحاجة ماسة للتطوير في مختلف المناحي خصوصا في مجال البنية التحتية, ولان السكان المحليين الذين يعانون من الفقر والبطالة يتطلعون إلى رفع مستوى معيشتهم ، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية . ولأن الكثير من المناطق الريفية في فلسطين تعاني من عدم توسيع المخططات الهيكلية، ومن مصادرة الأراضي لأغراض الاستيطان أو لأسباب تتعلق بالجدار الفاصل، الأمر الذي حال بين السكان وبين الوصول إلى أراضيهم الزراعية . يضاف الى ذلك مشاكل التسويق، مما أدى إلى ضعف الموارد الزراعية كعنصر رئيسي من عناصر التنمية الريفية, وأصبح هذا القطاع الحيوي يعاني من مشاكل كثيرة، أدت إلى التقليص من حجم الاعتماد على هذا المورد الهام. وكان من نتائج هذا الضعف في الموارد أن هجر كثير من الشباب مناطقهم الريفية لصالح المدينة، أو السفر إلى الخارج؛ طلبا للرزق وبحثا عن مصادر كسب أسهل .
والسؤال المطروح ما هي سبل إنعاش الاقتصاد في المناطق الريفية؟ ومدى إمكانية أن تلعب السياحة دورا مساندا ومهما في هذا المجال؟ وما هو الأثر الاقتصادي الذي سيعكسه التوجه لهذا المورد؟ ومدى فاعليته؟ خصوصا على المستوى المحلي .
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تحديد الهدف، الذي يتجلى في تعزيز ارتباط الإنسان ببيئته، وصموده على أرضه، والعيش بكرامة من خلال توفير فرص العمل له ، وتحسين مستوى المعيشة لسكان الأرياف بالاعتماد على الموارد الطبيعية والثقافية المتوفرة.
يهدف الاستثمار في السياحة البيئية بمواردها المختلفة إلى أن تكون هذه الموارد نافعة ومفيدة، ويمكن استعمالها، والاستفادة منها كمردود اقتصادي، إلى جانب ما تلعبه من ادوار على صعيد الحفاظ على الهوية. إن تعزيز هذا الجانب لا يجب أن يكون على حساب إهمال الجوانب الأخرى، وفي مقدمتها الزراعة, وإنما تعزيز التنمية من خلال السير في كافة القطاعات بالتوازي، ومن بينها استثمار الموارد الثقافية والبيئية والاجتماعية بالشكل الصحيح,مما يزيدمن الإمكانات اللازمة لخدمة المجتمعات . وبالتالي, فان العوائد التي سيتم توفيرها يمكن استخدام جزء منها في عمليات الحفاظ و تطوير مكونات التراث الثقافي والطبيعي .
ومن هنا, سيتم التركيز في هذه الدراسة على السياحة البيئية كعنصر أساسي يرتبط بالمناطق الريفية, كونه شكل من أشكال السياحة المسئولة، التي تحترم البيئة والمجتمعات المحلية, ولديها القدرة على خلق فرص اقتصادية تنموية ذات قيمة حقيقية, والبناء على هذا النوع من السياحة كخيار قابل للتطبيق والنمو .
.2السياحة البيئية
تعرف السياحة البيئية وفقا للجمعية الدولية للسياحة البيئية التي تم إنشاؤها عام 1990م على أنها " السفر المسئول إلى المناطق الطبيعية الذي يؤدي إلى حفظ البيئة، وتحسين رفاه السكان المحليين." وجاء في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي، والصادر عن جامعة الدول العربية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والطبيعة "أن السياحة البيئية هي عملية تعلم وثقافة وتربية بمكونات البيئة، وبذلك فهي وسيلة لتعريف السياح بالبيئة والانخراط بها." ومن هنا يتميز السائح البيئي كما وصفه (Colvin,1991) بتركيزه على التمتع بمشاهدة النظم البيئية ومكوناتها الحية في مناطقها، وهو ما يتطلب من السائح القيام ببعض أنواع الرياضة كالمشي أو الغطس أو الصيد المنظم أو تسلق الجبال، ويتكيف بسهولة مع الخدمات البسيطة، وهو بذلك يقبل التحدي، ويتحمل المشاق والصعوبات، ويصرف النقود للوصول إلى الهدف. وتقوده هذه العملية إلى التمتع بالمزايا التاريخية والثقافية والاجتماعية والتراثية التي تميز الموقع، والانخراط مع السكان المحليين في حياتهم اليومية، متعرفا من خلال تجواله على المنتجات المحلية التي يتميز بها السكان المحليون من حرف تقليدية واكلات شعبية وعادات وتقاليد وزي شعبي وفلكلور ومواسم ومهرجانات وسكن. والسائح البيئي في كل ذلك يهدف إلى الحصول على الخبرة الشخصية الحقيقية والاجتماعية.
مما سبق يمكننا صياغة تعريف السياحة البيئية بأنها: إطار يجمع السكان المحليين والزوار والبيئة في نظام ايجابي ومتوازن يكفل المنفعة وحماية الحقوق للجميع.
وحتى تكون السياحة البيئية مستدامة فهذا يعني الاهتمام بالمواقع السياحية، وإدارة جميع المصادر، والاستغلال الأمثل لها، وتوفير الاحتياجات الاقتصادية منها والاجتماعية والجمالية والطبيعية، وضمان الحفاظ على البيئة واستمراريتها، وإشراك كافة الجهات المعنية على المستوى المحلي والمؤسسات الحكومية والأهلية، والعمل بشكل متوازي في كافة القطاعات، واخذ ذلك بعين الاعتبار في أية خطة تنموية مستقبلا. أي أنها تشمل استدامة البعد المادي و الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.
وللتعرف أكثر على السياحة البيئية لا بد من معرفة قواعد هذه السياحة، التي ذكر بعضها في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي، وفي نشرات للجمعية الدولية للسياحة البيئية، ومراجع أخرى والتي تتلخص في تقليل الآثار السلبية للسياحة على الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية في المناطق السياحية, وتخطيط السياحة بطريقة مستدامة, وبناء واحترام الوعي الثقافي والبيئي لدى الزوار, والتأكيد على أهمية الاستثمار المسئول، والتوزيع العادل للمكاسب، وتحسين أحوال السكان اقتصاديا ومعرفيا، ورفع مهاراتهم ، وتلبية احتياجاتهم، واحترام ثقافتهم، ورفع مستوى الوعي لديهم، وتشجيعهم على أداء ادوار قيادية, والعمل على مضاعفة الجهود لتحقيق اعلى مردود مادي للبلد المضيف من خلال استخدام الموارد المحلية، والإمكانات البشرية, والاعتماد على البنية التحتية المنسجمة مع البيئة, والمحافظة على الحياة الفطرية والثقافية, وأخيرا إجراء البحوث العلمية البيئية والاجتماعية للحد من الآثار السلبية .
ويؤكد الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي على أن السياحة البيئية قد أثبتت جدواها الاقتصادية، حيث تعتبر من الصناعات الأكثر نموا في العالم ، وأحد القطاعات الرئيسة للتجارة الدولية ، فهي تشكل الصناعة الرئيسة للاقتصاد الوطني لكثير من البلدان مثل كوستاريكا وكينيا ومدغشقر والسويد وغيرها, وعقدت من اجل دعمها الكثير من المؤتمرات .
شهدت هذه السياحة أكبر نمو منذ عام 1980 م، والحديث للمصدر السابق، حيث أصبحت توفر 8% من فرص العمل, بمعدل حوالي 200 مليون فرصة عمل سنويا، وستتضاعف حسب التقديرات حتى عام 2010 م.إضافة إلى أنها تزيد من الدخل القومي، وتساهم ب11% من مجموع الإنتاج المحلي, وتشكل مصدرا للعملات الصعبة, مما جعلها هدفا لتحقيق برامج التنمية، وفتح آفاق جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية، وزيادة حجم التبادل الثقافي بين الدول, و تطوير الصناعات الحرفية والتقليدية. ويضاف إلى ذلك دعم مشاريع التنمية التحتية من مواصلات ومياه واتصالات، ومشاريع التنمية الفوقية من فنادق ومطاعم وغيرها. والمتتبع للسياحة البيئية يجد أنها حققت نجاحا ملموسا في كثير من البلدان، ومن بينها يمكننا ذكر التجربة الأردنية في محمية ضانا. ويكفي ان نعرف بأن السياحة تساهم في ايرادات المملكة الأردنية الهاشمية عام 1999م بنسبة 43% إلى إجمالي الإيرادات من الصادرات, وأيضا التجربة المصرية في واحة سيوة السياحية, والتجربة اللبنانية في محمية أرز الشوف، والتجربة المكسيكية في حماية قبائل المايان.
هذا النجاح الذي تحقق في دول كثيرة دفع بالعديد من الدول للاهتمام المتزايد بالسياحة، فقد دعت كثير من الدول إلى توسيع القاعدة الاقتصادية، لتشمل مجالات واعدة مثل السياحة في إطار التنمية المستدامة، مع التركيز على الحفاظ على البيئة, والتركيز أيضا على الموارد الاجتماعية والبشرية، ومن ضمنها الثقافة والتراث ضمن خطط التطوير، واعتبارهما مرتكزين محوريين ومتكاملين من مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
على صعيد فلسطين فقد بدأ الحديث عن أهمية إدماج هذا القطاع في خطط السياحة مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي من خلال عدد من الخطوات. ففي عام 1999م, تم المباشرة من قبل مشروع بيت لحم 2000 بمشروع سياحي بيئي بعنوان طريق الميلاد. وفي عام 2005م, وبمشاركة من مركز حفظ التراث الثقافي بمدينة بيت لحم وجامعة بيت لحم وجامعة لندن وجامعة يوونسو الفنلندية, تم العمل على برنامج تيمبوس لتأسيس درجة الماجستير في السياحة في جامعة بيت لحم، مما فتح الباب للنقاش حول التحديات التي تواجهها السياحة في فلسطين المعتمدة على السياحة الدينية منذ فترة طويلة. كما قامت بعض المبادرات الفردية إلا أنها لم تعمر طويلا، كونها لم تخضع للمعايير السليمة في التخطيط. وتم عمل بعض الورش حول السياحة البيئية بدعم من اليونسكو، ومشاركة من مركز حفظ التراث، ومعهد إدارة الفنادق والسياحة بجامعة بيت لحم، وتم فيها مناقشة آفاق السياحة البيئية في فلسطين، وبحضور ممثلين عن وزارة السياحة. يضاف إلى ذلك, العمل على بعض المشاريع الرائدة في هذا المجال مثل مشروع دلتا من خلال مركز حفظ التراث الثقافي ببيت لحم، وبشراكة مع دول أوروبية ومتوسطية، ويهدف المشروع إلى رفع درجة الوعي بوجود تراث ثقافي إقليمي، والى تمتين شبكات العمل الإقليمية من خلال تعزيز المسارات السياحية والطبيعية والمهرجانات. وقامت خطة عمل هذا المشروع على الدراسات المسحية للمصادر الطبيعية والثقافية والاجتماعية في منطقة الاختبار، وتحليل البيانات التي تم جمعها.
وفي معرض الحديث عن السياحة البيئية، فلا بد من التأكيد على أن هذا النوع من السياحة لا يتعلق بالسائح الأجنبي فقط، بل يشمل أيضا السائح المحلي، وهو ما يجب التركيز عليه ضمن الخطط الموضوعة لتسويق هذا النشاط مما يجعله أكثر جدوى من حيث الاقتصاد، واقل أعباء، ويحقق الكثير من الأهداف مثل نشر المعرفة والثقافة السياحية لدى الأفراد, وتعميق المعرفة بأهمية السياحة، وآثارها الايجابية على مجمل نواحي الحياة, والتركيز على ضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية والأثرية والحضارية كثروة قومية, وتعريف المواطن بمعالم بلده, وتنشيط حركة السياحة الداخلية من خلال توفيرها بأسعار معتدلة.
غير أن السياحة البيئية بقدر ما فيها من ايجابيات وفوائد، فانه لا يمكن إغفال الآثار السلبية التي قد تنشأ نتيجة التخطيط غير السليم, الأمر الذي يعرض البيئة والتراث إلى أخطار كبيرة, خصوصا فيما يتعلق بالتلوث البيئي، واستعمال الأراضي غير الصحيح, والتغير المفاجئ الذي يطرأ على المجتمع المحلي, وهذا كله بسبب الزيادة غير المنتظمة في أعداد السكان, الناتجة عن تدفق المزيد من أعداد السياح، وطبيعة الخدمات التي يحتاجون إليها خصوصا في مجال البنية التحتية من مواصلات واتصالات ومياه واستراحات ومرافق، والفضلات الناتجة عن الاستخدامات الجديدة، والدخل غير المنتظم، والعادات المكتسبة التي ستنعكس على السكان المحليين، وعلى البيئة، وعلى الحياة البرية النباتية والحيوانية، وحركة الطيور. وهنا لا بد من التأكيد على ان التعامل مع المواقع التراثية والموارد الطبيعية كما يقول الدكتور احمد يحيى راشد "لا يقبل التجربة والخطأ لأن فقدها قد يعني عدم استرجاعها مرة اخرى ".
وهذا ما يؤكد على اهمية التخطيط السليم للسياحة البيئية المستدامة كما جاء في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي والذي يحتاج إلى إدارة سليمة وواعية تشمل مختلف الجوانب بدءا من إدارة الزوار، وذلك من خلال توفير مراكز دخول للزوار في المواقع السياحية لتزويدهم بالمعلومات الإرشادية، ووجود أنظمة وقوانين للسيطرة على أعدادهم, وتوفر إدارة سليمة للموارد الطبيعية والبشرية وحمايتها, وإعداد برامج التوعية والتثقيف البيئي من خلال توعية السكان المحليين ومشاركتهم, و توفير مشاريع لهم مدرة للدخل مثل الصناعات الحرفية والزراعة العضوية, وتضافر الجهود بين الجهات المعنية بالسياحة البيئية.
إضافة إلى إدارة الزوار, هناك إدارة المصادر والمقصود هنا المصادر الطبيعية والمصادر الثقافية والمصادر البشرية, وكذلك إدارة الآثار السلبية التي قد تنشا نتيجة هذه العملية, بحيث تكون هناك عملية مراقبة في جميع المراحل لضمان سير الخطة على النحو المطلوب .
والجهات المعنية في ادارة السياحة البيئية هي: المجتمع المحلي وهو المعني بالدرجة الأولى، ولا بد من إشراكه في العملية في جميع مراحلها، والمجتمع المحلي يشمل السكان بكافة فئاتهم، والهيئات المحلية . ويضاف إلى ذلك الجهات الحكومية من الوزارات ذات العلاقة، كوزارة السياحة والآثار ووزارة البيئة ووزارة الزراعة ووزارة الثقافة ووزارة التخطيط, وكذلك الجهات غير الحكومية المهتمة بموضوع السياحة والتنمية الريفية من مؤسسات وجمعيات ونوادي ومراكز متخصصة, وأيضا وكالات السياحة والسفر ومدراء السياحة ومراكز التدريب, وكذلك المعاهد العلمية والجامعات .
3. تطوير السياحة البيئية في قرى الريف الغربي لمحافظة بيت لحم
تكتسب مدينة بيت لحم أهمية خاصة بين المدن الفلسطينية, باعتبارها من المدن السياحية الهامة في فلسطين، من حيث التراثية المتميزة عالميا، التي يحج إليها الآلاف في كل عام، ويرتادها السياح طوال العام. وبهذا تعتبر السياحة العمود الفقري لاقتصاد المدينة، حيث ارتبطت هذه الاهمية بميلاد السيد المسيح فيها ، فانتشرت فيها الفنادق السياحية، ونشطت الصناعات الحرفية خصوصا الحفر على الخشب (خشب الزيتون) والصدف والنحاس.
ويكتسب موقع بيت لحم أهمية إضافية لقربها من مدينة القدس، فهي تبعد عنها سبعة كيلو مترات إلى الجنوب منها، وتمتد أراضي محافظة بيت لحم من أراضي القرى الغربية نحالين وبتير ووادي فوكين وحوسان، والمحاذية للخط الأخضر لتصل إلى منطقة البحر الميت شرق العبيدية. وتطل المدينة على القدس التي تحدها شمالا، وتعانق الخليل عند نهاية أراضي بيت فجار جنوبا، ويمكن مشاهدة البحر المتوسط من على جبال القرى الغربية، والعيش في البرية الصحراوية في الأراضي الشرقية للمحافظة، وصولا للبحر الميت.
تتميز المدينة بمناخها المعتدل، وهي ترتفع سبعمائة متر عن سطح البحر، ويتغير المناخ والتضاريس في المحافظة بتغير الموقع إذا ما اتجهنا شرقا أو غربا، مما اكسبها صفة التنوع المطلوبة من الناحية السياحية، فالمناطق الغربية جبلية خضراء، وتكثر فيها الينابيع، في حين المناطق الشرقية مناطق صحراوية رملية، وتتصل بمنطقة الأغوار.
وقد قامت وزارة السياحة والآثار أخيرا بترشيح عدد من المعالم في المحافظة, لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي ومنها : كنيسة المهد والبلدة القديمة في بيت لحم، ومنطقة البرية الصحراوية والتي تقع في المنطقة الشرقية، وأشجار الزيتون وكروم العنب، والتي تتجلى بأبهى صورها في المنطقة الغربية للمحافظة، حيث تتعانق كروم العنب مع أشجار الزيتون.
وعلى الرغم من هذا التنوع إلا أن السياحة في بيت لحم تعتمد حتى اللحظة على السياحة الدينية من خلال الحجاج القادمين إلى كنيسة المهد والأديرة الأخرى المنتشرة في المحافظة، ولم يتم استثمار الموارد الطبيعية من تضاريس وطبيعة جميلة سواء في المناطق الشرقية أو الغربية. وبالرغم من أن بيت لحم تزخر بالمواقع الكثيرة إلا أن القرى القريبة تشكل روافد مهمة للتنوع المطلوب سياحيا فهي تزخر بالمواقع التراثية الثقافية والطبيعية والاجتماعية، ولا يمكن النظر إلى بيت لحم بشكل منفرد بدون ربطها مع البيئة المحيطة التي تتميز شرقا ببريتها الصحراوية، وغربا بطبيعتها الخضراء .
و تتناول هذه الدراسة منطقة الريف الغربي والمعروفة بالعرقوب، وهي تتألف في الحاضر من أربع قرى هي : نحالين وحوسان ووادي فوكين وبتير، وسيتم دراستها كنموذج للمناطق الريفية الفلسطينية التي تصلح لتطويرها كمناطق سياحية، فهي تحوي الكثير من المصادر الطبيعية والتاريخية والثقافية المثيرة للاهتمام، وتاريخيا كما ذكر الدباغ في بلادنا فلسطين، تعتبر من المناطق التي شهدت نشاطا كبيرا في الفترة الوسيطة الرومانية والبيزنطية، والإسلامية، ففيها الكثير من الخرب الأثرية من الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية والواقع يدلل على ذلك، وتكثر فيها المواقع الأثرية المرتبطة بصناعة الزيتون والعنب، وتدلل كثرة هذه المواقع على الفترة المزدهرة لهذه الزراعة منذ قديم الزمن، وأهميتها من الناحية الاقتصادية للسكان، وتتحقق فيها ظاهرة التنوع من حيث المصادر بين القرى، مما يؤهلها لخلق مسارات سياحية تخلق حالة من التكامل، ويتميز المجتمع المحلي فيها بقدر جيد من الوعي ويتطلع للتطوير، وهذا الأمر ينطبق على السكان والهيئات المحلية في المنطقة، خصوصا بعد أن نفذت الهيئات المحلية في السنوات الأخيرة عددا من مشاريع الترميم، وأعادت تأهيل البيوت المهجورة، وتكتسب قرى الريف الغربي المعروفة بالعرقوب خصوصية جديدة في الفترة الحالية كونها تقع بالكامل خلف جدار الفصل العنصري، وتتصل بالمحافظة من خلال نفق بالقرب من الخضر. ومن الناحية السياسية فللمنطقة ما يميزها فقد صمدت في وجه النكبة وكانت مسرحا لسلسة من المجازر، وبعضها تم تهجير سكانه عام 1948م، مثل بتير ووادي فوكين ثم عاد معظمهم مرة أخرى إلى موطنه. وشهدت المنطقة الكثير من المعارك بين الاحتلال الإسرائيلي والجيوش العربية حيث كانت من الخطوط الدفاعية الأولى، وارتبطت المنطقة خصوصا قرية بتير بمحطة القطارات العثمانية وسكة الحديد المارة عبر أراضيها، والتي كانت تصل القدس بمدينة يافا، ولا يزال القطار يمر منها حتى يومنا هذا، وقد شهدت سكة الحديد الكثير من الأحداث في بدايات القرن العشرين والمرتبطة بمقاومة الاحتلال، وتتعرض المنطقة اليوم لهجمة شرسة من الاستيطان الذي يستهدف الأرض والإنسان، وهناك عمل دءوب من قبل الاحتلال لطمس هويتها الثقافية من خلال تدمير الخرب الأثرية، وتحديد المخططات الهيكلية في هذه القرى وفي المقابل هناك مجتمع محلي يعمل من اجل الحفاظ على هذه الهوية، كما أن محدودية الأراضي الزراعية بسبب مصادرة معظمها من قبل سلطات الاحتلال أدى إلى اشتغال معظم القوة البشرية بالعمالة في المستوطنات، وهجرة العديد من الشباب من المنطقة للعمل في المدن، أو إلى خارج البلاد.
المصادر الطبيعية والثقافية في منطقة الدراسة
يمكن تطوير مصادر التراث الثقافي والطبيعي في منطقة الدراسة باتجاه السياحة البيئية، حيث يتوفر العديد منها في كل قرية من القرى، التي تشكل مع بعضها منطقة العرقوب، فمثلا تمتاز قرية بتير بوجود التضاريس المميزة، والجبال الخضراء، والكروم على شكل مصاطب، وتحافظ القرية على المشهد الريفي الذي يجمع البيوت مع الحقول، ووجود محطة قديمة للقطارات وخط سكة الحديد، وتكثر فيها الخرب الأثرية ومن أهمها خربة بتير التاريخية، والتي شهدت نهاية اليهود في العهد الروماني، وهناك الينابيع الصافية والتي لا زالت تبعث بالحياة للسكان والمزروعات، والبرك والقنوات الرومانية التي تروي المزروعات التقليدية من الخضروات كالملفوف والباذنجان البتيري، وتمتاز عمليات الري باستخدام طرق ري تقليدية تم توارثها عبر مئات السنين، وتنتشر فيها المقامات، كما تم ترميم عدد من الأحواش مثل حوش السبع أرامل في البلدة القديمة، وتتواجد فيها بعض الورش التي ترتكز على الحرف التقليدية الخاصة بالسياحة،يضاف إلى ذلك كله مجتمع محلي نشيط، وروايات محكية، بالإضافة إلى أنها تشتهر بزراعة الباذنجان البتيري، حيث يقام له في كل عام مهرجان خاص، وقد تم أخيرا إنشاء حديقة عامة ومنتجع سياحي في القرية.
وتتميز قرية حوسان بعدد كبير من عيون الماء الرائعة الجمال ، وبعضها كان مزارا للسياح في الفترات السابقة، ويزورها السكان المحليون من القرى المجاورة للتمتع بالمشاهد الطبيعية الخلابة، ومن أهم العيون عين الهوية وعين العامود، وتحوي البرك والقنوات ونظم الري التقليدية، وتستخدم الأراضي المحاذية للعيون لزراعة الخضروات خصوصا اللفت والملفوف والبقوليات، وهي أراضي خصبة للغاية، كما تم ترميم عدد من البيوت في البلدة القديمة ولا زالت القرية تحتفظ بالكثير من البيوت التقليدية.
وتتميز قرية نحالين بالمواقع الأثرية الصناعية وأهمها " البد " وهو عبارة عن منشأة صناعية لعصر الزيتون، ويعود للفترات الرومانية، وهو من المواقع الفريدة والمنحوتة بالكامل في الصخر، ويمكن إعادة تأهيله كمتحف. ويحتفظ الموقع بطرق العصر المختلفة مثل العارضة والوزن، وأيضا رحى الزيتون الدوارة، ويمثل أهمية خاصة لدى السكان حيث انه يؤرخ لأكثر من فترة زمنية من تاريخ القرية، إضافة إلى عدد كبير من معاصر العنب، وتحتفظ القرية بمشهد كروم العنب وأشجار الزيتون، والمصاطب والسلاسل الحجرية، والتضاريس المميزة، ومواسم قطف الزيتون التي يشارك فيها جميع أفراد الأسرة، كما تحوي البيوت التقليدية، حيث تم ترميم احد الاحواش فيها، وفيها عدد من الينابيع والبرك والقنوات، وطرق الري المتوارثة، والمزروعات التقليدية، وارتباط العيون بروايات شفوية كثيرة، وتشتهر بالأشجار المعمرة كأشجار البلوط والزيتون، وتحوي عدد من الخرب الأثرية والكثير من الكهوف الطبيعية، والمقامات، والآبار والقبور الرومانية والبيزنطية، والغرف التي تم حفرها في الصخر والتي يرجع بعضها للفترة الإغريقية، وقد زارها الكثيرون من المختصين وصنفوا بعضها على انه من المعالم الفريدة، وهناك النباتات والأزهار، والطيور التي تكثر في هذه المنطقة بالذات.
وتمتاز قرية وادي فوكين بمظهر طبيعي خلاب بين احضان الطبيعة الخضراء، وبالينابيع والبرك، والمزروعات من الخضراوات التي تتميز بها القرية عن سواها، وهي من القرى التي تم تهجير سكانها في عام 1948م وعادوا فيما بعد، وبها بيوت تقليدية وخرب أثرية.
تنظيم السياحة البيئية في المنطقة قيد الدراسة
بالرغم من توافر المصادر التراثية في المنطقة، والتي تشكل نقاط قوة يمكن البناء عليها في التخطيط للسياحة، غير أن السياحة بأنواعها تتطلب مجموعة من العوامل تشكل المكونات الأساسية للسياحة، فلا يكفي أن يكون هناك مصادر، وإنما يجب العمل مباشرة من اجل تطوير عوامل وعناصر جذب الزوار، من مصادر طبيعية، أو مصادر ثقافية، كالمواقع التاريخية والحضارية والأثرية والألعاب والملاهي، وأيضا تطوير المصادر المحلية من مرافق وخدمات الإيواء والضيافة، والخدمات المختلفة التي يجب أن تتوفر في المنطقة، مثل مراكز المعلومات السياحية ووكالات السياحة، وتعزيز مراكز بيع الحرف اليدوية في القرى الأخرى كما في بتير، وتوفير خدمات النقل، وخدمات البنية التحتية، وإيجاد عناصر مؤسسية تكفل خطط التسويق والترويج للسياحة وسن القوانين وتدريب الموظفين، وتطوير الموارد البشرية في إدارة التراث وقطاع الخدمات السياحية، وتنمية الحرف التقليدية، وإيجاد الآليات المناسبة للتنسيق ما بين القرى، وتحديد دور كل قرية، وتحديد المسارات السياحية والبرامج الثقافية.
ولتحقيق أهداف السياحة البيئية، والمتمثلة بفوائد تعود على كل من البيئة، من حيث المحافظة عليها، والسائح ليعود إلى موطنه وقد تحققت لديه خبرة إضافية، وللمجتمع المحلي، من خلال تنميته اقتصاديا وثقافيا، فمن المهم معرفة ما يمكن تسويقه للسائح في المنطقة من فعاليات استنادا للمقومات المتوفرة فيها، بدءا بالاستفادة من المباني التقليدية غير المستعملة والمهجورة في البلدات القديمة في كل قرية، وتوظيفها في المرحلة القادمة، من خلال إعادة استعمالها في المرافق المختلفة، مثل المطاعم والمتاحف والمعارض والمساكن وغيرها من الخدمات السياحية الضرورية، وقد أصبح الحصول على موافقة المالكين أسهل بكثير من الماضي بعد تنفيذ عدد من مشاريع الترميم في المنطقة عن طريق الهيئات المحلية، وأيضا تسويق المأكولات الطبيعية والمحلية والشعبية، وتمكين السائح من الطبخ بنفسه والتعرف إليها عن قرب، والتأكيد على استخدام محاصيل خالية من المواد الكيماوية خصوصا ما يتعلق بالخضروات والفواكه كالعنب واللوزيات المعروفة في المنطقة، وإحياء الفعاليات المتعلقة بأنواع المحاصيل التي تتميز بها مثل إقامة المهرجانات للباذنجان البتيري والعنب والزيت، وعمل المعارض الخاصة بها، والمشاركة في مواسم الحصاد وقطف الزيتون، وإحياء المناسبات الوطنية في المنطقة، والتي تتعلق بعودة أهالي بتير ووادي فوكين بعد لجوئهم، وذكرى المجزرة الشهيرة لقرية نحالين في الخمسينات من القرن الماضي، والتي على إثرها صمدت نحالين، وعززت فكرة الصمود لدى بقية القرى المجاورة، وإحياء المهرجانات الثقافية والفلكلور والدبكة الشعبية .
وحتى تكون السياحة البيئية منتظمة لا بد من التخطيط لعمل مسار سياحي بين القرى، بحيث يربطها الواحدة بالأخرى بطريقة سهلة ومفيدة للجميع، والمسار يجمع بين وسيلتي السفر عبر الحافلات والسير على الأقدام، ويتضمن محطات للتوقف لممارسة النشاطات المختلفة.
يتطلب التخطيط والتنفيذ لبرنامج فاعل في السياحة البيئية تضافر الجهود، وعمل جماعي على كافة المستويات، والبحث عن وسائل التمويل لبرامج التدريب والتوعية والمشاريع الخاصة بتطوير البنية التحتية ومشاريع الترميم، وربط التنمية في المنطقة بخطط التنمية السياحية الشاملة، وتنمية الموارد البشرية للمجتمع المحلي، ويمكن تحقيق ذلك بالتعاون والتنسيق ما بين مختلف الجهات المعنية بالمشروع بدءا من المجتمع المحلي في كل قرية من القرى المستهدفة والمجتمع المحلي يعني المجلس القروي والسكان والمدارس والمزارعين والنساء الريفيات والأطفال وأصحاب الورش الحرفية والمؤسسات الفاعلة والجمعيات والمثقفين، والجهات المشرفة صاحبة الاختصاص كوزارة السياحة والآثار، وعليها تحديد دورها في السياحة الريفية ، ومدى مشاركتها، وتوفير المدرسين والمدراء، والأدلاء السياحيين، وتسويق السياحة الريفية كجزء رئيسي من السياحة، ويضاف إلى ذلك الوزارات الأخرى كوزارة الزراعة ووزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة البيئة ووزارة الثقافة، يضاف إليها غرفة التجارة والصناعة في المحافظة والمعاهد التي تدرب في هذا المجال، والمنظمات المهتمة بالحفاظ على البيئة والمصادر الطبيعية مثل معهد أريج وجمعيه الحياة البرية ومركز تعليم البيئة ومؤسسة الرؤية العالمية وجمعية الشبان المسيحية، ووكالات السياحة والسفر، والمدراء وأدلاء السياحة، ومركز سراج للدراسات ومجموعة السياحة البديلة، والجهات الممولة والمنفذة للمشاريع .
السيناريو المقترح
مخاطبة المجتمعات المحلية من خلال إشراكها، والتفاعل معها على كافة المستويات، وتنمية المنطقة بمستوياتها المختلفة، وتلبية احتياجات السكان عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا وسياحيا وثقافيا وعلى مستوى الخدمات المقدمة والعمل على أن يكون المجتمع المحلي لاعبا رئيسا، ومنخرطا في هذه العملية مع المؤسسات الأخرى ذات العلاقة، وأهمية إشراك المجتمع المحلي تعود لأسباب تتعلق بكون السياحة في الريف قد تسبب تدهور على المجتمع المحلي، ويمكن أن تفشل إذا لم تشمل عملية التطوير اهتمامات واحتياجات السكان المحليين، وان السكان المحليين لهم الحق الأخلاقي في الانخراط في عملية التطوير لتعم الفائدة، والتحديات الكبيرة تكمن في مجال الحصول على التمويل وبناء القدرات والتعامل مع حساسية ثقافة السكان وعاداتهم.
والسكان المحليون هم أفضل من يعبرون عن احتياجاتهم وتطلعاتهم وحاجاتهم للتطوير وتحسين أوضاعهم، وعليه فمن المهم تشكيل لجان محلية في القرى موضوع الدراسة، ومهمة هذه اللجان تكمن في رفع مستوى الوعي لدى السكان المحليين، وذلك من خلال تعريفهم بأن الاستثمار في قطاع السياحة البيئية هو من اجلهم، ولرفع مستواهم المعيشي، ومن اجل خلق قاعدة اقتصادية أفضل لهم، وخلق طاقم من القيادات المحلية وتشجيعها وتدريبها، واستثارة المجتمع لترجمة أهداف التنمية لما فيه مصلحتهم، والعمل على إشراك القطاع النسائي والشبابي والمؤسسات الفاعلة على صعيد كل قرية في هذه العملية، والاعتماد على مساهماتهم، وتحفيز أفكار المجتمع المحلي من خلال الندوات والدورات واخذ الآراء من خلال العصف الذهني أو أية وسائل أخرى للاستفادة من هذه الأفكار في عمليات التنمية الشاملة، والعمل على توفير طاقم إداري وتطبيقي من المجتمع المحلي، والعمل على تعزيز السياحة المحلية من خلال إقامة المخيمات الصيفية السنوية وتوجيهها في هذا الاتجاه تحت عنوان تعرف على بلدك، وتقوم اللجنة المحلية التأسيسية بوضع نظام خاص بها وبطريقة الانتساب والعضوية والترشح فيها وتعد للانتخابات.
ينبثق عن تشكيل اللجان المحلية في القرى الأربعة لجنة مركزية منتخبة من اللجان المحلية، يضاف إليهم رؤساء الهيئات المحلية وممثل عن مديرية السياحة والآثار وممثلين عن المراكز المتخصصة الراغبة في الانضمام ودعم المشروع، ومن مهامها وضع الخطط وتسهيل المهام ومراقبة تطور السياحة الريفية، ومن مهام اللجنة المركزية دراسة المقترحات المقدمة من المجتمع المحلي، وتحديد الأولويات للبنية التحتية، ووضع خطط تنمية النشاطات الترفيهية والترويج الإعلامي ورفع درجة الوعي، ورفع المشاريع المقترحة للجهات الممولة، وتفعيل اللجان المحلية، وبناء العلاقات مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية, وعمل توأمة ما بين القرى وبلدات أخرى في العالم، وتوجيه التنمية لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، وتطوير المصادر الثقافية، ويشمل ذلك العمليات اللازمة للحفاظ، وحماية وإدارة المواقع التراثية، وجلب مشاريع الترميم، وتشجيع إقامة المهرجانات الثقافية ووضع الخطط الإعلامية، والبحث عن الروابط المشتركة مع المواقع الأخرى في المناطق المحاذية، وتشجيع مشاريع تنموية أخرى من اجل ضمان استقرار النمو الاقتصادي، ورفع مستوى معيشة السكان المحليين، ودعم السكان من خلال تقديم مقترحات لمشاريع تنموية صغيرة، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا الجانب، وتطوير الموارد البشرية من خلال بناء القدرات في مجالات الإدارة والخدمات السياحية وتنمية الحرف التقليدية، والعمل على ربط المسار السياحي المقترح في المنطقة ليكون جزءا من مسار سياحي على مستوى المحافظة، وعمل خطة إدارة متكاملة بالاعتماد على المتخصصين في هذا المجال.
المقترح للمسار السياحي يتضمن وصول الحافلات القادمة من مدينة بيت لحم عبر الجدار الفاصل، أو من مدينة القدس مباشرة إلى قرية نحالين موقع عين البلد، حيث هناك متسع لوقوف الحافلات، والتعرف على طبيعة المنطقة ومعالمها، ومشاهدة الفلاحين يزرعون أرضهم المروية من مياه الينابيع، وأنواع الخضار المزروعة، ويمكنهم التعرف إلى حجم الهجمة الاستيطانية على الأراضي من خلال المستوطنة التي لا تبعد أكثر من مائتي متر هوائي عن العين والمعروفة بمستوطنة بيتار، وتحيط بالعين أراضي غنية بأشجار الزيتون والأجاص، ومن العين يتم التوجه سيرا على الأقدام للموقع الأثري المعروف بالبد، والذي سيتم إعادة تأهيله كمتحف يعرض آليات وطرق عصر الزيت والعنب في الفترة الرومانية والبيزنطية، واستعراض تاريخ الموقع عبر السنين، ويمكن شراء التحف والهدايا التذكارية في الموقع، ومن المتحف يصعد الزائر لعمل جولة في البلدة القديمة، والتعرف على المباني التقليدية، وطرق السكن قديما، ومشاهدة بعض الآثار الرومانية والبيزنطية واليونانية مثل مغارة الحمام والمقامات والقبور الرومانية والبيزنطية، ومن ثم يعود إلى الحافلات عبر طريق يمر بمحاذاة أشجار البلوط التي يقدر عمرها بأكثر من ألفي عام، وبعد ذلك وبالحافلة يتم الصعود غالى جبل أبو تمام، حيث المنطقة غنية بكروم العنب، ومرتفعة بحيث يمكن مشاهدة مياه البحر المتوسط، وتضاريس المنطقة بشكل عام، وبعد ذلك يتم التوجه إلى قرية وادي فوكين التي تقع في قلب المستوطنات، وزيارة الأراضي الزراعية الغنية والينابيع، ومن هناك تتوجه الحافلات إلى قرية حوسان، حيث البلدة القديمة، ويتجول الزوار في البلدة القديمة، ويتوجهون إلى عين عامود القريبة من البلدة سيرا على الأقدام، وعين عامود هي عبارة عن مجموعة من الينابيع الساحرة، والتي يمكن التنقل بينها خلف الصخور العالية، وتحيط بها الأراضي الزراعية وأشجار الزيتون الروماني، وهناك موقع اثري يعرف بالحبس الروماني، وبعد الانتهاء من زيارة عين عامود يتابع الزوار سيرهم مشيا على الأقدام في طريق قديم محاط بأشجار الزيتون متجهين إلى عين الهوية التي تقع على بعد خمسمائة متر تقريبا باتجاه الوادي المؤدي إلى قرية بتير، ويمكن الدخول إلى داخل العين عبر البركة والقناة التي تؤدي إلى داخل العين وهي قناة ضيقة تمر منها المياه، ويحتاج الزائر إلى أن يزحف قليلا على بطنه ليدخل إلى العين، وتتكون العين من الداخل من غرفتين واسعتين ومرتفعتين تتدفق المياه من السقف، ويكن مشاهدة المتدليات الحجرية في السقف والجدران والأرضيات، وهناك حوض طبيعي في الغرفة الجنوبية، والمشهد يرسم صورة جميلة تستحق اللقب الذي أطلق عليها بحمام العروس، وحول العين أراضي زراعية وقنوات، وتشكل المنطقة واديا ضيقا تحيط به الجبال من جوانبه، وتعلوها أشجار البلوط والزيتون والخروب، وتستمر الرحلة مشيا في هذا المسار مع قنوات مياه عين الهوية إلى عين جامع في بتير، والتي تبعد حوالي ثمانمائة متر تقريبا عن عين الهوية، حيث تم إنشاء منتجع بتير بالقرب منها، ويرتاده الزوار من المنطقة ومن خارجها، ومن عين جامع يتابع الزوار سيرهم صعودا إلى حديقة بتير، حيث يمكنهم تناول الطعام في أحضان الطبيعة الجميلة، والحديقة مزودة بمطعم وخدمات وأماكن استراحة، وبعد تناول الطعام يقوم الزوار بجولة في الخربة الأثرية والبلدة القديمة، ويتجولون على ما فيها من معارض ومشاغل حرفية، ويلقوا نظرة على سكة الحديد، ويزوروا العين والبركة الرومانية والقنوات، ويستمتعوا بمشاهدة الأراضي والمصاطب الزراعية والغابات المحيطة، وبعد الانتهاء من الجولة تكون الحافلات في انتظارهم في الساحة فوق العين، ويمكنهم المغادرة، وفي حال قرر السائح المكوث في المنطقة لفترة أطول يمكنه المبيت في القرية التي يختارها، ويمكن الاستفادة من المباني التقليدية لهذه الغاية.
هذا المخطط يمكن الزائر من التمتع بالمشاهد الطبيعية، وملامستها بنفسه، وفيه رياضة خفيفة، ومحطات توقف للراحة، ويدمج المخطط المقترح بين الثقافة والطبيعة والتعرف على عادات السكان من خلال الجولات في البلدات القديمة، والزائر يشتري من السكان المحليين مباشرة، وهو بذلك يوفر لهم دخلا إضافيا، ويحد من البطالة حيث أن تنوع المواقع بين القرى يحتاج إلى تشغيل موظفين دائمين في كل قرية، وسيتم تشغيل الكثير من العمال المحليين العاطلين عن العمل في المشاريع التي سيتم تقديمها لهذه الغاية من مشاريع ترميم أو بنية تحتية، ويشجع المخطط المقترح على الزراعة، ويمكن للمزارعين تسويق منتجاتهم بشكل مباشر، ويشجع المجتمع المحلي على البحث عن أفكار جديدة لزيادة الجذب السياحي، ويؤمن بعض العائدات للهيئات المحلية، ويقترح المخطط مجموعة من الفعاليات التي من شأنها زيادة التدفق السياحي على المنطقة مثل إقامة المهرجانات، وعمل المخيمات الصيفية، وبناء ورشات للحرف اليدوية، واستكشاف أسرار الطبيعة، ويشجع السكان على الحفاظ على البيئة كونها تشكل مصدر رزق لهم، ويشجع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا الجانب في بناء المرافق مثل المطاعم والمنتجعات والاستراحات، وإقامة المعارض ومراكز البيع بالتنسيق مع الجهات المختصة كالهيئات المحلية، وهذا كله سيساهم في تدوير حركة الاقتصاد المحلي والوطني، ويعزز من قدرات المواطن على الصمود فوق أرضه.
الخاتمة
إن المناطق الريفية في فلسطين غنية بالمواقع التراثية، والتي لابد من استثمارها على جميع الأصعدة والمستويات، وان المناطق الريفية بعماراتها التقليدية ومواردها الطبيعية وعاداتها وتقاليدها والبيئة فيها لا يمكن إهمالها أو تجاهلها في أي مرحلة من مراحل التخطيط للسياحة أو الخطط التنموية الاقتصادية مستقبلا، لكي لا تكون المناطق الريفية عالة على الاقتصاد الوطني وإنما رافدا رئيسا من روافد الاقتصاد. وان إشراك المجتمع المحلي في هذه العملية يعتبر أولوية وقاعدة رئيسية لضمان النجاح لأية خطط مستقبلية، وان لا معنى لعمليات التخطيط التي تكون على المكاتب بعيدا أو بمعزل عن المجتمع المحلي، الذي يشكل الحاضنة الأولى لأي عمل ناجح، والمطلوب فورا أن تتعاون الجهات المسئولة كل من موقعه للبدء بعمل خطة وطنية لتشجيع السياحة البيئية.
المراجع
1 - أبو حجر،آمنة إبراهيم(2002). موسوعة المدن العربية .دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ط1
2-الدباغ، مصطفى مراد (2002). بلادنا فلسطين .ج8 دار الهدى للطباعة والنشر
3-حمدان، عمر(1996). العمارة الشعبية في فلسطين.مط حسن أبو دلو ، جمعية إنعاش الأسرة
4- ألخالدي، وليد(1997). كي لا ننسى. ط1 بيروت
5- شراب، محمد محمد حسن(1996) .معجم بلدان فلسطين .الأهلية للنشر والتوزيع ،ط2
6- الروب، نبيل(1988).نظرية السياحة(1).مؤسسة الثقافة الاجتماعية
7- توفيق، ماهر عبد العزيز(1997) .صناعة السياحة .دار زهران
8- غنيم،عثمان محمد(1999). التخطيط السياحي، ط1.دار الصفاء للنشر والتوزيع،عمان
9- روبنسون.جغرافية السياحة.تر.محبات إمام.ط1، دار المعارف،القاهرة.
10- الجلاد،احمد.مدخل إلى علم السياحة.ط1،مطبعة النهضة العربية،القاهرة.
11-الموسوعة الفلسطينية.ط1 ، دمشق،1984 .
12- موسوعة المدن الفلسطينية.ط1 ،1990 .
13- جامعة الدول العربية و برنامج الامم المتحدة/ الدليل الارشادي للسياحة المستدامة.
14-second edition. Drum, Andy and Moore, Alan,(2005)." An Introduction to Ecotourism Planning" v.1.
15-Teutonico,Jeanne and Palumbo,Gaetano(2000)."Management Planning For Archeological Sites "Greece
16- مستقبل الاقصر بين استثمار الفرص وفرص الاستثمار gournapaper.htm 9-4-1429
17- الميثاق لمغاربي حول حماية البيئة والتنمية المستديمة ، ملحق(ي/2) Wthaek/molhak. 9-4-1429 /
18- السياحة الثقافية بين حماية التراث والنمو الاقتصادي-فاليري باتين.
تعتبر مصادر التراث الثقافي والطبيعي من أهم عوامل الجذب السياحي، وهو ما يعرف باسم السياحة البيئية، والتي ترتكز على مقومات ثلاثة وهي التراث سواء الثقافي أو الطبيعي والزوار والسكان المحليين، في وسط ايجابي يكفل مصلحة الجميع في علاقة تكاملية وتبادلية ومتوازنة يكون فيها كل منها أداة لخدمة الآخر.
ويعتبر قطاع السياحة أحد القطاعات الهامة، الذي يساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، وعليه كان لزاما توسيع قاعدة السياحة، لتشمل السياحة البيئية إلى جانب السياحة الدينية، ودمج المناطق الريفية ضمن هذه العملية يهدف إلى زيادة التطوير والتنمية فيها، واستثمار ما فيها من موارد تمد السياحة بعناصر جذب مميزة، وتنعكس إيجابا لصالح البيئة والسكان المحليين على الصعيد المادي الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، يؤدي إلى حدوث تنمية حقيقية على الصعيد المحلي والوطني، مع ضمان الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي، وتجنيبه الآثار السلبية التي قد تنشأ عن حالة الزيادة المفاجئة في عدد الزوار للمواقع، وقد أصبحت السياحة البيئية محل اهتمام الكثير من دول العالم لما تحققه من أرباح وفوائد جمة، وسجلت بعض الدول نجاحاْ متميزا في هذا الجانب عندما أدارت السياحة بطريقة سليمة ومدروسة.
إن هذا البحث يهدف إلى دراسة منطقة العرقوب، والمكونة من أربع قرى هي نحالين وحوسان وبتير وواد فوكين القريبة من بيت لحم والغنية بالمصادر الطبيعية والثقافية، وإبراز ما فيها من نقاط قوة تكفي لتطوير السياحة البيئية، بشرط العمل على تحديد وتقليص نقاط الضعف والتغلب عليها، مع التنويه إلى الأسس والمعايير المعتمدة في السياحة البيئية، ومتطلبات السائح البيئي، والتطرق إلى الجهات المعنية، وذكر بعض من المصادر التراثية في كل قرية، ورسم خطة متواضعة للعمل للوصول إلى تصور موضوعي عن الإمكانيات المتوفرة، وتجنبت التفصيل في المعيقات والاحتياجات، والتي من الممكن حسب قناعتي التغلب عليها، إذا توفرت النوايا والإرادة والتصميم والتمويل، واقترحت فكرة مسار سياحي لا يكلف الكثير ويمكن العمل عليه بشكل تدريجي تصاعدي، وهو ما سيشجع الاستثمار في هذا المجال كخطوة على طريق التنمية الشاملة.
وفي اللحظة التي تسجل هذه التجربة الرائدة نجاحا ستكون نقطة البداية لكثير من المناطق الريفية الأخرى، والتي ستستفيد من هذه التجربة وتبني على ما فيها من نقاط قوة وتعالج ما فيها من ضعف.
1. المقدمة
يعتبر قطاع السياحة من القطاعات المهمة في فلسطين, لما تملكه هذه المنطقة من تاريخ وارث إنساني متميز، وموقع جغرافي يطل على مختلف حضارات العالم القديم. كيف لا ؟ وهي أي فلسطين كما يقول عنها الدكتور معاوية إبراهيم في الموسوعة الفلسطينية: " تقتعد مفترق طرقات العالم" . أضف إلى ذلك التعدد والتنوع في المناطق المناخية والتضاريسية, مما منحها الكثير من الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية، والتي يجب العمل على إدراجها ضمن الخطط الإستراتيجية التنموية, بهدف تدعيم الاقتصاد الوطني من خلال توسيع قاعدة السياحة في بلادنا.
ارتكزت هذه السياحة في الماضي، وحتى يومنا هذا, على السياحة الدينية التي ركزت السياحة في مناطق بعينها، وعلى نوعية معينة من الزوار القادمين لزيارة الاماكن الدينية, ولم تتعدى لتأخذ أبعادا جديدة سواء من حيث الأهداف أو من حيث تعدد الأماكن السياحية او تنويع السائحين، والتي في حال إدماجها سيكون لها أثرا اقتصاديا كبيرا. فالاعتماد على أنواع جديدة من السياحة كالسياحة البيئية والثقافية, لا زال موضع تساؤل عند البعض، عدا بعض المحاولات الخجولة هنا وهناك، والتي لم تذهب بعيدا، بالرغم مما لدينا من مخزون غني بالموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية, والذي في حال انخراطه ضمن الخطط التنموية الشاملة سيساهم في تحقيق الارتقاء بمستوى الحياة الاقتصادية على الصعيد المحلي, وصولا إلى المستوى الوطني, ومرورا بالفوائد التي ستعود على التراث نفسه من خلال حمايته والحفاظ عليه. فالتنمية الشاملة كما يقول الدكتور احمد يحيى راشد، رئيس قسم العمارة بجامعة المنصورة: " ليست دعاية سياسية وفنية، وإنما فرصة لا بد ان تستثمر، وعمل مستدام يتطلب مرحلة زمنية تتوافق مع الإمكانيات المتاحة، ماديا وعمليا، لخلق فرص واقعية للاستثمار". وقد ذهب الكثيرون ومنهم السيد فاليري باتين عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للآثار والمواقع، والدكتور أكرم خوري المدير العام لمديرية الشئون البيئية بالجمهورية العربية السورية، وغيرهم إلى أهمية ربط السياحة بالتراث، وبالعامل الاقتصادي، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على التراث كمصدر للتنمية.
يتطلب الارتقاء بقطاع السياحة العمل على حماية و تطوير عناصر التراث بمختلف أشكاله الطبيعي والثقافي في مختلف المواقع، خصوصا في المناطق الريفية, التي تحتاج للدعم الاقتصادي, ودمج قطاعات تنموية جديدة كالسياحة، مما سيفتح المجال أمام موارد جديدة لها. ويمثل استيعاب المناطق الريفية ضمن خطط تطوير السياحة ازدهارا للحركة السياحية المرتكزة على البيئة والثقافة, والتي من المهم الحفاظ عليها عند وضع الخطط المستقبلية, بحيث يتم خلق توازن ما بين متطلبات السكان المحليين واحتياجات التنمية الشاملة، والحفاظ على التراث والبيئة, وعلى مبدأ المشاركة بين جميع الأطراف المعنية، ووضع الآليات التي تسمح بالتنسيق فيما بينها, للوصول إلى الأهداف التنموية الواقعية، وتجنيب البيئة الآثار السلبية المترتبة على ذلك.
غير أن المشكلة لا زالت تكمن في نظرة المجتمع المحلي وبعض صناع القرار، وقلة الوعي بقيمة التراث، والنظرة السطحية لمقومات التراث الثقافي والطبيعي على أنها جزء من المكملات والديكورات التي تقع على هامش عملية التنمية المتكاملة، وليست جزءا أصيلا من هذه العملية. ولا تأخذ الخطط الإستراتيجية هذه المسائل بالقدر الكافي, وعليه يتم إسقاط الكثير من المواقع التراثية من الحسابات, وهو ما يتسبب في تلفها وتدهورها. أضف إلى ذلك قلة الدراسات المتخصصة في هذا الجانب, والافتقار لوجود لائحة واضحة المعالم بالمواقع التراثية الطبيعية منها والثقافية, والتداخل الكبير ما بين المؤسسات المختلفة صاحبة العلاقة في التعامل مع مثل هذه القضايا.
تكتسب السياحة البيئية والثقافية في المناطق الريفية أهمية خاصة, حيث أصبح هنالك اهتمام كبير في البحث عن المناطق الريفية للخصوصية التي تتمتع بها هذه المناطق، ولإيجاد بدائل وخيارات جديدة على الصعيد المحلي والوطني. ولان هذه المناطق بدأت تشكل عاملا مؤثرا من عوامل الجذب السياحي لاعتبارات عديدة من بينها أن المناطق الريفية غنية بالمواقع التراثية والموارد الطبيعية, وهي لا زالت تحافظ على النواحي الاجتماعية والعادات والتقاليد, ولان المناطق الريفية بحاجة ماسة للتطوير في مختلف المناحي خصوصا في مجال البنية التحتية, ولان السكان المحليين الذين يعانون من الفقر والبطالة يتطلعون إلى رفع مستوى معيشتهم ، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية . ولأن الكثير من المناطق الريفية في فلسطين تعاني من عدم توسيع المخططات الهيكلية، ومن مصادرة الأراضي لأغراض الاستيطان أو لأسباب تتعلق بالجدار الفاصل، الأمر الذي حال بين السكان وبين الوصول إلى أراضيهم الزراعية . يضاف الى ذلك مشاكل التسويق، مما أدى إلى ضعف الموارد الزراعية كعنصر رئيسي من عناصر التنمية الريفية, وأصبح هذا القطاع الحيوي يعاني من مشاكل كثيرة، أدت إلى التقليص من حجم الاعتماد على هذا المورد الهام. وكان من نتائج هذا الضعف في الموارد أن هجر كثير من الشباب مناطقهم الريفية لصالح المدينة، أو السفر إلى الخارج؛ طلبا للرزق وبحثا عن مصادر كسب أسهل .
والسؤال المطروح ما هي سبل إنعاش الاقتصاد في المناطق الريفية؟ ومدى إمكانية أن تلعب السياحة دورا مساندا ومهما في هذا المجال؟ وما هو الأثر الاقتصادي الذي سيعكسه التوجه لهذا المورد؟ ومدى فاعليته؟ خصوصا على المستوى المحلي .
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تحديد الهدف، الذي يتجلى في تعزيز ارتباط الإنسان ببيئته، وصموده على أرضه، والعيش بكرامة من خلال توفير فرص العمل له ، وتحسين مستوى المعيشة لسكان الأرياف بالاعتماد على الموارد الطبيعية والثقافية المتوفرة.
يهدف الاستثمار في السياحة البيئية بمواردها المختلفة إلى أن تكون هذه الموارد نافعة ومفيدة، ويمكن استعمالها، والاستفادة منها كمردود اقتصادي، إلى جانب ما تلعبه من ادوار على صعيد الحفاظ على الهوية. إن تعزيز هذا الجانب لا يجب أن يكون على حساب إهمال الجوانب الأخرى، وفي مقدمتها الزراعة, وإنما تعزيز التنمية من خلال السير في كافة القطاعات بالتوازي، ومن بينها استثمار الموارد الثقافية والبيئية والاجتماعية بالشكل الصحيح,مما يزيدمن الإمكانات اللازمة لخدمة المجتمعات . وبالتالي, فان العوائد التي سيتم توفيرها يمكن استخدام جزء منها في عمليات الحفاظ و تطوير مكونات التراث الثقافي والطبيعي .
ومن هنا, سيتم التركيز في هذه الدراسة على السياحة البيئية كعنصر أساسي يرتبط بالمناطق الريفية, كونه شكل من أشكال السياحة المسئولة، التي تحترم البيئة والمجتمعات المحلية, ولديها القدرة على خلق فرص اقتصادية تنموية ذات قيمة حقيقية, والبناء على هذا النوع من السياحة كخيار قابل للتطبيق والنمو .
.2السياحة البيئية
تعرف السياحة البيئية وفقا للجمعية الدولية للسياحة البيئية التي تم إنشاؤها عام 1990م على أنها " السفر المسئول إلى المناطق الطبيعية الذي يؤدي إلى حفظ البيئة، وتحسين رفاه السكان المحليين." وجاء في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي، والصادر عن جامعة الدول العربية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والطبيعة "أن السياحة البيئية هي عملية تعلم وثقافة وتربية بمكونات البيئة، وبذلك فهي وسيلة لتعريف السياح بالبيئة والانخراط بها." ومن هنا يتميز السائح البيئي كما وصفه (Colvin,1991) بتركيزه على التمتع بمشاهدة النظم البيئية ومكوناتها الحية في مناطقها، وهو ما يتطلب من السائح القيام ببعض أنواع الرياضة كالمشي أو الغطس أو الصيد المنظم أو تسلق الجبال، ويتكيف بسهولة مع الخدمات البسيطة، وهو بذلك يقبل التحدي، ويتحمل المشاق والصعوبات، ويصرف النقود للوصول إلى الهدف. وتقوده هذه العملية إلى التمتع بالمزايا التاريخية والثقافية والاجتماعية والتراثية التي تميز الموقع، والانخراط مع السكان المحليين في حياتهم اليومية، متعرفا من خلال تجواله على المنتجات المحلية التي يتميز بها السكان المحليون من حرف تقليدية واكلات شعبية وعادات وتقاليد وزي شعبي وفلكلور ومواسم ومهرجانات وسكن. والسائح البيئي في كل ذلك يهدف إلى الحصول على الخبرة الشخصية الحقيقية والاجتماعية.
مما سبق يمكننا صياغة تعريف السياحة البيئية بأنها: إطار يجمع السكان المحليين والزوار والبيئة في نظام ايجابي ومتوازن يكفل المنفعة وحماية الحقوق للجميع.
وحتى تكون السياحة البيئية مستدامة فهذا يعني الاهتمام بالمواقع السياحية، وإدارة جميع المصادر، والاستغلال الأمثل لها، وتوفير الاحتياجات الاقتصادية منها والاجتماعية والجمالية والطبيعية، وضمان الحفاظ على البيئة واستمراريتها، وإشراك كافة الجهات المعنية على المستوى المحلي والمؤسسات الحكومية والأهلية، والعمل بشكل متوازي في كافة القطاعات، واخذ ذلك بعين الاعتبار في أية خطة تنموية مستقبلا. أي أنها تشمل استدامة البعد المادي و الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.
وللتعرف أكثر على السياحة البيئية لا بد من معرفة قواعد هذه السياحة، التي ذكر بعضها في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي، وفي نشرات للجمعية الدولية للسياحة البيئية، ومراجع أخرى والتي تتلخص في تقليل الآثار السلبية للسياحة على الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية في المناطق السياحية, وتخطيط السياحة بطريقة مستدامة, وبناء واحترام الوعي الثقافي والبيئي لدى الزوار, والتأكيد على أهمية الاستثمار المسئول، والتوزيع العادل للمكاسب، وتحسين أحوال السكان اقتصاديا ومعرفيا، ورفع مهاراتهم ، وتلبية احتياجاتهم، واحترام ثقافتهم، ورفع مستوى الوعي لديهم، وتشجيعهم على أداء ادوار قيادية, والعمل على مضاعفة الجهود لتحقيق اعلى مردود مادي للبلد المضيف من خلال استخدام الموارد المحلية، والإمكانات البشرية, والاعتماد على البنية التحتية المنسجمة مع البيئة, والمحافظة على الحياة الفطرية والثقافية, وأخيرا إجراء البحوث العلمية البيئية والاجتماعية للحد من الآثار السلبية .
ويؤكد الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي على أن السياحة البيئية قد أثبتت جدواها الاقتصادية، حيث تعتبر من الصناعات الأكثر نموا في العالم ، وأحد القطاعات الرئيسة للتجارة الدولية ، فهي تشكل الصناعة الرئيسة للاقتصاد الوطني لكثير من البلدان مثل كوستاريكا وكينيا ومدغشقر والسويد وغيرها, وعقدت من اجل دعمها الكثير من المؤتمرات .
شهدت هذه السياحة أكبر نمو منذ عام 1980 م، والحديث للمصدر السابق، حيث أصبحت توفر 8% من فرص العمل, بمعدل حوالي 200 مليون فرصة عمل سنويا، وستتضاعف حسب التقديرات حتى عام 2010 م.إضافة إلى أنها تزيد من الدخل القومي، وتساهم ب11% من مجموع الإنتاج المحلي, وتشكل مصدرا للعملات الصعبة, مما جعلها هدفا لتحقيق برامج التنمية، وفتح آفاق جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية، وزيادة حجم التبادل الثقافي بين الدول, و تطوير الصناعات الحرفية والتقليدية. ويضاف إلى ذلك دعم مشاريع التنمية التحتية من مواصلات ومياه واتصالات، ومشاريع التنمية الفوقية من فنادق ومطاعم وغيرها. والمتتبع للسياحة البيئية يجد أنها حققت نجاحا ملموسا في كثير من البلدان، ومن بينها يمكننا ذكر التجربة الأردنية في محمية ضانا. ويكفي ان نعرف بأن السياحة تساهم في ايرادات المملكة الأردنية الهاشمية عام 1999م بنسبة 43% إلى إجمالي الإيرادات من الصادرات, وأيضا التجربة المصرية في واحة سيوة السياحية, والتجربة اللبنانية في محمية أرز الشوف، والتجربة المكسيكية في حماية قبائل المايان.
هذا النجاح الذي تحقق في دول كثيرة دفع بالعديد من الدول للاهتمام المتزايد بالسياحة، فقد دعت كثير من الدول إلى توسيع القاعدة الاقتصادية، لتشمل مجالات واعدة مثل السياحة في إطار التنمية المستدامة، مع التركيز على الحفاظ على البيئة, والتركيز أيضا على الموارد الاجتماعية والبشرية، ومن ضمنها الثقافة والتراث ضمن خطط التطوير، واعتبارهما مرتكزين محوريين ومتكاملين من مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
على صعيد فلسطين فقد بدأ الحديث عن أهمية إدماج هذا القطاع في خطط السياحة مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي من خلال عدد من الخطوات. ففي عام 1999م, تم المباشرة من قبل مشروع بيت لحم 2000 بمشروع سياحي بيئي بعنوان طريق الميلاد. وفي عام 2005م, وبمشاركة من مركز حفظ التراث الثقافي بمدينة بيت لحم وجامعة بيت لحم وجامعة لندن وجامعة يوونسو الفنلندية, تم العمل على برنامج تيمبوس لتأسيس درجة الماجستير في السياحة في جامعة بيت لحم، مما فتح الباب للنقاش حول التحديات التي تواجهها السياحة في فلسطين المعتمدة على السياحة الدينية منذ فترة طويلة. كما قامت بعض المبادرات الفردية إلا أنها لم تعمر طويلا، كونها لم تخضع للمعايير السليمة في التخطيط. وتم عمل بعض الورش حول السياحة البيئية بدعم من اليونسكو، ومشاركة من مركز حفظ التراث، ومعهد إدارة الفنادق والسياحة بجامعة بيت لحم، وتم فيها مناقشة آفاق السياحة البيئية في فلسطين، وبحضور ممثلين عن وزارة السياحة. يضاف إلى ذلك, العمل على بعض المشاريع الرائدة في هذا المجال مثل مشروع دلتا من خلال مركز حفظ التراث الثقافي ببيت لحم، وبشراكة مع دول أوروبية ومتوسطية، ويهدف المشروع إلى رفع درجة الوعي بوجود تراث ثقافي إقليمي، والى تمتين شبكات العمل الإقليمية من خلال تعزيز المسارات السياحية والطبيعية والمهرجانات. وقامت خطة عمل هذا المشروع على الدراسات المسحية للمصادر الطبيعية والثقافية والاجتماعية في منطقة الاختبار، وتحليل البيانات التي تم جمعها.
وفي معرض الحديث عن السياحة البيئية، فلا بد من التأكيد على أن هذا النوع من السياحة لا يتعلق بالسائح الأجنبي فقط، بل يشمل أيضا السائح المحلي، وهو ما يجب التركيز عليه ضمن الخطط الموضوعة لتسويق هذا النشاط مما يجعله أكثر جدوى من حيث الاقتصاد، واقل أعباء، ويحقق الكثير من الأهداف مثل نشر المعرفة والثقافة السياحية لدى الأفراد, وتعميق المعرفة بأهمية السياحة، وآثارها الايجابية على مجمل نواحي الحياة, والتركيز على ضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية والأثرية والحضارية كثروة قومية, وتعريف المواطن بمعالم بلده, وتنشيط حركة السياحة الداخلية من خلال توفيرها بأسعار معتدلة.
غير أن السياحة البيئية بقدر ما فيها من ايجابيات وفوائد، فانه لا يمكن إغفال الآثار السلبية التي قد تنشأ نتيجة التخطيط غير السليم, الأمر الذي يعرض البيئة والتراث إلى أخطار كبيرة, خصوصا فيما يتعلق بالتلوث البيئي، واستعمال الأراضي غير الصحيح, والتغير المفاجئ الذي يطرأ على المجتمع المحلي, وهذا كله بسبب الزيادة غير المنتظمة في أعداد السكان, الناتجة عن تدفق المزيد من أعداد السياح، وطبيعة الخدمات التي يحتاجون إليها خصوصا في مجال البنية التحتية من مواصلات واتصالات ومياه واستراحات ومرافق، والفضلات الناتجة عن الاستخدامات الجديدة، والدخل غير المنتظم، والعادات المكتسبة التي ستنعكس على السكان المحليين، وعلى البيئة، وعلى الحياة البرية النباتية والحيوانية، وحركة الطيور. وهنا لا بد من التأكيد على ان التعامل مع المواقع التراثية والموارد الطبيعية كما يقول الدكتور احمد يحيى راشد "لا يقبل التجربة والخطأ لأن فقدها قد يعني عدم استرجاعها مرة اخرى ".
وهذا ما يؤكد على اهمية التخطيط السليم للسياحة البيئية المستدامة كما جاء في الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي والذي يحتاج إلى إدارة سليمة وواعية تشمل مختلف الجوانب بدءا من إدارة الزوار، وذلك من خلال توفير مراكز دخول للزوار في المواقع السياحية لتزويدهم بالمعلومات الإرشادية، ووجود أنظمة وقوانين للسيطرة على أعدادهم, وتوفر إدارة سليمة للموارد الطبيعية والبشرية وحمايتها, وإعداد برامج التوعية والتثقيف البيئي من خلال توعية السكان المحليين ومشاركتهم, و توفير مشاريع لهم مدرة للدخل مثل الصناعات الحرفية والزراعة العضوية, وتضافر الجهود بين الجهات المعنية بالسياحة البيئية.
إضافة إلى إدارة الزوار, هناك إدارة المصادر والمقصود هنا المصادر الطبيعية والمصادر الثقافية والمصادر البشرية, وكذلك إدارة الآثار السلبية التي قد تنشا نتيجة هذه العملية, بحيث تكون هناك عملية مراقبة في جميع المراحل لضمان سير الخطة على النحو المطلوب .
والجهات المعنية في ادارة السياحة البيئية هي: المجتمع المحلي وهو المعني بالدرجة الأولى، ولا بد من إشراكه في العملية في جميع مراحلها، والمجتمع المحلي يشمل السكان بكافة فئاتهم، والهيئات المحلية . ويضاف إلى ذلك الجهات الحكومية من الوزارات ذات العلاقة، كوزارة السياحة والآثار ووزارة البيئة ووزارة الزراعة ووزارة الثقافة ووزارة التخطيط, وكذلك الجهات غير الحكومية المهتمة بموضوع السياحة والتنمية الريفية من مؤسسات وجمعيات ونوادي ومراكز متخصصة, وأيضا وكالات السياحة والسفر ومدراء السياحة ومراكز التدريب, وكذلك المعاهد العلمية والجامعات .
3. تطوير السياحة البيئية في قرى الريف الغربي لمحافظة بيت لحم
تكتسب مدينة بيت لحم أهمية خاصة بين المدن الفلسطينية, باعتبارها من المدن السياحية الهامة في فلسطين، من حيث التراثية المتميزة عالميا، التي يحج إليها الآلاف في كل عام، ويرتادها السياح طوال العام. وبهذا تعتبر السياحة العمود الفقري لاقتصاد المدينة، حيث ارتبطت هذه الاهمية بميلاد السيد المسيح فيها ، فانتشرت فيها الفنادق السياحية، ونشطت الصناعات الحرفية خصوصا الحفر على الخشب (خشب الزيتون) والصدف والنحاس.
ويكتسب موقع بيت لحم أهمية إضافية لقربها من مدينة القدس، فهي تبعد عنها سبعة كيلو مترات إلى الجنوب منها، وتمتد أراضي محافظة بيت لحم من أراضي القرى الغربية نحالين وبتير ووادي فوكين وحوسان، والمحاذية للخط الأخضر لتصل إلى منطقة البحر الميت شرق العبيدية. وتطل المدينة على القدس التي تحدها شمالا، وتعانق الخليل عند نهاية أراضي بيت فجار جنوبا، ويمكن مشاهدة البحر المتوسط من على جبال القرى الغربية، والعيش في البرية الصحراوية في الأراضي الشرقية للمحافظة، وصولا للبحر الميت.
تتميز المدينة بمناخها المعتدل، وهي ترتفع سبعمائة متر عن سطح البحر، ويتغير المناخ والتضاريس في المحافظة بتغير الموقع إذا ما اتجهنا شرقا أو غربا، مما اكسبها صفة التنوع المطلوبة من الناحية السياحية، فالمناطق الغربية جبلية خضراء، وتكثر فيها الينابيع، في حين المناطق الشرقية مناطق صحراوية رملية، وتتصل بمنطقة الأغوار.
وقد قامت وزارة السياحة والآثار أخيرا بترشيح عدد من المعالم في المحافظة, لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي ومنها : كنيسة المهد والبلدة القديمة في بيت لحم، ومنطقة البرية الصحراوية والتي تقع في المنطقة الشرقية، وأشجار الزيتون وكروم العنب، والتي تتجلى بأبهى صورها في المنطقة الغربية للمحافظة، حيث تتعانق كروم العنب مع أشجار الزيتون.
وعلى الرغم من هذا التنوع إلا أن السياحة في بيت لحم تعتمد حتى اللحظة على السياحة الدينية من خلال الحجاج القادمين إلى كنيسة المهد والأديرة الأخرى المنتشرة في المحافظة، ولم يتم استثمار الموارد الطبيعية من تضاريس وطبيعة جميلة سواء في المناطق الشرقية أو الغربية. وبالرغم من أن بيت لحم تزخر بالمواقع الكثيرة إلا أن القرى القريبة تشكل روافد مهمة للتنوع المطلوب سياحيا فهي تزخر بالمواقع التراثية الثقافية والطبيعية والاجتماعية، ولا يمكن النظر إلى بيت لحم بشكل منفرد بدون ربطها مع البيئة المحيطة التي تتميز شرقا ببريتها الصحراوية، وغربا بطبيعتها الخضراء .
و تتناول هذه الدراسة منطقة الريف الغربي والمعروفة بالعرقوب، وهي تتألف في الحاضر من أربع قرى هي : نحالين وحوسان ووادي فوكين وبتير، وسيتم دراستها كنموذج للمناطق الريفية الفلسطينية التي تصلح لتطويرها كمناطق سياحية، فهي تحوي الكثير من المصادر الطبيعية والتاريخية والثقافية المثيرة للاهتمام، وتاريخيا كما ذكر الدباغ في بلادنا فلسطين، تعتبر من المناطق التي شهدت نشاطا كبيرا في الفترة الوسيطة الرومانية والبيزنطية، والإسلامية، ففيها الكثير من الخرب الأثرية من الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية والواقع يدلل على ذلك، وتكثر فيها المواقع الأثرية المرتبطة بصناعة الزيتون والعنب، وتدلل كثرة هذه المواقع على الفترة المزدهرة لهذه الزراعة منذ قديم الزمن، وأهميتها من الناحية الاقتصادية للسكان، وتتحقق فيها ظاهرة التنوع من حيث المصادر بين القرى، مما يؤهلها لخلق مسارات سياحية تخلق حالة من التكامل، ويتميز المجتمع المحلي فيها بقدر جيد من الوعي ويتطلع للتطوير، وهذا الأمر ينطبق على السكان والهيئات المحلية في المنطقة، خصوصا بعد أن نفذت الهيئات المحلية في السنوات الأخيرة عددا من مشاريع الترميم، وأعادت تأهيل البيوت المهجورة، وتكتسب قرى الريف الغربي المعروفة بالعرقوب خصوصية جديدة في الفترة الحالية كونها تقع بالكامل خلف جدار الفصل العنصري، وتتصل بالمحافظة من خلال نفق بالقرب من الخضر. ومن الناحية السياسية فللمنطقة ما يميزها فقد صمدت في وجه النكبة وكانت مسرحا لسلسة من المجازر، وبعضها تم تهجير سكانه عام 1948م، مثل بتير ووادي فوكين ثم عاد معظمهم مرة أخرى إلى موطنه. وشهدت المنطقة الكثير من المعارك بين الاحتلال الإسرائيلي والجيوش العربية حيث كانت من الخطوط الدفاعية الأولى، وارتبطت المنطقة خصوصا قرية بتير بمحطة القطارات العثمانية وسكة الحديد المارة عبر أراضيها، والتي كانت تصل القدس بمدينة يافا، ولا يزال القطار يمر منها حتى يومنا هذا، وقد شهدت سكة الحديد الكثير من الأحداث في بدايات القرن العشرين والمرتبطة بمقاومة الاحتلال، وتتعرض المنطقة اليوم لهجمة شرسة من الاستيطان الذي يستهدف الأرض والإنسان، وهناك عمل دءوب من قبل الاحتلال لطمس هويتها الثقافية من خلال تدمير الخرب الأثرية، وتحديد المخططات الهيكلية في هذه القرى وفي المقابل هناك مجتمع محلي يعمل من اجل الحفاظ على هذه الهوية، كما أن محدودية الأراضي الزراعية بسبب مصادرة معظمها من قبل سلطات الاحتلال أدى إلى اشتغال معظم القوة البشرية بالعمالة في المستوطنات، وهجرة العديد من الشباب من المنطقة للعمل في المدن، أو إلى خارج البلاد.
المصادر الطبيعية والثقافية في منطقة الدراسة
يمكن تطوير مصادر التراث الثقافي والطبيعي في منطقة الدراسة باتجاه السياحة البيئية، حيث يتوفر العديد منها في كل قرية من القرى، التي تشكل مع بعضها منطقة العرقوب، فمثلا تمتاز قرية بتير بوجود التضاريس المميزة، والجبال الخضراء، والكروم على شكل مصاطب، وتحافظ القرية على المشهد الريفي الذي يجمع البيوت مع الحقول، ووجود محطة قديمة للقطارات وخط سكة الحديد، وتكثر فيها الخرب الأثرية ومن أهمها خربة بتير التاريخية، والتي شهدت نهاية اليهود في العهد الروماني، وهناك الينابيع الصافية والتي لا زالت تبعث بالحياة للسكان والمزروعات، والبرك والقنوات الرومانية التي تروي المزروعات التقليدية من الخضروات كالملفوف والباذنجان البتيري، وتمتاز عمليات الري باستخدام طرق ري تقليدية تم توارثها عبر مئات السنين، وتنتشر فيها المقامات، كما تم ترميم عدد من الأحواش مثل حوش السبع أرامل في البلدة القديمة، وتتواجد فيها بعض الورش التي ترتكز على الحرف التقليدية الخاصة بالسياحة،يضاف إلى ذلك كله مجتمع محلي نشيط، وروايات محكية، بالإضافة إلى أنها تشتهر بزراعة الباذنجان البتيري، حيث يقام له في كل عام مهرجان خاص، وقد تم أخيرا إنشاء حديقة عامة ومنتجع سياحي في القرية.
وتتميز قرية حوسان بعدد كبير من عيون الماء الرائعة الجمال ، وبعضها كان مزارا للسياح في الفترات السابقة، ويزورها السكان المحليون من القرى المجاورة للتمتع بالمشاهد الطبيعية الخلابة، ومن أهم العيون عين الهوية وعين العامود، وتحوي البرك والقنوات ونظم الري التقليدية، وتستخدم الأراضي المحاذية للعيون لزراعة الخضروات خصوصا اللفت والملفوف والبقوليات، وهي أراضي خصبة للغاية، كما تم ترميم عدد من البيوت في البلدة القديمة ولا زالت القرية تحتفظ بالكثير من البيوت التقليدية.
وتتميز قرية نحالين بالمواقع الأثرية الصناعية وأهمها " البد " وهو عبارة عن منشأة صناعية لعصر الزيتون، ويعود للفترات الرومانية، وهو من المواقع الفريدة والمنحوتة بالكامل في الصخر، ويمكن إعادة تأهيله كمتحف. ويحتفظ الموقع بطرق العصر المختلفة مثل العارضة والوزن، وأيضا رحى الزيتون الدوارة، ويمثل أهمية خاصة لدى السكان حيث انه يؤرخ لأكثر من فترة زمنية من تاريخ القرية، إضافة إلى عدد كبير من معاصر العنب، وتحتفظ القرية بمشهد كروم العنب وأشجار الزيتون، والمصاطب والسلاسل الحجرية، والتضاريس المميزة، ومواسم قطف الزيتون التي يشارك فيها جميع أفراد الأسرة، كما تحوي البيوت التقليدية، حيث تم ترميم احد الاحواش فيها، وفيها عدد من الينابيع والبرك والقنوات، وطرق الري المتوارثة، والمزروعات التقليدية، وارتباط العيون بروايات شفوية كثيرة، وتشتهر بالأشجار المعمرة كأشجار البلوط والزيتون، وتحوي عدد من الخرب الأثرية والكثير من الكهوف الطبيعية، والمقامات، والآبار والقبور الرومانية والبيزنطية، والغرف التي تم حفرها في الصخر والتي يرجع بعضها للفترة الإغريقية، وقد زارها الكثيرون من المختصين وصنفوا بعضها على انه من المعالم الفريدة، وهناك النباتات والأزهار، والطيور التي تكثر في هذه المنطقة بالذات.
وتمتاز قرية وادي فوكين بمظهر طبيعي خلاب بين احضان الطبيعة الخضراء، وبالينابيع والبرك، والمزروعات من الخضراوات التي تتميز بها القرية عن سواها، وهي من القرى التي تم تهجير سكانها في عام 1948م وعادوا فيما بعد، وبها بيوت تقليدية وخرب أثرية.
تنظيم السياحة البيئية في المنطقة قيد الدراسة
بالرغم من توافر المصادر التراثية في المنطقة، والتي تشكل نقاط قوة يمكن البناء عليها في التخطيط للسياحة، غير أن السياحة بأنواعها تتطلب مجموعة من العوامل تشكل المكونات الأساسية للسياحة، فلا يكفي أن يكون هناك مصادر، وإنما يجب العمل مباشرة من اجل تطوير عوامل وعناصر جذب الزوار، من مصادر طبيعية، أو مصادر ثقافية، كالمواقع التاريخية والحضارية والأثرية والألعاب والملاهي، وأيضا تطوير المصادر المحلية من مرافق وخدمات الإيواء والضيافة، والخدمات المختلفة التي يجب أن تتوفر في المنطقة، مثل مراكز المعلومات السياحية ووكالات السياحة، وتعزيز مراكز بيع الحرف اليدوية في القرى الأخرى كما في بتير، وتوفير خدمات النقل، وخدمات البنية التحتية، وإيجاد عناصر مؤسسية تكفل خطط التسويق والترويج للسياحة وسن القوانين وتدريب الموظفين، وتطوير الموارد البشرية في إدارة التراث وقطاع الخدمات السياحية، وتنمية الحرف التقليدية، وإيجاد الآليات المناسبة للتنسيق ما بين القرى، وتحديد دور كل قرية، وتحديد المسارات السياحية والبرامج الثقافية.
ولتحقيق أهداف السياحة البيئية، والمتمثلة بفوائد تعود على كل من البيئة، من حيث المحافظة عليها، والسائح ليعود إلى موطنه وقد تحققت لديه خبرة إضافية، وللمجتمع المحلي، من خلال تنميته اقتصاديا وثقافيا، فمن المهم معرفة ما يمكن تسويقه للسائح في المنطقة من فعاليات استنادا للمقومات المتوفرة فيها، بدءا بالاستفادة من المباني التقليدية غير المستعملة والمهجورة في البلدات القديمة في كل قرية، وتوظيفها في المرحلة القادمة، من خلال إعادة استعمالها في المرافق المختلفة، مثل المطاعم والمتاحف والمعارض والمساكن وغيرها من الخدمات السياحية الضرورية، وقد أصبح الحصول على موافقة المالكين أسهل بكثير من الماضي بعد تنفيذ عدد من مشاريع الترميم في المنطقة عن طريق الهيئات المحلية، وأيضا تسويق المأكولات الطبيعية والمحلية والشعبية، وتمكين السائح من الطبخ بنفسه والتعرف إليها عن قرب، والتأكيد على استخدام محاصيل خالية من المواد الكيماوية خصوصا ما يتعلق بالخضروات والفواكه كالعنب واللوزيات المعروفة في المنطقة، وإحياء الفعاليات المتعلقة بأنواع المحاصيل التي تتميز بها مثل إقامة المهرجانات للباذنجان البتيري والعنب والزيت، وعمل المعارض الخاصة بها، والمشاركة في مواسم الحصاد وقطف الزيتون، وإحياء المناسبات الوطنية في المنطقة، والتي تتعلق بعودة أهالي بتير ووادي فوكين بعد لجوئهم، وذكرى المجزرة الشهيرة لقرية نحالين في الخمسينات من القرن الماضي، والتي على إثرها صمدت نحالين، وعززت فكرة الصمود لدى بقية القرى المجاورة، وإحياء المهرجانات الثقافية والفلكلور والدبكة الشعبية .
وحتى تكون السياحة البيئية منتظمة لا بد من التخطيط لعمل مسار سياحي بين القرى، بحيث يربطها الواحدة بالأخرى بطريقة سهلة ومفيدة للجميع، والمسار يجمع بين وسيلتي السفر عبر الحافلات والسير على الأقدام، ويتضمن محطات للتوقف لممارسة النشاطات المختلفة.
يتطلب التخطيط والتنفيذ لبرنامج فاعل في السياحة البيئية تضافر الجهود، وعمل جماعي على كافة المستويات، والبحث عن وسائل التمويل لبرامج التدريب والتوعية والمشاريع الخاصة بتطوير البنية التحتية ومشاريع الترميم، وربط التنمية في المنطقة بخطط التنمية السياحية الشاملة، وتنمية الموارد البشرية للمجتمع المحلي، ويمكن تحقيق ذلك بالتعاون والتنسيق ما بين مختلف الجهات المعنية بالمشروع بدءا من المجتمع المحلي في كل قرية من القرى المستهدفة والمجتمع المحلي يعني المجلس القروي والسكان والمدارس والمزارعين والنساء الريفيات والأطفال وأصحاب الورش الحرفية والمؤسسات الفاعلة والجمعيات والمثقفين، والجهات المشرفة صاحبة الاختصاص كوزارة السياحة والآثار، وعليها تحديد دورها في السياحة الريفية ، ومدى مشاركتها، وتوفير المدرسين والمدراء، والأدلاء السياحيين، وتسويق السياحة الريفية كجزء رئيسي من السياحة، ويضاف إلى ذلك الوزارات الأخرى كوزارة الزراعة ووزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة البيئة ووزارة الثقافة، يضاف إليها غرفة التجارة والصناعة في المحافظة والمعاهد التي تدرب في هذا المجال، والمنظمات المهتمة بالحفاظ على البيئة والمصادر الطبيعية مثل معهد أريج وجمعيه الحياة البرية ومركز تعليم البيئة ومؤسسة الرؤية العالمية وجمعية الشبان المسيحية، ووكالات السياحة والسفر، والمدراء وأدلاء السياحة، ومركز سراج للدراسات ومجموعة السياحة البديلة، والجهات الممولة والمنفذة للمشاريع .
السيناريو المقترح
مخاطبة المجتمعات المحلية من خلال إشراكها، والتفاعل معها على كافة المستويات، وتنمية المنطقة بمستوياتها المختلفة، وتلبية احتياجات السكان عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا وسياحيا وثقافيا وعلى مستوى الخدمات المقدمة والعمل على أن يكون المجتمع المحلي لاعبا رئيسا، ومنخرطا في هذه العملية مع المؤسسات الأخرى ذات العلاقة، وأهمية إشراك المجتمع المحلي تعود لأسباب تتعلق بكون السياحة في الريف قد تسبب تدهور على المجتمع المحلي، ويمكن أن تفشل إذا لم تشمل عملية التطوير اهتمامات واحتياجات السكان المحليين، وان السكان المحليين لهم الحق الأخلاقي في الانخراط في عملية التطوير لتعم الفائدة، والتحديات الكبيرة تكمن في مجال الحصول على التمويل وبناء القدرات والتعامل مع حساسية ثقافة السكان وعاداتهم.
والسكان المحليون هم أفضل من يعبرون عن احتياجاتهم وتطلعاتهم وحاجاتهم للتطوير وتحسين أوضاعهم، وعليه فمن المهم تشكيل لجان محلية في القرى موضوع الدراسة، ومهمة هذه اللجان تكمن في رفع مستوى الوعي لدى السكان المحليين، وذلك من خلال تعريفهم بأن الاستثمار في قطاع السياحة البيئية هو من اجلهم، ولرفع مستواهم المعيشي، ومن اجل خلق قاعدة اقتصادية أفضل لهم، وخلق طاقم من القيادات المحلية وتشجيعها وتدريبها، واستثارة المجتمع لترجمة أهداف التنمية لما فيه مصلحتهم، والعمل على إشراك القطاع النسائي والشبابي والمؤسسات الفاعلة على صعيد كل قرية في هذه العملية، والاعتماد على مساهماتهم، وتحفيز أفكار المجتمع المحلي من خلال الندوات والدورات واخذ الآراء من خلال العصف الذهني أو أية وسائل أخرى للاستفادة من هذه الأفكار في عمليات التنمية الشاملة، والعمل على توفير طاقم إداري وتطبيقي من المجتمع المحلي، والعمل على تعزيز السياحة المحلية من خلال إقامة المخيمات الصيفية السنوية وتوجيهها في هذا الاتجاه تحت عنوان تعرف على بلدك، وتقوم اللجنة المحلية التأسيسية بوضع نظام خاص بها وبطريقة الانتساب والعضوية والترشح فيها وتعد للانتخابات.
ينبثق عن تشكيل اللجان المحلية في القرى الأربعة لجنة مركزية منتخبة من اللجان المحلية، يضاف إليهم رؤساء الهيئات المحلية وممثل عن مديرية السياحة والآثار وممثلين عن المراكز المتخصصة الراغبة في الانضمام ودعم المشروع، ومن مهامها وضع الخطط وتسهيل المهام ومراقبة تطور السياحة الريفية، ومن مهام اللجنة المركزية دراسة المقترحات المقدمة من المجتمع المحلي، وتحديد الأولويات للبنية التحتية، ووضع خطط تنمية النشاطات الترفيهية والترويج الإعلامي ورفع درجة الوعي، ورفع المشاريع المقترحة للجهات الممولة، وتفعيل اللجان المحلية، وبناء العلاقات مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية, وعمل توأمة ما بين القرى وبلدات أخرى في العالم، وتوجيه التنمية لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، وتطوير المصادر الثقافية، ويشمل ذلك العمليات اللازمة للحفاظ، وحماية وإدارة المواقع التراثية، وجلب مشاريع الترميم، وتشجيع إقامة المهرجانات الثقافية ووضع الخطط الإعلامية، والبحث عن الروابط المشتركة مع المواقع الأخرى في المناطق المحاذية، وتشجيع مشاريع تنموية أخرى من اجل ضمان استقرار النمو الاقتصادي، ورفع مستوى معيشة السكان المحليين، ودعم السكان من خلال تقديم مقترحات لمشاريع تنموية صغيرة، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا الجانب، وتطوير الموارد البشرية من خلال بناء القدرات في مجالات الإدارة والخدمات السياحية وتنمية الحرف التقليدية، والعمل على ربط المسار السياحي المقترح في المنطقة ليكون جزءا من مسار سياحي على مستوى المحافظة، وعمل خطة إدارة متكاملة بالاعتماد على المتخصصين في هذا المجال.
المقترح للمسار السياحي يتضمن وصول الحافلات القادمة من مدينة بيت لحم عبر الجدار الفاصل، أو من مدينة القدس مباشرة إلى قرية نحالين موقع عين البلد، حيث هناك متسع لوقوف الحافلات، والتعرف على طبيعة المنطقة ومعالمها، ومشاهدة الفلاحين يزرعون أرضهم المروية من مياه الينابيع، وأنواع الخضار المزروعة، ويمكنهم التعرف إلى حجم الهجمة الاستيطانية على الأراضي من خلال المستوطنة التي لا تبعد أكثر من مائتي متر هوائي عن العين والمعروفة بمستوطنة بيتار، وتحيط بالعين أراضي غنية بأشجار الزيتون والأجاص، ومن العين يتم التوجه سيرا على الأقدام للموقع الأثري المعروف بالبد، والذي سيتم إعادة تأهيله كمتحف يعرض آليات وطرق عصر الزيت والعنب في الفترة الرومانية والبيزنطية، واستعراض تاريخ الموقع عبر السنين، ويمكن شراء التحف والهدايا التذكارية في الموقع، ومن المتحف يصعد الزائر لعمل جولة في البلدة القديمة، والتعرف على المباني التقليدية، وطرق السكن قديما، ومشاهدة بعض الآثار الرومانية والبيزنطية واليونانية مثل مغارة الحمام والمقامات والقبور الرومانية والبيزنطية، ومن ثم يعود إلى الحافلات عبر طريق يمر بمحاذاة أشجار البلوط التي يقدر عمرها بأكثر من ألفي عام، وبعد ذلك وبالحافلة يتم الصعود غالى جبل أبو تمام، حيث المنطقة غنية بكروم العنب، ومرتفعة بحيث يمكن مشاهدة مياه البحر المتوسط، وتضاريس المنطقة بشكل عام، وبعد ذلك يتم التوجه إلى قرية وادي فوكين التي تقع في قلب المستوطنات، وزيارة الأراضي الزراعية الغنية والينابيع، ومن هناك تتوجه الحافلات إلى قرية حوسان، حيث البلدة القديمة، ويتجول الزوار في البلدة القديمة، ويتوجهون إلى عين عامود القريبة من البلدة سيرا على الأقدام، وعين عامود هي عبارة عن مجموعة من الينابيع الساحرة، والتي يمكن التنقل بينها خلف الصخور العالية، وتحيط بها الأراضي الزراعية وأشجار الزيتون الروماني، وهناك موقع اثري يعرف بالحبس الروماني، وبعد الانتهاء من زيارة عين عامود يتابع الزوار سيرهم مشيا على الأقدام في طريق قديم محاط بأشجار الزيتون متجهين إلى عين الهوية التي تقع على بعد خمسمائة متر تقريبا باتجاه الوادي المؤدي إلى قرية بتير، ويمكن الدخول إلى داخل العين عبر البركة والقناة التي تؤدي إلى داخل العين وهي قناة ضيقة تمر منها المياه، ويحتاج الزائر إلى أن يزحف قليلا على بطنه ليدخل إلى العين، وتتكون العين من الداخل من غرفتين واسعتين ومرتفعتين تتدفق المياه من السقف، ويكن مشاهدة المتدليات الحجرية في السقف والجدران والأرضيات، وهناك حوض طبيعي في الغرفة الجنوبية، والمشهد يرسم صورة جميلة تستحق اللقب الذي أطلق عليها بحمام العروس، وحول العين أراضي زراعية وقنوات، وتشكل المنطقة واديا ضيقا تحيط به الجبال من جوانبه، وتعلوها أشجار البلوط والزيتون والخروب، وتستمر الرحلة مشيا في هذا المسار مع قنوات مياه عين الهوية إلى عين جامع في بتير، والتي تبعد حوالي ثمانمائة متر تقريبا عن عين الهوية، حيث تم إنشاء منتجع بتير بالقرب منها، ويرتاده الزوار من المنطقة ومن خارجها، ومن عين جامع يتابع الزوار سيرهم صعودا إلى حديقة بتير، حيث يمكنهم تناول الطعام في أحضان الطبيعة الجميلة، والحديقة مزودة بمطعم وخدمات وأماكن استراحة، وبعد تناول الطعام يقوم الزوار بجولة في الخربة الأثرية والبلدة القديمة، ويتجولون على ما فيها من معارض ومشاغل حرفية، ويلقوا نظرة على سكة الحديد، ويزوروا العين والبركة الرومانية والقنوات، ويستمتعوا بمشاهدة الأراضي والمصاطب الزراعية والغابات المحيطة، وبعد الانتهاء من الجولة تكون الحافلات في انتظارهم في الساحة فوق العين، ويمكنهم المغادرة، وفي حال قرر السائح المكوث في المنطقة لفترة أطول يمكنه المبيت في القرية التي يختارها، ويمكن الاستفادة من المباني التقليدية لهذه الغاية.
هذا المخطط يمكن الزائر من التمتع بالمشاهد الطبيعية، وملامستها بنفسه، وفيه رياضة خفيفة، ومحطات توقف للراحة، ويدمج المخطط المقترح بين الثقافة والطبيعة والتعرف على عادات السكان من خلال الجولات في البلدات القديمة، والزائر يشتري من السكان المحليين مباشرة، وهو بذلك يوفر لهم دخلا إضافيا، ويحد من البطالة حيث أن تنوع المواقع بين القرى يحتاج إلى تشغيل موظفين دائمين في كل قرية، وسيتم تشغيل الكثير من العمال المحليين العاطلين عن العمل في المشاريع التي سيتم تقديمها لهذه الغاية من مشاريع ترميم أو بنية تحتية، ويشجع المخطط المقترح على الزراعة، ويمكن للمزارعين تسويق منتجاتهم بشكل مباشر، ويشجع المجتمع المحلي على البحث عن أفكار جديدة لزيادة الجذب السياحي، ويؤمن بعض العائدات للهيئات المحلية، ويقترح المخطط مجموعة من الفعاليات التي من شأنها زيادة التدفق السياحي على المنطقة مثل إقامة المهرجانات، وعمل المخيمات الصيفية، وبناء ورشات للحرف اليدوية، واستكشاف أسرار الطبيعة، ويشجع السكان على الحفاظ على البيئة كونها تشكل مصدر رزق لهم، ويشجع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا الجانب في بناء المرافق مثل المطاعم والمنتجعات والاستراحات، وإقامة المعارض ومراكز البيع بالتنسيق مع الجهات المختصة كالهيئات المحلية، وهذا كله سيساهم في تدوير حركة الاقتصاد المحلي والوطني، ويعزز من قدرات المواطن على الصمود فوق أرضه.
الخاتمة
إن المناطق الريفية في فلسطين غنية بالمواقع التراثية، والتي لابد من استثمارها على جميع الأصعدة والمستويات، وان المناطق الريفية بعماراتها التقليدية ومواردها الطبيعية وعاداتها وتقاليدها والبيئة فيها لا يمكن إهمالها أو تجاهلها في أي مرحلة من مراحل التخطيط للسياحة أو الخطط التنموية الاقتصادية مستقبلا، لكي لا تكون المناطق الريفية عالة على الاقتصاد الوطني وإنما رافدا رئيسا من روافد الاقتصاد. وان إشراك المجتمع المحلي في هذه العملية يعتبر أولوية وقاعدة رئيسية لضمان النجاح لأية خطط مستقبلية، وان لا معنى لعمليات التخطيط التي تكون على المكاتب بعيدا أو بمعزل عن المجتمع المحلي، الذي يشكل الحاضنة الأولى لأي عمل ناجح، والمطلوب فورا أن تتعاون الجهات المسئولة كل من موقعه للبدء بعمل خطة وطنية لتشجيع السياحة البيئية.
المراجع
1 - أبو حجر،آمنة إبراهيم(2002). موسوعة المدن العربية .دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ط1
2-الدباغ، مصطفى مراد (2002). بلادنا فلسطين .ج8 دار الهدى للطباعة والنشر
3-حمدان، عمر(1996). العمارة الشعبية في فلسطين.مط حسن أبو دلو ، جمعية إنعاش الأسرة
4- ألخالدي، وليد(1997). كي لا ننسى. ط1 بيروت
5- شراب، محمد محمد حسن(1996) .معجم بلدان فلسطين .الأهلية للنشر والتوزيع ،ط2
6- الروب، نبيل(1988).نظرية السياحة(1).مؤسسة الثقافة الاجتماعية
7- توفيق، ماهر عبد العزيز(1997) .صناعة السياحة .دار زهران
8- غنيم،عثمان محمد(1999). التخطيط السياحي، ط1.دار الصفاء للنشر والتوزيع،عمان
9- روبنسون.جغرافية السياحة.تر.محبات إمام.ط1، دار المعارف،القاهرة.
10- الجلاد،احمد.مدخل إلى علم السياحة.ط1،مطبعة النهضة العربية،القاهرة.
11-الموسوعة الفلسطينية.ط1 ، دمشق،1984 .
12- موسوعة المدن الفلسطينية.ط1 ،1990 .
13- جامعة الدول العربية و برنامج الامم المتحدة/ الدليل الارشادي للسياحة المستدامة.
14-second edition. Drum, Andy and Moore, Alan,(2005)." An Introduction to Ecotourism Planning" v.1.
15-Teutonico,Jeanne and Palumbo,Gaetano(2000)."Management Planning For Archeological Sites "Greece
16- مستقبل الاقصر بين استثمار الفرص وفرص الاستثمار gournapaper.htm 9-4-1429
17- الميثاق لمغاربي حول حماية البيئة والتنمية المستديمة ، ملحق(ي/2) Wthaek/molhak. 9-4-1429 /
18- السياحة الثقافية بين حماية التراث والنمو الاقتصادي-فاليري باتين.
إرسال تعليق