U3F1ZWV6ZTE2NDIxOTY5MTY3NjA3X0ZyZWUxMDM2MDM5ODE3MjU5MQ==

دور الإعلام في الوقاية من الجريمة

بسم الله الرحمن الرحيم



" دور الإعلام في الوقاية من الجريمة "


ورقة بحث مقدمة لندوة " الوقاية من الجريمة "


الدكتور ابراهيم أحمد الشمسي


المقـدمـة


تؤكد لنا الكثير من الدراسات الإعلامية والإجتماعية أن الناس في معظم حالاتهم يتجهون إلى وسائل الاعلام لارضاء حاجات معينة في نفوسهم ، أو


إنهم يتجهون إلى محتوى معين في هذه الوسائل لإرضاء تلك الحاجات ، ولذلك لابد أن تعمل وسائل الإعلام على توظيف تكنولوجيا الإعلام من أجل


تطوير قوى الإنسان في منطقة ترغب أن يكون لها دورها الحضاري في عالم تكتنفه المخاوف والمفاجآت التي تصطنعها القوى الطامعة في ما تحفل 


به أرضها من خير ونعم محاولة بذلك القضاء على أهم ثروة حقيقية ألا وهي ثروة الشباب والرجال في عالمنا العربي والإسلامي والخليجي بشكل


خاص .


ولهذا فمن أجل تحقيق الأهداف الأمنية والتربوية والإجتماعية في الدولة لابد أن يأتي تصميم الرسالة الإعلامية في مقدمة الواجبات التي يتحتم على وسائل الإعلام النهوض بها، و أن أهمية التصميم هذه تنبع من الإدراك بأن الإنسان " إنتقائي " بطبيعته ، وهو يتوجه إلى عدد محدود من الصور والأصوات المتوفرة في بيئته في وقت واحد ، وإنه من المحتمل إن ينصرف الطفل أو الشباب إلى " إنتقاء " ما هو أكثر تشويقا وإثارة وتسلية بما تعرضه وسائل الإعلام المتوفرة في محيطه ، وقد يكون مفيدا هنا التذكر بإن برامج التسلية لا تحمل التسلية فحسب ، بل إن لها تأثيراتها على المورث من تقاليد وقيم وأخلاق ، كما أن عملية تقبل الطفل او الشاب لما يقدم تأتي في مرحلة تاليه للإدراك والتعلم .


إن التسلية حق من حقوق الإنسان وهي فطرة فيه ، وهو يعجب بالصراع الحاد كطبع من طباعه ... وإنه من تقاليد الإمة العربية المسلمة ... ومن القيم الرفيعة التي جاء بها الدين الحنيف ، خير ضمان للتمتع ببرامج التسلية المتضمنة مشاهد صراع الإنسان ضد قوى الشر آخذين بعين الإعتبار قوة العرض الدرامي الذي يقتضي زيادة في تصوير قوة الخصوم والأعداء ، ولقد أدرك الشعراء العرب والمسلمون قديما ذلك حين يصفون العدو بكثرة العدة والعديد ، ثم كيف تنتصر القوة الخيرة المؤمنة على سلاح العدو مهما كثر ، وعلى شراسته مهما تعالت وعلى عدده حتى لو بلغ عدد الحصا . 


وأنه لمن المهزهلة و السخرية أن نقرر أن عصر وسائل الإعلام والتكنولوجيا عاجز عن أداء رسالة التوعية للحفاظ على أرواح هؤلاء الشباب الضالين ، وإن كان كذلك - وهو مؤكد وحادث بالفعل - وذلك لضياع الهدف المنشود من وراء ماتبثه وسائل الإعلام المحلية والعربية من مواد - مكتوبة كانت أم مسموعة أم مشاهدة - . وأن العمل والإنتاج الإعلامي متى بني على تخطيط واعي وأهداف مرسومة معمقة لاحتياجات شباب واطفال المنطقة قد يولد نموذجا جديدا يمكن استثماره في مجالات الصحافة والاذاعة والتلفزة الموجهة لهذا القطاع الواسع من الناس .


أن أهم ما يمكن أن تحدثة العملية الإعلامية الغير مدروسة بعناية تامة أن تأخذ جانبين أولهما ضعيف في بنى الإتصال ومواده - حيث يوجهنا مضمون ضعيف وشكل أو إخراج لا جاذبية فيه - ، والآخر متين في كليهما هو إحداث شرخ في المقومات الأساسية التي ينهض عليها كيان الأول ، وخاصة ونحن مقبلين على فترة زمنية يشكل فيها الانعزال عن العالم موقفا في طريقه الى الزوال ، بحكم القدرات الهائلة التي وفرتها التكنولوجيا الإعلام الحديثة وانه لمن النشاز تهرب الانسان عن مسار الاحداث التي تتناقلها يوميا اجهزة الصحافة والاذاعة والتلفزة بما تحمل من إعلامية مواد جذابة تدس بين ثناياها قيم غريبة مسمومة تنفثها في نفوس النشأ من مخالفات وجرائم كان عالمنا العربي والإسلامي في غنى عنها . 


وكان من الاجتهادات في الصدد ، إجتهاد يؤمن بأهمية تركيز المدرسة على القيم والمحافظة عليها وتقديم المعلومات على أسس منهجية لا على غرار وسائل الإعلام التي تضيع الوقت فيما لايجدى وتقدم معلومات بشكل عشوائي يفتقد الهدف والمنهج والتنسيق والتخطيط ، إلا أن هذا الإجتهاد يعتريه الكثير من التراجع والإنسحاب من الساحة ، وسيظل الإعلام هو المسيطر على تشكيل وصياغة أفكار الأفرد في المجتمع - والواقع خير دليل - ولكن لابد من التنسيق بين مختلف قطاعات المجتمع من بينها وزارات الداخلية والأمن .


الإعلام والجريمة 


لايكاد يوجد مجتمع من المجتمعات لايتحدث فيه الناس عن الجريمة ، وأسبابها ، وطرق مكافحتها أو معالجتها ، نظرا لإنتشارها ، وازدياد خطورتها على الفرد والمجتمع ، والتي أصبح طابعها الجرأة والإستهتار والعنف والفساد ، في حين أنه كان بالإمكان التحدث عن الجريمة من باب الإتعاض وأخذ الدروس والعبر منها ، لمحاولة منعها من الحدوث في مرات أخر .


وقد حدث جدال كبير حول دور الصحافة في العمل على زيادة عدد الجرائم وانتشارها ، وحملوها مسئولية كبرى في " تزيين الجريمة والإجرام في نفوس الناس " لأنها تنشر الجريمة بطريقة سيئة ومثيرة ، وتبالغ في وصف الجريمة ، وكأنها ترفع من شأن مرتكبيها ، مما يزعزع الثقة بمثل وقيم وعقيدة المجتمع ، والصحف التي تباع في الأسواق والمواد المتلفزة خير شاهد على ذلك . 


ومنذ بداية القرن العشرين أخذت الصحافة العالمية تزيد من المساحة المخصصة لأخبار الجريمة ، حتى أنه ظهرت صحف ومجلات متخصصة في نشر ألوان معينة من أخبار الجريمة ، ويمكننا


القول أن الصحافة الأمريكية كانت القدوة السيئة للصحافة العالمية في هذا الميدان ، حيث ينظر أصحابها ورؤساء تحريرها إلى هذا اللون من الأخبار نظرة تجارية بحتة ، ثم جاء بعد ذلك التلفاز هذه المسألة ، مؤكدا عملية تجارة الإجرام والعنف لمختلف دول العالم . 


تؤكد الدراسات الإعلامية الحديثة حول التأثير المتبادل بين الإعلام والعنف ، أن أول لقطة فنية لمشهد من مشاهد العنف كانت اللقطة القريبة التي استخدمها المخرج السينمائي ( ادوين بورتر ) عام 1903 للص مخيف يطلق بندقية في وجه الكاميرا مباشرة لتستخدم كمقدمة وخاتمة لفيلم ( سرقة القطار الكبرى ) ثم زاد الإهتمام بتصوير وإنتاج مشاهد العنف تحت تأثير انتشار السينما في العالم خلال الحربين العالميتين .


كما أن منتجي البرامج وموظفي الشبكات التلفازية يرون أن برامج العنف أكثر رخصا وسهولة في إشعال إهتمام المشاهد ، ويعتمد بالتالي على أنها تزيد عدد المشاهدين ، وترفع تقييم البرامج ، وقبل كل شئ تزيد في إيرادات الإعلانات الدعائية ، ويبرر أحد كبار رجال صناعة التلفزيون في أمريكا في شهادة أدلى بها أمام لجنة تحقيق خاصة بمجلس الشيوخ الأمريكي قبل سنوات قليلة ، أن زيادة برامج العنف والجريمة هي من الضرورات الفنية( التكنولوجية ) التي تتطلبها طبيعة المنافسة المشروعة مع وسائل الإعلام الأخرى كالسينما والمجلات والصحف ، ويقول آخر من كبار المنتجين للبرامج التلفزيونية في أميركا أن العنف ومشاهد الجريمة ضرورة عملية لتسويق البضاعة التلفزيونية التي تحرص صناعة التلفزيون على شيوعها بين الملايين من المشاهدين .


لقد أصبح الكثير من الناس لا يرتضون وجود العنف والأمور الشاذة فحسب بل صاروا يحبون ذلك ويستمتعون بمشاهدته لقد صار العنف جزء من عملية التسلية والترويح . فنحن اليوم ننشره على الصفحات الأولى من الصحف والمجلات كما وان ربع أو ثلث البرامج التلفزيونية تستخدم هذا العنف كجزء أساس في برامجها .


وليس من المتصور ، أن يختار الآباء هدايا ضارة لأبنائهم كتلك التي تشيع الخوف والذعر في نفوسهم أو تسئ إلى تنشئتهم بشكل يضر بمستقبل صحتهم الأخلاقية والنفسية والإنفعالية . إن هذا ما يجرى اليوم في غالبية المجتمعات المعاصرة التي أنعمت عليها منجزات العصر بهذه الآلة الساحرة التي إخترقت جدران كل بيت لتقدم إلى الناس ألوان العنف والرعب والجريمة في طبق شهي من التسلية والترويح .


وقدتم استعراض عدد من الدراسات المحكمة والتي تدلل على العدوانية المتنامية لدى الأطفال المعرضين للعنف المقروء والمشاهد في وسائل الإعلام ، واتضح من خلال هذه أن الأطفال يستطيعون تقليد أعمال جديدة للعدوان والعنف المعروض في الوسيلة الإعلامية ، وتركز الدراسات في هذا الجزء على الظروف والإستعدادات التي تدفع الاطفال حقيقة للقيام بهذه الأفعال العدوانية المقلدة . 


فما هو مدى قوة الوسيلة الإعلامية في إحداث التنغيير في هذة الإستعدادات ؟ هل يمكن لبرنامج تلفزيوني يشهده الشخص من خلال الشاشة الصغيرة ان يفرض تحولا أو يحدث تغييرا كبيرا في مثل هذه الإستعدادات أو الظروف الأجتماعية والنفسية التي يتميز بها الفرد ؟ الأصل أن تكون الإستعدادات التكوينية سابقة على الوسيلة ، وهذا ما يحدث في حالة الأشخاص البالغين الذين تكاملت عناصر شخصيتهم الإجتماعية إلى حد كبير فما هو الحال مع الأطفال الصغار أو مع الأحداث المراهقين الذين يقفون على عتبة النضج والبلوغ ؟ لكل طفل أو مراهق أو بالغ مجموعة من الإستعدادات التكوينية التي تعمل قبل ، وفي أثناء ، وبعد التعرض للوسيلة الإعلامية ، ومثل هذه الإستعدادات تقرر نوعية الوسيلة التي يفضلها الشخص دون سواها من جهة ، وما يرسخ في ذهن الشخص من المعلومات التي تقدمها هذه الوسيلة ثانيا ، وأخيرا كيف يفسر الشخص هذه المعلومات 


وقد أثبتت الدراسات أن الناس غالبا ما يختارون ما يقرأون وما يسمعون وما يشاهدون وفقا لما ينسجم وميولهم وينبذون ما يخالف ذلك ، كما ويبقى في ذاكرتهم كل ما يوافق هذه الميول أو لا ينسخها أو يعارضها . فالمدمنون على المخدرات مثلا لا يأبهون كثيرا لما يقال حول أضرار الإدمان بعكس أولئك الذين لايدمنون . وهذا يعنى بلغة علم النفس أن ما يختارون من هذه المواد لا يخلق ميولاوإستعدادات جديدة ، بل يقوى أو ينمى تلك الميول الموجودة لديهم بشكل من الأشكال .


وتقول بعض الاحصائيات الأمريكية أن معدل ما يشاهدة الطفل الأميريكي بين سن الخامسة والرابعة عشر من عمره يزيد على ثلاثة عشر ألف جريمةقتل يراها على شاشة التلفزيون . وقد أجرت جامعة " ستانفورد " بولاية كليفورنيا الأمريكية دراسة علمية إحصائية على أربع محطات تلفزيونية في الولاية جاء فيها أن هذه المحطات الأربع عرضت في فترة خمسة أيام عادية المشاهد التالية (12) جريمة قتل عمد ، (16) مشاجرة بالسلاح ، (21) إصابة بطلق نارى ، (4) شروع في الإنتحار ثلاثة منها ناجحة ، (4) أشخاص يسقطون من قمم الجبال أو من سطوح البنايات ، (2) سيارتان تتدحرجان من قمة الجبل ، (2) حادثتان دهس بصورة عمدية ، (21) معركة بالأيدي أو بالسكاكين ، (2) حادثة قتل بالخنق ، (37) معركة بالأيدي والسلاح الناري والسكاكين وبوسائل أخرى ، (1) قتل بالخنق غرقا ، ومجموعة متفرقة من القتل الإجرامي المأجور والسرقة بالإكراه والسرقة بالكسر والسرقة في وسائط النقل والإعدام بالشنق .


إن تأثير موضوعات العنف والجريمة خاصة على الأطفال والمراهقين قد حظي بإهتمام خاص من الباحثين وهو إهتمام جاء انعكاسا لقلق إجتماعي متزايد نفذ صبره أمام بطء خطوات البحث العلمي في التوصل إلى نتائج قاطعة وحاسمة بشأن تأثير وسائل الإتصال الجماهيري .


والواقع أن التلفزيون دون سائر وسائل الإتصال الجماهيرية قد تحمل الجزء الأكبر من إتهام الإعلام بنشر العنف والجريمة وأفلام الجنس ، والأمور الخارجة عن عقيدة وعادات وقيم وتقاليد المجتمع ، وإلا ما الفائدة التي يجنيها الفرد بل المجتمع من جراء نشرالإثارة على الصفحات الأولى من مجلاتنا كصور النساء الجميلات ، وبعض العبارات التي تؤدي إلى زعزعة كيان الأسرة ، والتي بزعزعتها ينشأ الطلاق ، والذي بدوره يؤدي إلى ضياع وتشتت الأطفال ، وهذا التشتت سيؤدي ولو بعد حين إلى ارتكاب جرائم أحداث وجرائم أخرى لا يعلمها إلا الله .


نظريات التأثير في الوسائل الإعلامية


1- نظرية التأثير المباشر ( الحقنة ) ( الرصاصة )


وترى هذه النظرية أن علاقة الأفراد بمضمون الرسالة الإعلامية علاقة تأثير مباشر وتلقائي وسريع سواء كانت هذه الرسالة صادرة من صحيفة أو إذاعة أو تلفاز ، فالإنسان سيتأثر بمضمونها مباشرة ، وبناء على فلسفة هذه النظرية فإن الإنسان سيحاكي مشاهد العنف والقتل أو أي جريمة أخرى . 


إلا أن هذه النظرية لم تلق قبولا واسعا من قبل المهتمين العاملين في مجالات الإتصال الجماهيري ، لأن الإنسان ليس سلبيا أو ساذجا لتلك الدرجة التي يتأثر بكل ما يقرأ أو يسمع أو يشاهد لاغيا كل الثأثيرات النفسية والإجتماعية والبيئية وما إلى ذلك من تأثيرات أخرى .ولكن يمكننا القول بأن هذه النظرية ( نظرية الرصاصة ) ، متى وجدت التأثيرات الأخرى فإنها يمكن أن تكون فاعلة .


2- نظرية التأثير على المدى الطويل ( النظرية التراكمية )


وهذه النظرية تقول أن تأثير ما تعرضه الوسائل الإعلامية يحتاج إلى فترة طوية حتى تظهر آثاره على الأفراد من خلال تراكمات إعلامية عديدة تؤيدها معتقدات ومواقف وسلوكيات مختلفة ، وإن استمرار تعرض الإنسان من خلال وسائل الإعلام إلى أفكار جديدة وقيم مغايرة واسلوب حياتية غير التي إعتادها ، يؤدي به إلى تبني بعض تلك الأفكار أو القيم ، ويغير في أسلوب حياته متأثرا بما يعرض عليه من مختلف وسائل الإعلام ، وبدرجة تختلف من فرد إلى آخر حسب تركيبة شخصيته ، وحالته النفسية ، والبيئة الإجتماعية التي يعيش فيها ، ونوع الوسيلة الإعلامية التي يتعرض لها ، ومضمونها ، والسياسة التي تسير عليها . 


وقد أثبتت بعض الدراسات أن المشاهدة المبكرة للعنف الموثق والمصور في الصحف أو المتلفز تكون سببا مباشرا للعدوان فيما بعد ،ولقد انتهت الدراسات إلى أن تصعيد درجة التهيج ، مهما كان نوع هذا التهيج من خوف أو رعب أو إثارة جنسية ، تمهد لأعمال الإعتداء خاصة اذا ما كانت إشارات البيئة مساعدة على ذلك .ومن هذا فان الإعتقاد بان " العنف على الشاشة يساعد على الجريمة " ينبغي أن يقاس بمدى متانة الفرد الخلقية يضاف إلى ذلك أن للجريمة أكثر من دافع ، وإن الدراسات الإرتباطية كثيرا ما تؤدي إلى الوقوع في الزلل العلمي إذا لم تؤخذ بحذر شديد ، فليست كثرة مشاهد العنف تؤدي دوما إلى إزدياد في الجريمة ، إن مثل هذا الإرتباط ينبغي أن يدرس في ضوء المتغيرات الأخرى ... وفي طليعة هذة المتغيرات إحتساب المؤشرات البيئية ورسوخ الرادع الأخلاقي.


3- نظرية التطعيم والتلقيح 


وهذه النظرية تعني أن الجرعات الإعلامية المتواصلة وبأساليبها المختلفة بما تحمل من قيم ومفاهيم جديدة تشبه بفكرتها هذه تلك الأدوية والأمصال التي نحقن بها للحصول على مناعة ضد مرض ما . فاستمرار تدفق المعلومات من خلال الصحف أو الإذاعة أو التلفاز ، ولتكن أخبار أو صور أو مشاهد العنف والجريمة والفساد الأخلاقي، مثلا ، يولد لدينا نوع من ألامبالاة تجاه هذه الأمور وعدم الإكتراث لحصولها في المجتمع .


وهذا ماهو مؤكد ومشاهد في مجتمعنا المحلي ومجتمعاتنا العربية ، لقد تبلد الإحساس في نفوسنا وقلوبنا ، فلم نعد نرى أن التمهيد لجريمة الإغتصاب أو الإختظاف أو الزنى خطأ لأن وسائل الإعلام علمتنا " السفور " ،" Boyfrind " " Girlfrind " من خلال الصحف والمجلات الشبابية والنسائية والمسلسلات التلفازية . 


نظريات تأثير العنف في وسائل الإعلام :


ولقد توصل الباحثون الإعلاميون إلى العديد من النظريات التي حاولت أن تصل إلى تفسير التأثيرات الإيجابية والسلبية لظهور العنف في وسائل الإعلام . إلا أن أيا منها لم يتمكن أن يقدم تفسيرا شاملا للظاهرة قيد البحث . ورغم ذلك فإنها تظل إسهامات إيجابية نجحت في تفسير بعض العناصر الشائكة حيال هذه الظاهرة .


فهناك خمس نظريات أساسية في هذا المجال هي :


1ـ نظرية التطهير .


2ـ المزاج العدوانى (الحافر) .


3ـ التعلم بالملاحظة .


4ـ التدعيم .


5ـ استزراع العنف .


أولا : نظرية التطهير 


المقولة الأساسية لهذه النظرية هي أن الناس في حياتهم اليومية كثيرا مايواجهون العديد من الإحباطات التي عادة ما تدفعهم إلى إرتكاب بعض الأعمال العدوانية . والتطهير هنا هو الراحة أو التخلص من هذه الإحباطات من خلال قراءة أومشاهدة الفرد للعنف عبر وسائل الإعلام المختلفة ، والذي يمكن أن يعطى الفرد فرصة المشاركة السلبية في الصراع العنيف الذى ينطوى عليه البرنامج أو الفيلم المعروض تلفزيونيا أو القصة المكتوبة في المجلة . أي أن الميول العدوانية يتم السيطرة عليها بواسطة الميكانيزمات النفسية والاجتماعية المشاركة في هذه الخبرات البديلة .


ويعتبر فيشباخ Feshbach أبرز المؤيدين لمفهوم نظرية التطهير . ويرى مع غيره من المتبنيين للنظرية أن مشاهدة ممثل تلفزيوني - أو القراءة عنه في مجلة - في دور يتسم بالعنف والعدوانية تجعل الفرد يشارك في أعمال الممثل العدوانية ، وذلك يؤدى إلى خفض حاجة هذا الفرد إلى الانخراط في أعمال عدوانية حقيقية ، أى أن السلوك العدواني لشخصيات مسلسلات الجريمة وأفلام العنف يمكن أن تكون نوعا من التنفيس عن احباطات متراكمة لدى المشاهدة فتقل احتمالات السلوك العدواني لدية .


ثانيا نظرية المزاج العدوانى ( تأثير الحوافيز أو المثيرات )


إن أول من وضع الإطار العام لنظرية المزاج العدواني في مجال تأثيرات العنف الذى تقدمه وسائل الإعلام هو ليوناردبيركوفيتش Leonard Berkowitz أحد علماء النفس الإجتماعيين . والإفتراض الأساسى لهذه النظرية هو أن التعرض لحافز أو مثير عدوانى من شأنه أن يزيد من الإثارةالسيكولوجية والعاطفية للفرد ، هذه الإثارة بدورها سوف تزيد من إحتمالات قيام الفرد بسلوك عدواني .


وطبقا لمقولات هذه النظرية فإن ما تنطوى عليه مسلسلات العنف من مصادمات أو مناوشات ذات طابع عنيف أو أسلحة أو تهديدات لاتؤدى إلى إثرة المشاهدين نفسيا وعاطفيا فحسب ، بل إنها أيضا تهئ لديهم شعورا بإمكانية الإستجابة العدوانية لما شاهده . 


وتقول هذه النظرية إن الطريقة التي يتم بها العنف أو تقديمة في البرامج لها تأثيرها على إحتمال قيام أفراد الجمهور بسلوكيات أو تصرفات ذات طابع عدواني ، فحينما يقدم العنف أو الجريمة بشكل له ما يبرره مثل الدفاع عن النفس أو القصاص فإن ذلك يزيد من إحتمالات الإستجابة العدوانية ذلك لأن المشاهد يمكن أن يعتنق مثل هذه التبريرات ليبرر بها سلوكه العدوانى .


ولا تنحصر مقولات هذه النظرية في مسئولية برامج العنف تجاه حفز السلوك العدواني لدى الجمهور المتلقى ، بل إنها ترى أن ثمة عاملا يمكن أن يؤدى إلى الإقلاع من إحتمال وجود إستجابات عدوانية لدى المشاهدين . هذا العامل هو كبح الإتجاهات العدوانية . فعلى سبيل المثال تصوير التلفزيون لصدام عنيف بين الأشخاص يمكن أن يولد إحساسا بالذنب لدى المشاهدين عن طريق توجيه إهتمامهم إلى تأمل الألم والمعاناة للذين تتعرض لهما ضحية هذا العمل العنيف . هذا الإفتراض من شأنه أن يكبت العنف لدى المشاهدين عن طريق التأكيد على إحساسهم بالألم والمعاناة التي يمكن أن تسببها أعمالهم العدوانية للآخرين .


ثالثا : نظرية التعلم من خلال الملاحظة 


والافتراض الأساسي لهذه النظرية أن الناس يمكنهم تعلم العنف أو السلوك العنيف من خلال ملاحظة العنف فيما تصوره وسائل الإعلام ، في ضوء الشخصيات الشريرة التي تحفل بها وسائل الإعلام . ولا يؤكد علماء هذه النظرية أن مشاهدي برامج العنف سوف يقومون بأداء أعمال العنف التي تعلموها بشكل آلي أو أتوماتيكي . فالأعمال العدوانية التي يتعلمها الفرد من وسائل الإعلام تشبه السلوك الذى يكتسبه الفرد في قاعات الدرس لا تخرج إلى واقع الممارسة الفعلية ما لم ينشأ موقف يستدعى أداء هذا السلوك المكتسب .


رابعا : نظرية تدعيم السلوك 


يقوم الافتراض الأساسي لهذه النظرية على أساس أن الصورة التي يظهر عليها العنف في التلفزيون تدعم حالة السلوك العدواني القائم لدى المشاهدين أثناء تعرضهم لبرامج ذات طابع عنيف .


وينظر علماء نظرية التدعيم إلى عوامل مثل المبادئ والقيم الثقافية والأدوار الاجتماعية والسمات الشخصية وتأثير الأسرة والأقران باعتبارها محددات أولية للسلوك الاجتماعي .فهذه العوامل السيكولوجية والاجتماعية تحددالتأثيرات التي يمكن أن تحدثها صور العنف في وسائل الاعلام . وعلى سبيل المثال فإن المبادئ والاتجاهات لدى المشاهدين من المتوقع أن توجة ادراكهم لبرامج العنف التلفزيوني . فالذين نشأوا وأصبحو شخصيات ميالة إلى العنف وأصبح لديهم اتجاهات ومبادئ تؤيد العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف الشخصية والاجتماعية ، فإنه من المحتمل أن يدركوا على نحو اختياري أعمال العنف التي تقوم بها شخصيات المسلسلات التلفزيونية بشكل يؤيد ويدعم مبادئهم واتجاهاتهم . أما المشاهدون من غير ذوى الميول العدوانية فإنهم يدركون الرسالة الإتصالية أو برامج العنف على نحو اختيارى بشكل يتطابق مع إتجاهاتهم المناهضة للعنف . وهكذا فإن تأثير العنف عن طريق التلفزيون يمكن أن يدعم المبادئ السلوكية والإتجاهات الموجودة لدى المشاهدين ذوي تلك الميول .فالأطفال بوجه خاص ومن في سن المراهقة من الجائز ألا يكونوا قد أسسوا لأنفسهم دليلا يوجههم ويرشدهم في مجال المشاركة في العنف .وهنا فإن العنف التلفزيوني يمكن أن يملأ هذا الفراغ في حياة الأطفال والمراهقين إلى الحد الذي تصبح فيه معتقدات وأعمال الشخصيات التي تظهر في برامج العنف مرشدا وموجها لسلوكهم الشخصي .


خامسا : نظرية استزراع العنف 


ويقوم الافتراض الأساسي لهذه النظرية على أن العالم الرمزي لوسائل الاعلام وخاصة التلفزيون يشكل إدراك الجمهور وتصوره للعالم الواقعي . فالتلفزيون بإنتشاره الواسع في المنازل أصبح يشكل البيئة الرمزية المشتركة التي يولد فيها معظم الأطفال ، وأن بيئة التلفزيون الرمزية ، وكما جاء في العديد من دراسات تحليل المضمون ، أنها بيئة سيئة دنيئة يسودها العنف والإجرام بشتى أنواعهما .


طرق تأثير الرسالة الإعلامية


وكما ذكرنا سابقا أن تأثير الرسالة الإعلامية لايتم بطريقة تلقائية ساذجة ، بل أن هناك عوامل ومتغيرات تتدخل هي أيضا كالبيئة ، والمحيط الإجتماعي ، وأمور أخرى نفسية وشخصية ، نذكر منها مايلي : 


1- تكرار عرض الرسالة الإعلامية .


يتأثر الإنسان بداهة بالمعلومات ( الرسائل الإعلامية ) من خلال عملية معروفة تتكون من أربع مراحل هي : التعرف ثم التفسير فالحفظ ثم الإسترجاع . فالفرد الذي ( يتعرض ) لمعلومة ،يسعى إلى التعرف عليها ،ثم تفسيرها من خلال مقارنتها بما لديه من خبرة سابقة ، ثم يحفظها في ذاكرته ، ثم يسترجعها حينما يحتاج إليها . 


هذه العملية التي تسمى ( عملية إكتساب المعلومات ) مرتبطة بسلوك إنساني آخر يسمى الإنتباه الإختياري ) .أي إن الفرد هو الذي يختار طواعية التعرض لمعلومة ما دون غيرها . هذا السلوك ، (الإنتباه الإختياري ) يؤثر فيه عوامل كثيرة منها (التكرار ) ، أي إن تعرض الإنسان المستمر ، أو لعدة مرات لرسالة إعلامية (معلومات ) تجعله ( يختار ) الإنتباه إليها ، وبالتالي معالجتها وإكتسابها كمعلومة ضمن المراحل السابقة ، ومن ثم التأثر بها . وسائل الإعلام إستغلت هذه الصفة لدى الإنسان في جانب مهم هو الإعلام . لذلك نرى أن الإعلان الذي يتكرر ظهوره هو الأكثر تأثيرا وبقاء في الذاكرة .


فتكرار الرسالة الإعلامية مهما كان مضمونها يثير لدى المتلقي عناصر الانتباه ، ومتى ما استقرت في الذاكرة فإن التفاعل معها والتأثر بها سلبا أو إيجابا ـ يصبح أمرا تلقائيا ، و قد ثبت من خلال دراسات كثيرة الفرد أن الفرد يتأثر بما تعرضه وسائل الإعلام من خلال التعرض المنتظم لرسائل إعلامية معينة. كما أثبتت الدراسات التي تناولت العلاقة بين السلوك العدواني للأطفال ومشاهدة التلفزيون أن (تكرار ) تعرض الأطفال لبرامج تحتوي على مشاهد عنف كان عاملا مهما في نشوء ذلك السلوك العدواني عند الأطفال .


2- طريقة عرض الرسالة الاعلامية 


مع التطور الهائل لوسائل الاعلام ، ودخولها مجال التقنية المتقدمة جدا تضاعف مرات عديدة التأثير الذي تحدثة تلك الوسائل في الجماهير . لم يعد الفرد يتعامل مع الرسالة الإعلامية مجردة وبشكل مباشر ، بل صارت تأتيه محفوفة بكثير من المؤثرات النفسية والسمعية والبصرية ، وصار الإخراج ( طريقة العرض ) فنا قائما بذاته تبدي فيه العقول أعمالا خلاقة .


فعلى مستوى الإعلام المطبوع وظفت الصورة والألوان وحجم الخط والخطوط والرسوم التوضيحية والخلفية المضللة ، ومكان النشر في الصحيفة أو المجلة لدعم عنصر التأثير في الرسالة الإعلامية . أما على المستوى الإعلام المرئي فقد خرجت عدسة التصوير التلفزيونية من الأستديوهات إلى الفضاء الرحب فصارت تختلط بالناس في الشوارع وأماكن العمل وتطير معهم على متن الطائرات .ولم تقف تقنية الإعلام المرئي عند هذا الحد بل أصبحت تحلق بأجنحة الخيال وتجعل من المستحيل ممكنا وهو ما يعرف بالخدع أو الحيل السينمائية ، حيث لم تعد الرسالة الإعلامية تأتي للفرد (بريئة ) ومباشرة ، بل ضمن حشد ضخم من المؤثرات التي تستهدف عقله وسمعه وبصره وعواطفه فتحرك كوامن نفسه وكوامن غريزته ، وتجعل الواقع الصعب قريب المنال وتصير المستحيل ممكنا .


3- صياغة الرسالة الإعلامية


تمثل صياغة الرسالة عاملا آخر من العوامل التي تسهم في تأثير الرسالة الإعلامية في الجمهور . وإذا كان العامل السابق طريقة عرض الرسالة الإعلامية يتعامل مع الحس ، فإن هذا العامل - صياغة الرسالة - يخاطب العقل والفكر والخيال ، والصياغة هي القالب الذي تصاغ فيه أفكار الرسالة بطريقة منظمة من خلال الإستخدام الذكي للغة والترتيب المنطقي للوقائع والأحداث .في الإعلام المطبوع ، ( الصحافة ) تسمى ( الصياغة ) أما في الإعلام المرئي (التلفزيون والسينما ) تسمى الصيـاغة بالسيناريو .


والرسالة الإعلامية قد (تعرض ) بطريقة جذابة ومؤثرة ، لكن إذا كانت ( صياغتها ) رديئة فإن ذلك يضعف من تأثيرها ، ولو سقنا مثالا على الطريقة التي تؤثر فيها صياغة الرسالة الإعلامية في الجمهور من خلال ( قصة شاب ) ، حيث هدف الرسالة الإعلامية هو الترويج لقيم معينة لها علاقة بمفهوم حرية وتمرد الشباب على قيم وعادات وتقاليد المجتمع المتينة ، في مجتمع مسلم محافظ ليس من السهولة عرض رسالة إعلامية مباشرة تدعو الشباب إلى التمرد على القيم السائدة وتشجعهم صراحة على تبني حياة لا تـحكمهــا ضـوابط العرف والأخــلاق . هنا تتدخل ( الصياغة ) فتقدم للجمهور ( قصة شاب ) سافر إلى إحدى دول الغرب في رحلة مليئة بالمغامرات والأحداث المثيرة والمشوقة ،


للترويج للقيم الجديدة ، تم من خلال الحديث عن ذلك الشاب الذي ( سافر ) و (استمتع ) وتغلب على كثير من المواقف ( المحرجة ) ونالت ( إعجاب ) كثير مما قابلهم ، وفوق ذلك كله ( أثبت ) أن العزيمة الصلبة تقهر المستحيل . ثم هو أيضا بكل ( تواضع ) يروي (تجربته ) لبني جنسه .


الرسالة الإعلامية بفكرتها هذه وبمضمونها الذي لم تصرح به ربما أدت إلى نتائج عكسية لو قدمت هكذا صريحة ومباشرة للقارئ أو الشاهد أو المستمع ، لكن من خلال تقديمها بهذا الإيقاع المثير وبتلك الصياغة الذكية تحدث الأثر المطلوب . فالرسالة الإعلامية من خلال هذا الإسلوب توهم الجمهور أنها لا تدعوهم لفعل ما يفعله الشاب صاحب القصة . إنها ( فقط ) تقدم لهم قصة ذلك الشاب ، وعلى كل شخص أن يفهمها بالطريقة التي تناسبه ، وأن يفهم منها ما يناسبه وفي واقع الأمر كل فرد أو على وجه الدقة ( كل شاب ) إطلع على القصة تمنى أن تكون مكان ذلك الشاب صاحب القصة . أليس هناك سفر واستمتاع وتغلب على المواقف المحرجة ونيل إعجاب الآخرين وقهر للمستحيل من خلال الإدراك والعزيمة الصلبة لشاب غض طري العود ؟ إنها باختصار مغامرة لذيذة لا يقف في وجهها إلا القيم والعادات والتقاليد . هذا هو الذي استقر في العقل الباطن ، أما المغامرة واللذة والمواقف المتعة فإنها تتلاشى بعد مدة ويبتلعها طوفان الأحداث اليومية . 


وسائل الإعلام هنا قد لايكون دورها ( دفع ) الفرد إلى ممارسة العنف ، وإنما مثلت مرجعية لذلك الفرد في ( نوع ) العنف أو الإثارة أو الخروج على قيم ومبادئ المجتمع ، الذي يمكن أن يقوم به في مثل هذه الحالات و ( كيف ) يقوم به ، وربما كيف يفلت من العواقب التي تترتب على مماررسة سلوك عنيف مثل هذا الذي قام به .


ويقول النقيب عبد الرحمن محمد رفيع ، تمر علينا مخالفات الأحداث البسيطة وقد وضعت بعض المسلسلات والافلام الهابطة بصماتها عليها مما يؤكدلنا بما لا يدع مجالا للشك أثر تلك المفاهيم والنقلات الخاطئة مسارات شبابنا الواعد ، ومثال واقعي لذلك تلك الجنحة التي كان بطلها أحد الشباب المنحرفين والذي تأثر بما شاهده في التلفاز والتي كانت عبارة عن مطاردة على شاطئ البحر بين شاب منحرف وفتاة بريئة بشاطئ الجميرا .. وبعد التحقق والملاحقة المكثفة أستطعنا ضبط الشاب الذي قام بتلك المحاكاة حيث أفاد بتأثره من جراء متابعة ذلك المسلسل الهابط الهدام . فمن وجهة نظرى الخاصة أن الانحرافات الشبابية التي تأتى من خلال تلك التأثيرات النافذة ، من شأنها تنمية روح الانحراف التدريجي الذي يقود صاحبة في مراحل متقدمة الى التمرس الذي يصعب معه التوجيه أو الاصلاح نسبة لنمو عود الحدث معوجا منذ بداية طريق المعرفة دون حماية واعية أو توجيه أمثل . 


إن معظم الدراسات التي تمت في الولايات المتحدة الأمريكية صنفت ما يمكن تصنيفه ضمن المواد الإعلامية المثيرة جنسيا ما اشتمل على ممارسة جنسية صريحة كالعناق والتقبيل والجماع والظهور العاري كليا . أما المواد الإعلامية التي تحمل إيحاءات جنسية كما هو متعارف عليها في ثقافتنا الإسلامية وفي مجتمعاتنا العربية المحافظة مثل ظهور مفاتن المرأة والنظرات والأحاديث العاطفة ، وغيرها مما لا يعد عملا جنسيا مباشرا وإنما مقدمات له ، فإن تلك الدراسات لم يلتفت إليها .


إن ما يجب استدراكه هنا هو أن المقارنة بين مفهوم الإثارة الجنسية في المجتمع المسلم ومفهومهفي المجتمعات الغربية ، يجب أن تأخذ في اعتبارها طبيعة المجتمع المحافظ والطبيعة الإباحية لتلك المجتمعات ، وأن الإيحاءات الجنسية في الرسالة الإعلامية المعروضة في مجتمع مسلم تؤدي إلى نتائج أسوء من تلك التي تنتج من عرض رسالة إعلامية تتضمن مشاهد جنسية صريحة في مجتمع غربي .أن التعرض المستمر للمشاهد التي تتضمن إيحاءات جنسية يشجع على الإغتصاب ، وذلك من خلال إحساس الفرد أن فعله أمر عادي ينطوي على المتعة وليس الجريمة التي يمكن أن يعاقب عليها . كما أنه بدافع هذا الإحساس يعتقد أنه بإمكانه أن يقدم على جريمة الإغتصاب ثم ينجو من العقاب بسهولة ويسر .


بالإضافة إلى ذلك فأن التعرض المستمر للمواد الإعلامية التي تقدم فيها المرأة كهدف لإستثارة الإيحاءات الجنسية ، ولو بشكل غير مباشر مثل وضع صورة المرأة الجميلة على غلاف المجلة أو استخدامها في الإعلانات ، يقود إلى احتقار المرأة والنظر إليها كشئ منحط يستخدم للتلذذ فقط ، بالإضافة إلى ذلك فأن التعرض المستمر لكل ما يتسبب في حدوث الإثارة الجنسية قد يؤدي إلى نشوء موقف متسامح تجاه الرذيلة والفساد . فالفرد الذي يجد أنه قد استثير جنسيا مرة وأخرى ، يصبح أكثر قبولا وأكثر تسامحا مع الفساد الأخلاقي ، لأنه يعتقد أنه في النهاية سيوفر له فرصة يشبع فيها رغبته وغريزته التي تحركت بسبب تعرضه لتلك المشاهد المثيرة جنسيا .


ويؤكد ذلك النقيب عبد الرحمن محمد رفيع عندما يقول : "فهل مثل تلك العروض السينمائية الهابطة تعتبر في نظر الرقابة الفنية بتلك الاجهزة مقياسا حقيقيا للتقدم والرقي المنشودين ؟؟ ، فأعود وأكرر بأن مسئولية أجهزة التلفاز بالدولة تعتبر في نظرى مهمة أساسية يجب مراعاتها بكلما من شأنه بذر البذرة القويمة التي لا بديل منها ، وفي حالة العدم فنحن في غني عن مثل ما يعرض حاليا من مسلسلات هابطة لاجدوى منها ولا نفع ، لماذا يقع أختيارنا على القصص التي تتوالد من خلالها الانحرافات والممارسات الخاطئة التي تقود الى الوحل والهبوط المبين ؟؟ " .


هل تنشر أخبار الجريمة أم لا ؟ 


تباينت الآراء حول هذا الموضوع ، هل من الأفضل نشر أخبار الجريمة في وسائل الإعلام ، أم إغفالها نهائيا ؟ والكل أصبح فيها له رأي ، علماء النفس والإجتماع من جانب ، والإعلام من جانب آخر ، والقانون والإدارة من جانب ثالث ، حتى المجتمع بمختلف طبقاته بما فيه الآباء والأمهات لهم وجهة نظر أخرى ، ولذلك كان لابد أن ذكر شيئا من هذه الآراء .


الآراء المؤيدة للنشر 


1- الوسائل الإعلامية هي مرآة المجتمع التي تعكس كل ما يقع فيه من خير أو شر ، والجرائم أو العنف بشتى أشكاله ظواهر إجتماعية خطيرة يجب على وسائل الإعلام أن تسجلها وتبثها ليعلم الناس حقيقة أضرارها التي تصيب المجتمع ، حتى لايقع فرد من أفراده ضحية لتلك الجريمة أو العنف .


2- أن الوسيلة الإعلامية لابد وأن تمد الجمهور بحقيقة الجرائم أو العنف ، لكي يصبح الناس مستعدين لعمل شئ ما تجاهها وإتخاذ إجراءات معينة تحول دون تكرارها . 


3- إن نشر أخبار الجرائم والعنف يحول دون فعل الشر ، ويجعل من يفكر في ممارستهما مترددا خزفا من الفضيحة بنشر وإذاعة اسمه مقرونا بارتكاب الجريمة أو العنف والتشهير به في المجتمع .


4- نشر وسائل الإعلام لمواد العنف والإجرام ، يساعد على كشف خطط وأساليب وحيل المجرمين وأصحاب العنف في إرتكاب جرائمهم ، وبذلك يصبح أفراد المجتمع متيقظين لألاعيبهم وأساليبهم الإجرامية ، حتى لايقعون فريسة سهلة في حبالهم .


5- في نشر وسائل الإعلام للجريمة إعانة لرجال الأمن في تعقب المجرمين والقبض عليهم ، وذلك لأن بعض المخبرين أو المندوبين أو المراسلين الإعلاميين يستطيعون أحيانا - متنكرين -الإختلاط بالمجرمين أو أهاليهم ومعايشتهم في بيئاتهم والوقوف على قدر كبير من حيلهم ومخططاتهم


فياصارحهم هؤلاء المجرمون بأمور قد تخفى على رجال الأمن .


6- أن نشر الجريمة عن طريق وسائل الإعلام ، يساعد الأطفال في التعرف على الخير والشر والتمييز بينهما قبل نزولهم إلى معترك الحياة .


7- عندما تنشر وسائل الإعلام أخبار الجرائم ، فإنها بذلك تشبع في الناس رغبة التشفي من مرتكبي الجرائم ، وتطمئن المواطنين على حسن سير العدالة .


8- عند نشر أخبار جرائم الأحداث يجب الإتفاق على عدم نشر أسمائهم أو صورهم ، وذلك حتى لا يحتفظ الناس بالصورة القبيحة الإجرامية عنهم وهم لايزالون في مقتبل العمر ، لأن الأمل كبير في إصلاحهم .


الآراء المعارضة للنشر 


1- إن وسائل الإعلام كثيرا ما تعرض لإخبار الجريمة بشكل يضر بالمجتمع ، حيث تقدم تلك الأخبار بصورة سطحية مبالغ في وصفها ، تعظم وتضخم صورة المجرم وكأنه البطل الذي حير رجال الأمن ، مما يغري الأطفال والشباب خاصة بتقليدهم ، ومن هنا يأتي تأثير وسائل الإعلام السئ التي تجعل من نفسها - بنشر أخبار وقصص الجريمة يوميا - مدرسة لتعليم فن الإجرام وتخريج المجرمين .


ولنتسائل معا ، ما هي الفائدة المرجوة من عرض أفلام ومسلسلات المطاردة الامريكية للصوص والتي غالبا ما تنتهى بهروب المجرمين من أيدى رجال الامن غير غرس روح التحدى لرجال الامن وللشرطة ، وهي بالطبع من صميم المحاكات الضارة . 


2- بنشر أخبار وقصص الجريمة في وسائل الإعلام تحدث بلبلة بين أفراد المجتمع ، وتتزعزع الثقة بالمثل والقيم والتقاليد الفضلة في المجتمع .


3- قد تصدر بعض وسائل الإعلام أحكاما - مقدما - غير عادلة على المجرمين ، وتطلق عليهم كلمات مثل " القاتل " ، " السفاح " ... قبل صدور الحكم من قبل المحكمة المختصة ، مع أن القاعدة تقول أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته .


4- يلاحظ أن بعض وسائل الإعلام - وخاصة المجلات - كثيرا ما تنشر قصص الجريمة بطريقة لا تطابق الواقع ، وإنما يميل الصحفي إلى تحوير الواقع وإعمال الخيال في وصف الجريمة ، حتى تكون كتاباتهم أكثر إثارة وجاذبية .


وبالعودة ألى كتاب ربنا ودستور حيتنا ، نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد عرض في كتابه الكريم صورا كثيرة للصراع بين الخير والشر ، من بينها أول جريمة قتل متعمد حدثت على وجه الخليقة ، هي قصة ( ابني آدم ) ، إذ يقول الله تعالى { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، قال لأقتلنك ... الآيات } .


يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى يأمر رسوله الكريم أن يبلغ هذا الخبر للمسلمين بكل تفاصيله ، ليبين لهم ماذا يمكن أن يفعله الحسد الذي يقضي على أقوى رابط ، وهي رابطة الأخوة ، وفي آية أخرى يقول جل وعلى : { أن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } . إنه وعيد دائم لكل من يقع منه مثل هذا الصنيع البشع ، وكثير ما هم في كل زمان . 


وانطلاقا من ذلك ، واسترشادا بهذه المعالم القرآنية الكريمة ، نخرج بنتيجة واضحة ومؤكدة ، أن الوسيلة الإعلامية ( النظيفة ) يمكنها أن تنشر وتقدم أخبار وقصص الجريمة للقراء أو المشاهدين كلما تطلب الأمر ذلك دون أي حرج ، مترسمة في ذلك خطى كتاب الله الكريم الذي أورد هذه المعالم بين دفتيه ، لتقبيح الجريمة ، وردع المجرمين ، ولو كان الإسلام يمنع ذلك ، لما وردت في قرآن كريم يتلى ويتعبد به ، وهو المنبع الصافي ، والمورد الصادق { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } . 


الخاتمة والتوصيات


وها نحن نصل إلى نهاية المطاف لنجد أن الإعلام بقدر ما يقدم للمجتمع من خدمات جليلة بقدر ما يتسرب منه ما يزعزع العقيدةوالقيم والمبادئ والأخلاق في نفوس أبناء مجتمعاتنا الخليجية ، بل ويدغدغ الغرائز دغدغة من شأنها أن توقف عقل الإنسان عن التفكير في العواقب فيقدم على اقتراف الجريمة تحت ذلك اتأثير القوي ، فالكل يعرف إلى أي مدى وصل الفيلم العربي في الإنحطاط بعد أن كان يكتفي بتصوير جريمة واحدة ، وهي التقبيل ، صار اليوم يدخل إلى غرفة النوم لإلتقاط مشاهد ساقطة فاضحة تخدش حياء الناس ... والأفلام الأجنبية تزخر بارتكاب جرائم القتل والسرقات والتخطيط لها بوسائل تبهر ، وتدفع إلى المحاكاة والتقليد .


ولكن لا يعني ذلك أن نقف مكتوفي الأيادي ، فلنعمل جميعا بعد أن نخطط بوعي وإدراك لمستقبل أفضل إن شاء الله ، ولنقترح بعض التوصيات علها تنفع في يوم من الأيام :


1- هذه الندوة أطلق عليها " الوقاية من الجريمة " ، الوقاية كما يقال خير من العلاج ، وهذا ما جاء به قرآننا الكريم منذ ألف وخمسمائة سنة تقريبا ، وذلك في قوله تعالى : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، إنه كان لكم عدو مبين } ، فكما طبقت هذه الآية في صدر وكانت الوقاية ، لابد أن نتخذها منهجا عند تخطيطنا للوقاية من الجريمة ، لا نقول الوقاية من جريمة الإغتصاب بل الوقاية مما أدى إلى الإغتصاب من سفور وتبرج تدعو إليه وتؤكده معظم صفحات مجلاتنا ومواد برامج تلفزيوناتنا وإعلاناتها .


2- التنسيق والتخطيط لا على مستوى وسائل الإعلام أو الشرطة والأمن ، بل التخطيط الشامل لكل مؤسسات الدولة ذات الصلة بالوقاية من الجريمة - ولا أعتقد أن هناك مؤسسة أو وزارة ليست ذات صلة بالمحافظة على الأمن زالأمان في الدولة - وأن يقوم ذلك على دراسة واعية ذات أهداف واضحة زاضعة عقيدة وعادات وقيم وأخلاقيات المجتمع أساسا تنطلق منه .


3- يمكن إقتباس بل إنتقاء كل ما هو نافع ومفيد من مختلف الثقافات العالمية ، مع تطويعه بما يتلائم مع ثقافة وحضارة المجتمع ، والبعد عن التقليد الأعمى في كل المجالات - حتى ولو كان ذلك من صغائر الأمور - لكي تبقى شخصيتنا هي السائدة .


4- أن يسن قانون بموجبه يفرض على وسائل الإعلام أن تكون 60% من برامجها ذات طابع محلي ، على غرار ما قامت به دولة كبرى ، وهي فرنسا ، التي ترى أن ما يأتيها من مواد إعلامية أمريكية عبارة عن غزو ثقافي فكري أمريكي .


5- إشراك العنصر الآسيوي - الأغلبة العظمى - ضمن البرامج الإعلامية - صحافة أو إذاعة أو تلفزيون - وذلك للعمل على زيادة الوعي لديهم ، وتجنيبهم مغبة الوقوع في الجريمة أو خطواتها ، وذلك بإعداد برامج خاصة بهم ( تلفزيون الشارقة تجربة ناجحة ) .


6- تشديد الرقابة على دور السينماء ، وتسجيلات الفيديو ، ليس لمنع المادة الدافعة للعنف أو الجريمة ، بل لمنع الخطوات الأولى نحو الجريمة ، وذلك بمنع تداول الأشرط الجنسية أو ذات إيحاءات جنسية كالتى تشاهد على شاشة التلفاز العادي وفي المنزل .


7- توجيه المجلات النسائية بالتخفيف - إن لم تمنع - من إعلانات المرأة الفضحة ، وعدم استغلال المرأة لتكون سلعة رخيصة تشترى وتباع ، بالإضافة إلى عدم استغلالها في البرامج الغنائية لتكون هي تلك الفتاة التي يتغنى بها كل ناعق ، لأن في ذلك إمتهان لكرامة المرأة التي كرمها بها ربها الكريم جل وعلا .


لأن هذه الفكرة مقلدة تقليدا أهوج لما تبثه محطات [ M . Tv. ] ، حيث يختلط الغناء الإثارة والجنس ، وهذا ما تحاوله تلفزيوناتنا تقليد الآن .


8- فإن كان لابد أن نبث أو ننشر أخبار أو قصص الجريمة والجنس والعنف ، فليكن ذلك وبصورة صحيحة ودقيقة ، لإبراز مافيها من مساوئ ومفاسد تعود على المجتمع بالخزي والعار ، ولتكون دروس رادعة لاتتكر لاحقا .




--------------------------------------------------------------------------------



المراجع والمصادر 


1- القرآن الكريم 


2- فريد عزت ، محمد ، بحوث في الإعلام الإسلامي ، دار الشروق ، جدة ، 1983.


3- محمد رفيع ، عبدالرحمن ، دور أجهزة الإعلام في ترشيد مسارات الشباب ، مجلة الأمن ، العدد 119 ، نوفمبر 1984 .


4- الجابر ، زكي ، التلفزيون وإقبال المشاهدين ... مسائل وحلول ، الدورية المغربية لبحوث الإتصال ، اكتوبر نوفمبر ديسمبر 1983 .


5- الجابر ، زكي ، من أجل دار للإعلام التربوي للأطفال والشباب في منطقة الخليج ... الأهمية والفاعلية والاسلوب ، مؤتمر وزراء التربية والتعليم والمعارف والإعلام بدول الخليج العربية ، الإمارات العربية المتحدة ، رجب 1404 هجري .


6- حسن ، حمدي ، مقدمة في دراسة وسائل وأساليب الإتصال ، دار الفكر العربي ، 1987 .


7- الدوري ، عدنان ، أثر برامج العنف والجريمة على الناشئة ... دراسة نظرية تحليلية ، وزارة الإعلام .. الشئون الفنية .. مراقبة البحوث والدراسات الإعلامية ، مطبعة حكومة الكويت ، 1977 .


8- الحضيف ، محمد بن عبدالرحمن ، كيف تؤثر وسائل الإعلام ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، 1994 .


9- البيان ، العدد 1546 ، 21/ 8/ 1984 .


10- الخليج ، 22/ 11/ 1992.


11- الإصلاح ، العدد 73 ، مارس 1984 .


12- زهرة الخليج 


13- الرياضة والشباب


14- كل الأسرة



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة