U3F1ZWV6ZTE2NDIxOTY5MTY3NjA3X0ZyZWUxMDM2MDM5ODE3MjU5MQ==

عاصمة الوهم ، وسيناريوهات "إنّ وأخواتها" !!

عبدالعالي مزغيش
في آخر تصريحاته للصحافة قال سامي بن الشيخ محافظ تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية إنه "حريص على إرجاع الشطر الأخير من ميزانية التظاهرة والذي قيمته مليار دينار إلى خزينة الدولة من أجل إسكات أفواه المنتقدين " . وكأنّ المشكلة فيما تبقى من الميزانية ، بينما أصل الانتقاد هو ما تمّ صرفه ، وعلى رأي المطرب الشعبي الساخر " قولولي يا سامعين ، 5.5 مليار دينار وين ؟؟ " فالعِبرة (بكسر العين) و العَبرة (بفتح العين) في تبرير طرق و كيفية صرف هذا المبلغ الضخم من الميزانية المخصصة للتظاهرة العربية ، وليست العبرة فيما ذهب إليه المحافظ في تصريحه الصحفي الذي تبدو فيه نبرة استعلاء تظهر جليّة في عبارته " اسكات أفواه المتتقدين " ، وكأنه ينتظر التصفيق والتهليل لا النقد والانتقاد ، وهي عادة سائدة عند أغلب مسؤولينا بعد انتهاء مهامهم حيث ينتظرون من الشعب أن يفرش لهم "البساط الأحمر" و من الصحافة أن تكتب عنهم ما تأنس له خواطرهم و ترتاح نواظرهم ، وأن يكرّمهم المتملّقون والمتسلّقون مباشرة بعد " نجاح المهمة" !!.
وفي تصريح صحفي آخر قال لخضر بن تركي نائب محافظ التظاهرة بلسان المتمني والمقترح " بإمكان قسنطينة أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية أو المتوسطية أو الافريقية ؟؟ " وكأن ما احتضنته الجزائر من قبل يشجّع على تنظيم مزيد من التظاهرات الثقافية الكبرى في بلادنا ، وهنا يمكن الردّ على أمنية بن تركي بسؤال :لماذا لا يجب أن تستضيف بلادنا مرة أخرى تظاهرة ثقافية بحجم سابقاتها ؟ ليأتي الجواب مفعما بالأرقام ملغّما بحديث التبذير والنهب و المشاريع الفاشلة و المؤجلة ، الذي شهدته تظاهرات سابقة هي "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 " و " المهرجان الافريقي الدولي 2009 " و " تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011 " ، وطبعا فإن "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 " هي الأخرى أخفقت في الوصول إلى المرجوّ منها شعبيا ، ولم تحقق الاجماع المأمول بين المثقفين و عامة الناس في قسنطينة و الولايات الأخرى .
لقد وصف وزير الثقافة عزالدين ميهوبي التظاهرة الثقافية في عاصمة الشرق بالحدث الناجح ، رغم أن عدد الكتب المطبوعة في التظاهرة لم يتجاوز الـ200 كتاب ، ورغم أن مسلسل و فيلم "عبدالحميد بن باديس" وفيلم "أحمد باي" اعمال سينمائية لم تر النور بعد لأنها انطلقت و التظاهرة تحسب ساعاتها الأخيرة ، ولم يجد الوزير مبرّرا لهذا التأخر وعدم الالتزام بالوعود سوى ممارسة "الحذلقة" الشعرية في ندوته الصحفية الأخيرة التي قال فيها بلغة السياسيين التي لا تخلو من "بلعطة" : " اليوم الاخير من التظاهرة أُريد له ان يكون بداية لأعمال أخرى حتى تستمر قسنطينة بحضورها الدائم على الساحة الثقافية وبحركية، وإن بعض الأعمال ما تأخرت إلا لتنضج أكثر !!" ، ورغم هذا الاعتراف الضمني بالتأخر إلا أن معاليه لم يجد مانعا من التصريح للصحافة قائلا "إن التظاهرة أوفت بوعودها " ، ليعلّق عليه أحد الساكنين في الفيس بوك بالآية الكريمة " والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون " !!.
إن الفشل الذريع الذي حققته خليدة تومي بإشرافها المباشر على التظاهرات الثقافية السابقة لن ينجو منه أحد اليوم حتى ولو كان وزيرا يكتب المعاني الجميلة و يتغنى بالقيم السامية ، إذا اتضح لاحقا أن أحاديثه المعسولة عن نجاح التظاهرة مجرّد أوهام يسوّقها للصحافة وأحلام يروّجها بين الناس ، و كلام "مثقف في السلطة" لا يمكنه إلا أن يقول " فولي طيّاب" ، وعليه فإن الانتقادات الموجّهة لهؤلاء الثلاثة : ميهوبي ، و بن تركي ، وبن الشيخ ، يجب أن يتحمّلوها و يتقبّلوها ، وفي الأثر قيل : " رحم الله رجلا أهدى إليّ عيوبي " .
المشكلة ليست في كتابات صحفية قد لا تقدّم ولا تؤخّر في الأمر شيئا كما تعوّدنا ، رغم أنه لابدّ منها لتسجيل الموقف ، لكن المشكلة في هؤلاء "المطبلين" لمعالي الوزير آناء الليل و أطراف النهار ، في مشهد مبتذل ، تحوّل معه "التزلف" إلى مهنة لمن لا مهنة له ، وردّ للجميل لابدّ منه نظير الاستفادة من مشاريع التظاهرات الثقافية التي عادة ما يتمّ تحويلها عن مسارها بسبب "تضخيم الفواتير" كأن تتم " فوترة " مهرجانات الموسيقى و السينما و سيناريوهات الأفلام و المسلسلات و تكاليف طبع الكتب و النشريات ، بأرقام خيالية ، وبعبارة مهذّبة : "ارقام بعيدة عن الكلفة الحقيقية " .
وإذا كان وزير الثقافة قد تحدّث عما أسماه " نهاية السوسيال في قطاع السينما " على هامش اشرافه على الانطلاق المتأخر لتصوير فيلم
"أحمد باي" ، فإنه مطالب أيضا بمحاربة "السوسيال" الذي يعشش في مؤسسات قطاعه ، حين يتمّ اسناد المشاريع الثقافية المكلّفة لفلان وعلان ،يتحول معها هذا الفلان والعلان بعد تظاهرة أو تظاهرتين إلى ثري ينتمي الى طبقة "الأثرياء الجدد" !!وطبعا فإن الحديث عن "التهميش" التي يعاني منه مثقفون و فنانون في ولايات "الهامش" ، حديث ذو شجون يتطلّب وقفة أخرى ، قد تسبقها –حسب مصادر موثوقة- وقفة احتجاجية لشعراء و روائيين و فنانين سينمائيين ومسرحيين و جمعيات فنية وثقافية ، للتعبير عن "حالة اللارضى" تجاه "مسرح العبث " الذي يسود الساحة الثقافية ، وهي الوقفة التي ستصفع جموع المتنطّعين و الممسكين العصا من الوسط ، المردّدين لأغنية صبيانية " ما أحلى الجوّ هنا يا رفقتي وأبدعا " ، بينما الأغنية الجديرة بالغناء حدّ العياء : ها تمرّدْ على الوضع الحالي !!
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة