الصحافة الصفراء
إعداد: خدر خلات بحزاني
المقدمة:
بين الحين والآخر نسمع بمصطلح (الصحافة الصفراء) يرد على لسان بعض السياسيين أو رجال المال والأعمال أو الفنانين أو الرياضيين أو حتى بعض العاملين في الوسط الصحفي وغيرھم من الشخصيات البارزة أو المعروفة في أي مجتمع كان.. و تعبير الصحافة الصفراء طالما تردد على ألسنة الناس, قد يقصد البعض بذلك صحافة الإثارة أيا كانت الإثارة سياسية أو اجتماعية أو جنسية، وقد يقصد البعض الآخر مفھوم تضخيم الحدث والمبالغة في سرده. و أيا كانت المفاھيم فإن الجميع يجمع على أن ھذا النوع من الصحافة أو صحف الإثارة، أقول يجمعون على إنھا تلقى ھوى ورواجا لدى القراء.
ما ھي الصحافة الصفراء؟ وھل ھي فعلا صحافة الإثارة والمبالغة والتھويل؟ ولماذا تكال الاتھامات لھا عقب كشف أية عملية فساد أو فضيحة؟؟ وما ھي حقيقة و سبب إطلاق صفة (الصفراء) على بعض الصحف؟؟ وھل إن تسميتھا بالصحافة الصفراء ھو بسبب أنھا كانت تطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن؟.
ھذا ما سنحاول معرفته في سياق محاضرتنا ھذه.
*قالوا في تعريف الصحافة الصفراء:
تعالوا نتعرف على بعض الآراء فيما قالوه عن الصحافة التي تسمى
بالصحافة الصفراء:
١ ھي صحافة تفتقر إلى المصداقية، والدقة، وتميل إلى التھويش والتھويل والمبالغة، وتعتمد على الإشاعات أو الأخبار الكاذبة أو الأخبار المحرفة أو الأخبار المصنوعة..
٢ الصحافة الصفراء ھي نوع من الصحف يھتم بنشر أخبار الجريمة والعنف والجنس والإثارة دونما نظر لخطورة تأثيرھا على وجدان الأمة
ونفسية الجماھير.
٣ الصحافة الصفراء، أو صحافة الفضائح، ھي الصحافة التي تسترزق
من أخبار و فضائح المجتمع و الفنانين و المواضيع الجنسية و مواضيع السحر و الشعوذة و قشور الدين، و الكثير من المعلومات التافھة و الخاطئة، وأغلبية المادة الإعلامية (إن كان بالإمكان إطلاق ھذه التسمية عليھا) بھذه الصحف تكون مسروقة و مأخوذة من وسائل إعلام أخرى و في الغالب من مواقع شبكة الأنترنيت.
٤ الصحافة الصفراء ھي صحافة تقوم على مبدأ ضرورة تجنب التأكيد
على حقيقة ما، ناھيك عن التوصل إلى نتيجة معينة.
٥ الصحافة الصفراء، ھو اصطلاح يطلق على الصحف (الجرائد
والمجلات) التي تھتم بنشر القضايا المثيرة التي لا تخاطب في الإنسان
سوى غرائزه، فمجالھا نشر الفضائح، وأخبار الجنس والجريمة و الحياة
الخاصة للمشاھير، وتعتمد كثيرا على الصور
٦ الصحف الصفراء تھدف بالدرجة الأولى إلى جمع الربح، ولذا فھي
مضطرة إلى تغيير طبيعة الأخبار والاعتماد على الإثارة والضجيج
الإعلامي.
٧ الصحافة الصفراء، مفھوم يشمل مجمل الممارسات القائمة على أساس الابتزاز في العمل الصحفي، واختلاق القصص المثيرة، والمبالغة المسيئة، وتحريف الكلام عن مواضعه بقصد
الإثارة، وإن كان على حساب الغير وإدعاء العلم بالأشياء، ومحاولة تشويه صورة الآخرين، والترويج للأكاذيب والخرافات.. ما أوردناه أعلاه يمثل بعض الآراء السلبية بحق الصحافة الصفراء، ونحن لا نستطيع أن نؤيد أحدا أو نقف بالضد من آخر.. بل نقول، نعم ھناك صحافة رخيصة تقوم على الابتزاز وفبركة بعض الأخبار والوقائع والمبالغة والتھويل في بعضھا الآخر، وھذا النوع من الصحافة موجود في معظم البلدان...
قد يتساءل احدنا، ھل الكل يقف بالضد من الصحافة الصفراء؟ ھل
ھناك مواقف معتدلة بحق الصحافة الصفراء؟ وما مدى رواج وشعبية
الصحافة الصفراء؟
وھنا أقول، الصحف الصفراء في روسيا تحتل مكان الصدارة في
مفردات البيع والربح ونسبة عدد القراء، خاصة بعد أن دخلت روسيا ما
يسمى اقتصاد السوق وبعد أن تخلت الدولة عن تمويل الصحف كما في فترة الاتحاد السوفيتي.
أما في العالم العربي فان مصطلح الصحافة الصفراء اقتحم قاموس الصحافة العربية في العقد الأخير من القرن الماضي بعد السماح بإصدار صحف بتراخيص أجنبية، وشكلت تلك الصحف ظاھرة صحافية جديدة
وأثارت جدلا واسعا في المجتمع العربي، سواء على مستوى سياستھا
التحريرية أو لغتھا الصحفية أو سقف حريتھا فيما تتناوله من موضوعات.
وبالرغم من الأغلبية لا يختلفون حول كون الصحافة الصفراء تافھة و رديئة، لكنھا مع ذلك ومنذ ظھورھا تلقى انتشارا واسعا و قبولا كبيرا،
وھي الصحافة الوحيدة التي تتمكن من سبر أغوار الحقيقة بأسلوب تعجز عنه وسائل الإعلام التقليدية.
وقبل أن يتحول اللفظ إلى سبة، كانت ولا تزال، ،« الصحف الصفراء » مصطلحا يشير إلى شكل معين لصحف أصغر من الشكل المعتاد
ويباع بسعر أرخص مما يشكل تحديا للصحف التقليدية كبيرة الحجم.
وينبغي أن لا ننسى إن أنظمة الحكم الديكتاتورية تدعم وتؤيد وتساند
الصحف الصفراء، فھي وسيلة ناجعة وناجحة للإلھاء وإتاحة قدر ھائل من القيل والقال في أمور لا تضر ولا تنفع أو كما يقال بالعامية (لا تودي ولاتجيب)..
وفي أمريكا، بلد الأخبار الدسمة والفضائح بلا منازع، كان لما يسمى
بالصحافة الصفراء اليد الطولى في كشف المغامرات العاطفية للرئيس
الأمريكي الأسبق بيل كلنتون مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا
لوينسكي.. أما في بعض الدول العربية فان الصحافة الصفراء تعتبر الضلع الثاني لمثلث الصحافة بجانب الصحافة السوداء، أي الصحف الحكومية التي لا ھم لھا إلا الإشادة بكل ما يصدر عن الحاكم والوصول به لدرجة التأليه، والضلع الثالث ھي (الصحافة البيضاء) وھى صحف المعارضة المستأنسة التي يوافق النظام على إصدارھا، وتسمى بالصحافة البيضاء لان القارئ لا يجد فيھا ما يقرأه، فھي صحافة لا تعارض ولا تمتدح الحاكم، وبين الأصفر والأسود والأبيض يستمر ضياع القراء العرب..
نعود ونقول إن (الصحافة الصفراء) قد تكون يومية أو أسبوعية أو شھرية أو دورية.. مثلما إنھا قد تكون واسعة الانتشار، ذائعة الصيت، شديدة الأثر!! أو على عكس ذلك، قد تكون مغمورة قليلة الانتشار، ضعيفة التوزيع، وذات اثر محدود، إن لم يكن معدوما.. وبغض النظر عن التأثير في اتجاھات القارئ، فإن الھدف الرئيسي من الصحف الصفراء التي تتناول أسرار السياسيين والفنانين ورجال الأعمال وقضايا أخرى، يتمثل في الاستفادة المالية لديمومة استمرار الصحيفة. ولان الإنسان في المبدأ كثير الحشرية, وفضولي الطبع ويريد أن يعرف تفاصيل الأخبار والأحداث ويريد أن يعرف الأمور الخاصة عند الآخر، تجده يتابع الصحافة المسماة بالصفراء..
ولكن ھل صحيح إنه عندما تصبح الصحيفة، صحيفة تشھير وعندما تصبح صحيفة سباب أو بتحديد أكثر صحيفة ابتزاز, تخرج عن صحافة
الدقة وصحافة تقصي الخبر؟؟
والإجابة على ھذا السؤال تكمن في انه ينبغي أن ندرك إن مفھوم الصحافة الصفراء يختلف من مجتمع لمجتمع، ولھذا السبب يتوجب ألتحفظ في إطلاق كلمة الصحافة الصفراء على صحف لھا دورھا في خدمة المجتمع رغم كل ما يلصق بھا من اتھامات قد تكون صحيحة، حيث يرفض القائمون على تلك الصحف الاتھام بممارسة الإثارة ودغدغة مشاعر القراء, رغم اعترافھم بنشر صور جريئة في سياق
ما ينشرونه من أحداث ووقائع..
فقد أصدرت عام ١٩٩٨ "جمعية الصحافة الأمريكية الحرة" دورية خاصة بمناسبة الاحتفال بالذكرى «١١٥ » بما يسمى بالصحافة
الصفراء، ومن الأمور الھامة التي تضمنھا التقرير الذي نشر في الدورية
الخاصة بالصحافة الأمريكية الحرة بعنوان «الشعيرة الفاصلة بين الصحافة الصفراء والمحترمة فاصل وھمي »ورد فيه أن ھناك صحفا
في العالم اتھمت بالصحافة الصفراء لأن جريمتھا الوحيدة كانت كشف
الفساد والسرقات والاختلاسات، ناھيك عن الفساد الأخلاقي لبعض المتنفذين ومالكي رؤوس الأموال، بالإضافة إلى اتھامات أخرى.
*منشأ تسمية الصحافة الصفراء:
ھناك من يقول إن منشأ اسم في الأوساط « الصحافة الصفراء »
الإعلامية العالمية يعود إلى صحافة الكاريكاتير التي ساھم في
انتشارھا الرسام الشھير « بلاتونريتشارد » فھو الذي ابتدع أول شخصية كاركاتيرية جماھيرية في الصحافة « الولد الأصفر » الأمريكية باسم الذي كان يناقش القضايا السياسية بطريقة ساخرة وموجعة للسياسيين، وبسببه أطلق لقب الصحافة الصفراء على ھذا النوع من الصحافة, وھناك مصادر تشير إلى أن تعبير الصحافة
الصفراء يعود إلى المسلك الذي انتھجه الصحافي الأمريكي « بولستينجوزيف » صاحب أھم جائزة أمريكية
في المجال الصحافي, فقد ابتدع ھذا الصحافي طريقة جديدة في الصحافة تعتمد على الخبر القصير والفكرة البراقة, والبحث عن الجانب الآخر غير المعروف من الحقيقة, وكان ذلك عام ١٨٨٣ بعد شرائه لصحيفة « نيويورك وولد » .
بينما ھناك رأي آخر يقول: لقد ولدت الصحافة الصفراء في أواخر القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا في مدينة نيويورك، وذلك حين أبدع أحد الكاريكاتوريين في تصوير الحياة في مباني المدينة المزدحمة، وبرزت من خلال الرسم طفلة بلباس أصفر نالت بعد ذلك شعبية كبيرة وصارت تعرف بالطفلة الصفراء، وعندما انتقل الرسام إلى صحيفة منافسة أخذ معه تلك « الطفلة » وراح يواصل رسمھا ھناك، وحافظت الصحيفة الأولى على « الطفلة الصفراء » عبر رسام آخر، ثم ظھرت الطفلة في مواد إعلانية ترويجية كثيرة لكلا الصحيفتين المتنافستين، ونشبت حرب التوزيع على أشدھا بين الطرفين، وكانت الإثارة ھي التي تقف وراء الجميع، ومن ھناك
أطلق لقب « الصحافة الصفراء » على صحافة الإثارة.
وھناك من يدعي إن من ساعد على نشوء الصحافة الصفراء ھو الناشر
والصحفي الأمريكي "وليم راندولف ھيرست" ( ١٨٦٣-١٩٥١ )
، وقد كان له في كل ناحية من نواحي الولايات المتحدة الأمريكية صحيفة أو مجلة.
وقد انتھج في نشر الأخبار نھجا مثيرا، فأظھر الفضائح والجرائم مما ساعد علي نشوء الصحافة الصفراء. وحسبما نقل محسن محمد مؤلف
كتاب « حكايات صحفية » ما يقوله « وليم ھيرست » عن نفسه:
"قوطعت لأني صديق لليھود, ثم قوطعت لأنني لست صديقا لھم.. واتھمت بأنني صديق لھتلر, ثم طرد ھتلر جميع مراسلي من بلاده لأنني عدو له، ولم يحبني الجمھوريون لأنني لم أؤيد الرئيس « ھريت ھوفر »، كما كرھني الديمقراطيون لأني لم أؤيد « روزفلت »، والآن قاطعني الاشتراكيون والشيوعيون على
السواء!".
ويشير « سيد محمود » مؤلف كتاب « الصحافة المشبوھة » إلى أن
« ھيرست وليم » اشترى صحيفة « جورنال » عندما كانت توزع ٣٠ ألف نسخة، وفي أشھر قليلة وصل توزيعھا إلى ٤٠٠ ألف نسخة، فقد استطاع ھذا الرجل جلب القراء السلبيين الذين لا يحرصون على قراءة الصحف بشكل عام إلى أطروحاته، خصوصا بعد موقفه المتشدد والمعارض لفكرة دخول أمريكا الحرب بجانب إنكلترا, مما جعل السلطات تعطل وكالة الأنباء التي كان يمتلكھا, وتم طرد جميع مراسليه من فرنسا, وكان كل من يحمل إحدى صحفه في كندا يلقى به في السجن لمدة 5 أعوام ويدفع غرامة مالية بقيمة 5 آلاف دولار!
وھنا ينبغي التوقف عند مصطلح آخر ھو (الصحافة الشعبية) المقابل لتسمية الصحافة الرسمية (أو الحكومية) .. والذي يختلف عن مصطلح (الصحافة الصفراء)، لان صفة الشعبية تعني مدى اقتراب ھذه الصحف من الشعب أو من عامة الناس.. وقدرتھا على مخاطبتھم بألسنتھم ولغاتھم وحسب مستوياتھم وفھمھم.. الأمر الذي قد يذھب إلى ملاحظة الأسلوب واللغة والتعبير أو المضمون، مثلما يذھب إلى حجم الصحيفة وطريقة إخراجھا. وتلك مسألة أخرى لا تتصل بالذم أو
الإساءة بل صفة ايجابية ملازمة لنوع معين من الصحف.
ولابد من الانتباه إلى أن الصحافة الصفراء ھي تسمية مجازية ولھا
تعريف خاص بھا يوضح معناھا وتسمى في أوربا صحف التابوليوت أو الأشبه بالصحف الشعبية.
ولا يمكن للحكومات في العالم الثالث أن تلاحق مثل تلك الصحف
لأنھا لا تمس قدسية الزعيم والحاكم وھذا شيء بديھي ولا يحتاج إلى
تساؤل، والغريب في الأمر إن تلك الصحف ھي الأكثر رواجا بين الناس
الذين يحاولون من خلال شرائھا، الابتعاد عن أروقة السياسة ومتاعبھا
وما تخلفه لھم من متاعب..
خاتمة:
وأخيرا نقول، يخطئ من يظن أن اسم الصحافة الصفراء يطلق على كل صحافة تتخذ من الكذب والفبركة منھجا لأطروحاتھا، أو أنه يصح أن
يطلق على تلك الصحافة التي تعتمد على الإثارة غير الأخلاقية عن طريق نشر المواضيع والصور المخالفة لقيم المجتمع الذي تصدر فيه,
فمما يجھله الكثير من الناس أن لمصطلح « الصحافة الصفراء » تاريخ
وحكايات, وأنھا رغم كل الصفات السلبية التي تلصق بھا تظل الصحافة
الأكثر شعبية بين القراء والأكثر تناولا لقضايا الرأي العام بجرأة تصل
بھا في أحيان كثيرة إلى المحاكم, لكن وصولھا إلى المحاكم لا يعني
إدانتھا، فكثيرا ما تخرج منھا منتصرة على خصومھا.
ولابد من الإشارة إلى أن من أھم الأسباب التي أسھمت في نبذ
الصحافة الصفراء وإلحاق الصفات المعيبة بھا رغم شعبيتھا الكبيرة
ھو كون خصومھا غالبا من السياسيين والشخصيات المھمة
والنافذة في المجتمع, ولاشك في أن ھذه الشخصيات تتمتع بنفوذ
كبير في وسائل الإعلام ذات المنھج التقليدي مما جعل ھذه الأخيرة تشن حملات متوالية على كل صحيفة تنتھج ھذا الأسلوب متھمة إياھا
بالكذب والتلفيق وتعمد إثارة الرأي العام بقضايا غير حقيقية!
ولعل من أغرب المسالك التي أسھمت في زيادة أعداء الصحافة الصفراء من السياسيين والمتنفذين في كل المجتمعات ذلك المسلك الذي يجعلھا تقف في صف الناس دائما.
المصادر:
1/« الصحافة الصفراء.. نشأتھا وتطورھا وضوابطھا »، برنامج كواليس ، الجزيرة نت.
2/« الصحافة الصفراء ».. للكاتب محمد ناجي عمايره.
3/« الصحافة الصفراء.. مرفوضة و مدعومة ».. للناشط والكاتب الجزائري جمال الدين بوزيان.
4/« الفضائح.. نفايات الصحف الصفراء أم كنوزھا؟ » ، خدمة « واشنطن بوست » لجريدة « الشرق الأوسط ».
5/«! عن الصحافة الصفراء أحدثكم »، للكاتب ھاني الظاھري، موقع الحوار المتمدن.
6/« ھل في اليمن صحافة صفراء؟ »، للكاتب اليمني عبد الرحمن عبد الخالق.
موفقون باذن الله
تحياتي
إرسال تعليق